strong> غسان سعود
أخرجت انتخابات المتن الشمالي الفرعية، إلى العلن، نقاشاً داخل «التيار الوطني الحر»، حول الوضعين القيادي والتنظيمي، وشكوى «عارمة» من ممارسات المحيطين بـ«الجنرال» والتي يحمّلها البعض مسؤولية تراجع فارق الأصوات في أقل من عشرات الآلاف إلى بضع مئات.
طوال الشهور الماضية، كان ناشطون من التيار يتجنّبون الكلام العلني خوفاً من الاستغلال الإعلامي، إلى أن «طفح الكيل»، بحسب قول أحدهم، بعد مضي أسابيع عدة على «البحث والتقصي» في أسباب تراجع شعبية التيار وتراخي عملية التعبئة والحشد، وبعد الحيرة لمعرفة نتائج ما آلت إليه «التحقيقات» والإجراءات المتعلقة بالوضع التنظيمي، بسبب «تعدد المرجعيات وعدم فعاليتها، إلى التوتر المهيمن على العلاقات بين القيادات، مروراً بالحساسيات بين النواب أنفسهم. وعدم قيام هؤلاء بواجباتهم بالطريقة المطلوبة».
والأهم من ذلك، يقول قيادي بارز هو «شعور مؤسسي التيار وحاملي نير قيامته، بالإحباط، رغم كره العماد ميشال عون لهذه الكلمة. وذلك نتيجة الممارسة الحزبية طوال السنتين الماضيتين، والتي كان من أبرز تجلياتها عدم القيام بأي جهد جدي لخوض معركة المتن كما كان يفترض أن يحصل».

قرف ولامبالاة

ويشير القيادي نفسه إلى أن «بين العونيين من انحنى للعاصفة معتكفاً في منزله، وثمة من مشى في ما وصف بتطور التيار، إلا أن العاصفة طالت، وتبين أن تطور التيار بالنسبة لبعض القياديين الفاعلين يعني تهميش من ناضل وتصغيره، حتى على مستوى حضوره في بلدته أو جامعته. وأتت الانتخابات الأخيرة بنتائجها ومضمونها، لتدعم قول البعض إن التيار بغير شراكة حقيقية من أهله الحقيقيين لا يحقق النتائج المتوخاة منه، ولا يتفاعل مع محيطه بالطريقة المفترضة».
ولم يتوقف الأمر عند ما سبق، بل إن البعض بدأ بالحديث عن «فوضى لم تجد معها نفعاً الإجراءات التنظيمية التي وافق عليها العماد عون في الفترة الأخيرة»، حيث إن المرض الداخلي، بحسب القيادي البارز «تخطى القدرة على المعالجة عبر حبوب التهدئة، ولم يعد يمكن ترك الورم التنظيمي الخبيث يتمدد في جسد التيار حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية، وإنما ثمة حاجة استثنائية إلى استئصاله فوراً، وإلا ستطل الانتخابات النيابية المقبلة ولا يجد التيار في صفوفه ناشطين مستعدين للتضحية بساعة من وقتهم لأجل القضيّة، بعدما بات «القرف» و«قلة المبالاة» عندهم أقوى من محاولة الجنرال رص صفوفهم في اللحظة الحرجة وبث الحياة في نشاطهم، كما اعتاد أن يفعل».
ويلفت مناصر للتيار إلى تراجع اهتمام العونيين هذه الأيام بالقضايا السياسية التي تشغل الرأي العام، وارتفاع سجالهم حول ما وصلت إليه الأوضاع الداخلية، معلّقاً: «لعلها المرة الأولى التي ينتقدون فيها أبرز قيادييهم، في ظاهرة بدأت تأخذ حيزاً ديموقراطياً واسعاً، علماً بأن العماد عون يشجع عليه من منطلق اقتناعه بأن الشبان الغاضبين يريدون النقاش، مدفوعين بغيرتهم على مستقبل التيار. وهو يعلم في قرارة نفسه أن الذين رفضوا عرضه قبل سنتين للترشح للانتخابات النيابية لانشغالهم بتأسيس حزب التيار، لا يسعون إلا وراء المواقع التي تساعدهم على إيصال هذا الحزب إلى حيث كانوا يحلمون منذ كانوا مجموعة طلاب صغيرة».
ويكشف أحد هؤلاء الناشطين أنهم أعلموا عون «بوضوح وحدّة، تفضيلهم البقاء في منازلهم، محتفظين بتاريخهم المشرّف وكرامتهم التي تصدّوا بعنف لكل من حاول المس بها، على الاستمرار في تيار يحاول البعض التحكم بقراراته وإخضاع ناشطيه لمزاجيتهم بعد قصّ أجنحتهم وإذلالهم».

