الحيصا ـــ خالد سليمان
حين تنظر في عيني محسن علي ملحم، تشعر بحجم المأساة التي يعيشها هذا الرجل، الذي فقد أربعة من أفراد عائلته في القصف الإسرائيلي الذي استهدف في 11 آب 2006 جسر بلدته الحيصا في سهل عكار .
فقد أبو علي ملحم ابنه البكر علي (19 عاماً) وأخاه عبد الكريم، وابني أخيه علي وفادي محمد ملحم. كذلك استشهد 7 أشخاص في القصف هم : رشيد حسن، علي محسن، معلا معلا، علي معلا، علي جريسي، علي ماما وعلي الأكومي .
يروي أبو علي لـ«الأخبار» ما جرى صبيحة 11 آب، قبل ثلاثة أيام من انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان. في الضربة الأولى، استهدف أحد الصواريخ جسر الحيصا الذي يربط البلدة بباقي سهل عكار، وصولاً إلى الحدود السورية. وبعد سماع صراخ، أسرع عدد من عائلة ملحم وأشخاص آخرون باتجاه الجسر لمعرفة ما حصل، ولكنّ الطائرات الإسرائيلية كانت أسرع منهم، فاستهدفت الجسر بصاروخ ثانٍ، فحصلت مجزرة كبرى حصدت 11 شهيداً و14 جريحاً.
لم تنته مأساة أبو علي عند هذا الحد، إذ بدأت معاناته مع ابنيه الجريحين غسان (16 عاماً) ومحمد (13عاماً) ومع الهيئة العليا للإغاثة.
يقول أبو علي إن ابنه محمد بقي في مستشفى اليوسف الطبي في عكار مدة 12 ساعة دون معالجة، ما أدى إلى تفاقم حاله الصحية، فلم يكن أمام الأطباء سوى خيارين: إما موت محمد وإما بتر قدمه اليمنى، فكان الخيار الثاني. أما غسان فبُترت يده اليمنى.
غسان ومحمد انتقلا بعد ذلك إلى مستشفى سيدة المعونات في جبيل، وبعد ذلك إلى إحدى مستشفيات مدينة ميلانو الإيطالية.
مضى على وجود غسان ومحمد في إيطاليا نحو سنة. تحسنّت حالهما كثيراً رغم الإعاقة الدائمة، وأصبحا يجيدان اللغتين الإيطالية والفرنسية، ومعنوياتهما مرتفعة، إلا أنهما لا يرغبان في العودة إلى لبنان.
واستمرت معاناة أبو علي ملحم مع الهيئة العليا للإغاثة بسبب مماطلتها في دفع التعويضات لجرحى العدوان الإسرائيلي. تقدم أبو علي بمراجعات متكررة مع تقارير طبية من إيطاليا مصدّقة من القنصلية اللبنانية في ميلانو، تثبت أن غسان ومحمد مصابان بإعاقة دائمة. ولغاية اليوم لم تدفع الهيئة أي ليرة إلى أبو علي، رغم الوعود التي أطلقها اللواء يحيى رعد بحفظ حقوق غسان ومحمد ودفع التعويضات المستحقة.
أمام هذا الواقع يسأل أبو علي: «إلى أين يمكن أن يرجع غسان ومحمد بعد انتهاء فترة العلاج؟ هل الدولة قادرة على أن تؤمن لهما حياة مستقرة. أفضل أن يبقيا في إيطاليا ولا يعودا إلى لبنان». هذا الرأي تشاطره إياه زوجته والدة غسان ومحمد التي بدت متأثرة وغير قادرة على الكلام، مطالبة الدولة بتحمل مسؤولية معالجة ولديها، ومتمنية في المقابل أن يبقيا في إيطاليا، لأن «لا أمل في لبنان» كما تقول.