أنطوان سعد
يتوج بطريرك الموارنة مار نصر الله بطرس صفير زيارته لروما، قبل ظهر اليوم، بلقاء مع البابا بنديكتوس السادس عشر يبحث معه فيه في ما يحتاج إليه لبنان من دعم دولي يؤمّن له إطاراً إقليمياً ملائماً لتحقيق عملية توافق داخلي على ملف رئاسة الجمهورية. وقد نقلت أوساطه عنه لـ «الأخبار» قوله «إن الاهتمام الدولي بلبنان أكثر مما كنا نأمل، وهو على وجه الإجمال إيجابي ويصب في خانة تأمين الأجواء الإيجابية التي يحتاج إليها البلد، لكن الوضع الداخلي هو المقلق في ظل تصلب كل من الفرقاء وتمسكه بموقفه».
وبحسب هذه الأوساط، أسفرت لقاءات البطريرك صفير واتصالاته التي شملت كبار المسؤولين في الكرسي الرسولي عن «توجيه توصية فاتيكانية إلى الخارجية الفرنسية تطلب فيها إيلاء الوضع اللبناني أهمية كبيرة والدفع باتجاه تحقيق التوافق وإجراء الاستحقاق الرئاسي بأسلس طريقة ممكنة». لذلك، تضيف الأوساط القريبة من البطريرك صفير المرافقة له في رحلته، أدلى وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير بالتصريح الذي يُشتمّ منه أن الـ«كي دورسيه» مهتم بتقريب وجهات النظر بين الموالاة والمعارضة في لبنان، وأصرّ على تحديد موعد للاجتماع بسيد بكركي خلال زيارة الساعات القليلة التي قام بها أمس.
ولولا أن البابا اضطر إلى تأجيل موعده أمس مع البطريرك الماروني لأسباب قاهرة قيل إنها مرتبطة بإشكالات عمل على تسويتها حتى لا يتجدد التوتر بين الدولة الصينية والكنيسة الكاثوليكية فيها، لكان سيد بكركي قد عاد عصر أمس على متن طائرة خاصة قدّمها إليه نائب رئيس الوزراء السابق عصام فارس حتى يتمكن من الوصول إلى لبنان قبل السادسة مساءً، موعد الاجتماع الذي كان مقرراً بينه وبين وزير الخارجية الفرنسي.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن استجابة الـ«كي دورسيه» لتوصية الكرسي الرسولي ومحاولة العمل بموجبها أحيت تقليداً قديماً افتقده البطريرك الماروني. إذ كثيراً ما كانت الخارجية الفرنسية تتعاون مع الدوائر الدبلوماسية في الفاتيكان وتقدّم إليها المساعدة التي تطلبها منها، وخصوصاً في المسائل المتعلقة بالقضية اللبنانية على رغم تمسك الدولة الفرنسية بنظامها العلماني. ويبدو أن عهد الرئيس نيكولا ساركوزي قد أعاد تعزيز العلاقات الطيبة بين بلاده والفاتيكان، وأن الخارجية الفرنسية عادت تأخذ في الاعتبار موقع البطريركية المارونية في لبنان بعدما قدّم عليه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك مواقع أخرى.
كما أن ثمة تبدلاً ملحوظاً في طريقة تعاطي الـ«كي دورسيه» مع بكركي، إذ بات أكثر استعداداً لسماع وجهة نظرها على الأقل، بعدما كان عمله مقتصراً منذ وصول الرئيس جاك شيراك إلى قصر الإليزيه على إقناع البطريرك صفير بالتجاوب مع طروحات الرئيس الراحل رفيق الحريري. أكانت الطروحات متعلقة بالدعوة إلى المشاركة في الانتخابات النيابية سنة 1996 وسنة 2000 أم باستحقاق الانتخابات الرئاسية سنة 1998 أو 2004. وتكشف سيرة البطريرك الماروني في جزئها الثاني كيف كان الرئيس شيراك يقول مباشرة أو من خلال أحد موفديه أو سفيره لدى لبنان ما قد سبق للرئيس الحريري أن قاله لسيد بكركي، من دون أي إضافة أو تمايز تحتمه العلاقة التاريخية بين فرنسا والموارنة، التي تعود إلى مئات السنين. وفي تقويمها على وجه الإجمال لزيارة سيد بكركي إلى عاصمة الكثلكة وللّقاءات التي عقدها مع المسؤولين في الكرسي الرسولي والدولة الإيطالية، تشير أوساط مرافقة للبطريرك الماروني إلى أن ما يمكن قوله هو أن «المسؤولين الفاتيكانيين والإيطاليين والفرنسيين لم يعودوا راغبين في سماع الاتهامات المتبادلة التي يتقاذفها طرفا النزاع في لبنان وفي الدخول في تفاصيل الخلافات بينهما وخلفياتها، وليسوا مهتمين سوى بمعرفة الطريق الواجب سلوكها من أجل تأمين انتخاب رئيس للجمهورية على قاعدة التوافق بين جميع القوى السياسية وإذا كان الإجماع غير ممكن في ظل الأوضاع الراهنة فعلى الأقل بموافقة معظم هذه القوى».
وتؤكد هذه الأوساط التي لا تستبعد عودته إلى لبنان ابتداءً من بعد ظهر اليوم على متن طائرة خاصة تاركاً روما بعد انتهاء اجتماعه بالبابا، أن البطريرك الماروني لن يألو جهداً من أجل الدفع باتجاه إجراء الانتخابات الرئاسية على قاعدة التوافق والتفاهم واحترام النصاب الذي يؤمّن مشاركة جميع المكوّنات الطائفية اللبنانية، احتراماً للتقليد القائم منذ عهد الاستقلال الأول.