ما القصّة؟

«المرارة» نفسها تتكرر على ألسنة الناشطين من keyrouz bakery في المكلس، وديوان الهاشم في الزلقا، إلى مختلف مناطق التقاء العونيين، فـ«القصة بدأت بعد سنوات قليلة من نجاح مجموعة صغيرة من الشبان في التأسيس لإعادة الجنرال إلى الحياة السياسية اللبنانية، عبر حركة طالبية نضالية ناجحة، كان أولى ثمارها في انتخابات بعبدا الفرعية عام 2003 حين خاض هؤلاء الشبان المعركة بناشط من وسطهم يدعى حكمت ديب، ونجحوا منفردين بتحقيق ما اعتبر يومها معجزة سياسية».
وفي التتمة أنه «سرعان ما بدأت تظهر معالم خلافات صغيرة بين الناشطين الذين تحملوا وحدهم كلفة النضال والتمسك بالمبادئ. ويومها، لم يسع أحد بجدّ لحل هذه الخلافات، فتركت إلى حين عودة الجنرال المرتقبة من منفاه الفرنسي، وتخصيصه الوقت المطلوب لذلك.. لكن، ومع عودته، فوجئ من سهر أسابيع يحضّر ليوم العودة، بأنه ممنوع من دخول «بيت الشعب» المفتوح أمام أشخاص كانوا رموزاً في السخرية من العونيين والاستهزاء بنضالهم».
وهنا، يقول ناشط، تعرضنا «للصفعة المعنوية الأولى بعد العودة، وكنا نبحث عبثاً عن إجابة مقنعة حين يسألنا أهل بلدتنا أو زملاؤنا في الجامعة عن حال الجنرال ومواصفاته عن قرب». ويضيف: «بالتزامن مع فرض إجراءات تمنعنا من لقاء الجنرال بالطريقة التي حلمنا بها أعواماً طويلة، وجدناه محاطاً بأشخاص اختفوا من المشهد العوني خمسة عشر عاماً، وعمدوا بعدما تصدروا الواجهة، إلى استغلال ثقته بهم لإبعاد ناشطين لا يمكن لأحد تخيل التيار من دونهم في مناطقهم، دافعين إلى الواجهة أشخاصاً مغمورين في الحياة العونيّة معظمهم إما «أبناء عائلات» أو أصحاب رساميل، لأسباب ما زالت مجهولة حتى اليوم».
أما القصة ـــــ الغصة عند بعض الناشطين، فهي بحسب أحدهم «أن القياديين المحيطين بالجنرال عمدوا، عن قصد أو عن غير قصد، إلى إذلالنا عبر طرق عدة، كأن يزوروا بلداتنا ولا يمرون بنا، أو لا يردّون على اتصالاتنا. بل وأكثر من ذلك يقفلون الخط في وجوهنا، أو يساوون بيننا وبين من قمعنا عن اقتناع خلال السنوات الماضية، أو يرفضون النقاش معنا في هواجسنا والبحث عن تطمينات تقنعنا».
وإذ يرى ناشط بارز أن هذه الأمور الصغيرة تصبح كبيرة إذا تواصلت وتراكمت، يضيف إلى ما سبق «استغلال بعض النواب لمواقعهم والالتفاف الشعبي حولهم، ليتحولوا إلى مرجعيات تحاول فرض آرائها في مناطقها، وتعزيز حضور أزلامها على حساب منسقي التيار ومسؤوليه. إضافة إلى عيوب كثيرة في سلوك هؤلاء النواب، كتعامل بعضهم بفوقية مع ناخبيه، وعدم وضع استراتيجية عمل تؤمن حداً أدنى من الخدمات وتطالب بأكثر الحقوق إلحاحاً، مروراً بغيرتهم من بعضهم بعضاً وتبادلهم الاتهامات كأن العداء الذي يجمعهم أكثر بكثير من الود».
وما زاد الطين بلة، بحسب الرواية نفسها، أن هذه الأمور تفاقمت في وقت كانت فيه قيادة التيار تتخذ قرارات سياسية تحتاج من ناشطي التيار مضاعفة الجهد، فيما «النقمة» تدفع هؤلاء إلى التراخي، تاركين الساحة العونية لأشخاص لا يحظون بثقة مجتمعاتهم الصغيرة. ويشير البعض في هذا السياق إلى «أن أصغر ناشط عوني تعرض للتنكيل والاعتقال خلال الاحتلال السوري، كان سيكون أكثر قدرة على إقناع أبناء بلدته باستراتيجية التيار المرحلية من «أبناء العائلات» الذين نُصِّبوا فجأة ناطقين رسميين باسمه، وبعضهم لم يسمع بـ 13 تشرين ولا يعني له تاريخ 14 آذار 1989 شيئا».
وتنتهي «الرواية» بالإشارة إلى أن غالبية الناشطين «من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، قصدوا الجنرال خلال السنتين الماضيتين، وصارحوه بما يحصل في بلداتهم، ولم يلقوا منه جواباً غير دعوتهم إلى التحمل بانتظار الانتخابات الداخلية التي تأخر موعدها بسبب الظروف المحلية». وفي انتظار الانتخابات، وبعد استحداث التيار ثلاث لجان تنظيمية جديدة، يكاد يجمع الناشطون الذين برزوا خلال مرحلة «المعاناة»، على أن تيارهم «خسر خلال سنتين وديعة شعبية كان يفترض أن لا تنتهي صلاحيتها قبل عشرة أعوام على الأقل»، آسفين لأن ممارسات بعض المحيطين بعون أدت إلى «القضاء على الكادر الوسطي الذي كان يربط بين الجنرال والمجتمع طوال عقد ونصف، حيث ازدادت الهوة بين القيادة والقواعد».
أما الحل، بحسب القيادي البارز، فهو «كبش يضحي به العماد ليحفظ التيار».