إبراهيم الأمين
لماذا أطاح فريق 14 آذار نفسه كل المناخ الإيجابي الذي ساد خلال الايام القليلة الماضية حول مبادرة الرئيس نبيه بري؟ ولماذا قبل النائب سعد الحريري بالتسوية التي أطاحت هذا المناخ الذي حرص السعوديون أنفسهم على إشاعته من باب التأييد لمبادرة بري؟ ولماذا قبل «العقلاء» في فريق 14 آذار هذه الوصفة المسمومة التي لا تؤدي الا الى شيء واحد اسمه الفوضى والانقسام؟ وهل يعتقد هذا الفريق ان بمقدور احد من الطرف الاخر التقدم خطوة اضافية بعد النقطة التي وصل اليها الرئيس بري في بعلبك؟
لماذا اصر النائب السابق نسيب لحود على اعلان ربط ترشيحه بفريق 14 آذار، وهو الذي يعرف ان المعارضة لن تقبل به على هذا الاساس. هذا اذا كانت توافق عليه اصلاً؟ هل لأنه واثق من ان الرئيس المقبل للبنان هو من فريق 14 آذار؟ ام هو اضطر الى هذه الخطوة امام حلفائه من هذا الفريق وبالتالي يمكنه لاحقاً انتزاع الهوامش التي تتيح له التواصل مع الاخرين؟
لماذا قال السفير الاميركي جيفري فيلتمان إن بلاده غير مستعدة لأي نوع من التسويات التي تؤدي الى إيصال رئيس يقبل بتسوية مع حزب الله؟ ولماذا أبلغ من يعتبرهم مقربين من المعارضة ومن سوريا أن واشنطن ستدعم أي خطوة يلجأ اليها فريق 14 آذار حتى لو كانت الانتخاب من جانب واحد؟
ثم لماذا صمت الفرنسيون عن الخرق المتكرر من جانب 14 آذار لكل الوعود والاتفاقات الاولية حول صيغة الحل؟ ولماذا قرر جان كلود كوسران الصمت ازاء ما بات يعرفه عن الموقف الحقيقي للولايات المتحدة الاميركية الرافض لإنتاج توافق كامل اليوم؟ ولماذا يصر الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى على الحياد السلبي ولا يقول في موقف 14 آذار الحالي ما قاله ولو بصورة غير علنية في موقف المعارضة من طرحه الاخير؟
وأكثر من ذلك، لماذا أخذ فريق 14 آذار هذا الوقت كله لإصدار الموقف السلبي من مبادرة الرئيس بري؟ هل فاضل اقطاب هذا الفريق بين تماسك الفريق الذي لا يقوم إلا على الموقف السلبي وبين تماسك البلد الذي يتطلب اضافة قليل من الماء الى خمرهم؟ ثم لماذا تأخر سعد الحريري في التوصل الى تسوية مع اميري الحرب وأتباعهما في فريق الحكم، ومن ثم تراجع الى حد تبنّي طرح وليد جنبلاط وسعد الحريري والاكتفاء بصياغة لطيفة لموقف أكثر
تشدداً؟
ثم ما هي حكاية الكلام المستجد لصقور هذا الفريق عن تطورات إقليمية قادمة من شأنها قلب الامور رأساً على عقب، وأن ما فشل في تموز من العام الماضي سوف ينجح هذه المرة ويكون أكثر شمولية؟ وهل هناك في لبنان من كان مسروراً بالانباء عن قيام إسرائيل بشن غارة داخل الاراضي السورية، وعن وجود استعدادات لقيام حرب إقليمية أو دولية على إيران قبل نهاية ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش؟
هل ثمة بين هذه القوى الرافضة لمبادرة الرئيس بري، من زاد رهانه على حرب جديدة تهيّئ لها إسرائيل ضد حزب الله والقول في المجالس الخاصة: هذه المرة سوف تستخدم إسرائيل السلاح الحقيقي وسوف ينتهي حزب الله في ساعات؟ وهل بين هؤلاء من يعتقد حقاً أن الجيش الاميركي سوف يكون جاهزاً في البحر لمنع انتصار المقاومة من جديد، أو لتعطيل أي نوع من الدعم السوري لها؟ وما هو سر الغبطة التي يشعر بها أميرا الحرب لدى سماعهما أن قوى أمنية اكتشفت شحنة للمقاومة في هذه المنطقة أو تلك، ومن ثم لا يتوقفان عن الاتصال بالقادة الامنيين والجهات القضائية لمنع توقيف مسلحين أو عناصر امنية تعمل في خدمة هذه القيادات كانت تعتدي على الناس هنا وهناك؟
ثم ما هي مناسبة الحديث المرتفع من جانب أبطال الحرب والميليشيات والقتل والإجرام في فريق 14 آذار عن التسلح لدى قوى المعارضة؟ هل هم يعدّون العدة لارتكاب جريمة تحت عنوان الحرب الاستباقية التي تدرّبوا عليها مع الرئيس بوش؟ ام هناك من يعد العدة منذ الآن لخلق مناخ أمني متوتر في البلاد عشية الاقدام على جريمة انتخاب رئيس من طرف واحد وخلافاً للدستور ولرأي نصف الشعب اللبناني على الاقل؟ وهل هم يعملون منذ الآن بقوة على إنتاج فرق مسلحة تتولى فتح مشكلات امنية متكررة في أكثر من منطقة بقصد قيام الجيش بعمليات امنية وعسكرية وإقحامه في مغامرات لعله يفشل في الامتحان بعدما تجاوزه في نهر البارد وبكلفة باهظة جداً؟
ثم ما هي حكاية الموقف السعودي المتقلب أو المتردد من الحوارات الجارية، بين دعم غير مفتوح لمبادرة بري، وانسحاب من النقاش أو الضغط على قوى 14 آذار للقبول بها أو السير بها مدخلاً لتوافق على الرئاسة؟ ولماذا تربط السعودية موقفها من هذه المسائل بالموقف الاميركي الرافض لإنتاج أي تسوية الآن، ثم تفتح النقاش السلبي مع سوريا من باب المشاركة في مؤتمر الخريف المقبل؟
وما هو سر حماسة أقطاب 14 آذار لذهاب لبنان الى هذا المؤتمر بمعزل عما يجري مع سوريا أو مع الفلسطينيين؟ وهل يثبت هؤلاء نظرية فصل المسارين بعد خروج سوريا بالانضمام الى أحلاف اقليمية تعمل الآن بجد على محاصرة سوريا وعزلها كما جرت محاولة عزل حزب الله ومحاصرته؟ ومن يقدر في لبنان على تحمّل خيار من هذا النوع؟
وأكثر من ذلك، إلامَ تستند هذه القوى في معركة تحتاج الى قوى العالم كله لأجل السيطرة والامساك بالبلاد، وهم الذين يعلمون علم اليقين أن قوى المعارضة لن تقبل بهذا الامر، ولن تسمح به؟ ام هناك من يستدرج المعارضة الى فتنة داخلية، وهناك من يعمل على جر حزب الله الى فتنة تأخذ مع الوقت طابعاً مذهبياً بين السنة والشيعة؟ وهل يعتقد هؤلاء أن الجيش سيكون على الحياد خشية الانقسام وبالتالي يصبح شرط وحدته ترك البلاد أسيرة فتنة متنقلة؟
ثمة ما هو مقلق بعد موقف 14 آذار الاخير. وكلام الرئيس بري عن تمسكه بمبادرته لا يكفي لإشاعة مناخ إيجابي، والامر بات رهن عقول لا يبدو أنها موجودة في رؤوس من بيدهم الأمر.