بعد مضي ربع قرن على مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، تفضل الدولة العبرية تناسي تورطها في هذه الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات مسيحية متحالفة معها.وقال المستشرق ابراهام سيلا ان "كل شيء يجري وكأننا نريد اقصاء هذه المجزرة من الذاكرة الجماعية والتفكير باقل قدر ممكن بمسؤولية الجيش" فيها.
واضاف "امر مدهش ان يكون ارييل شارون (وزير الدفاع آنذاك) عين عام 2001 رئيسا للوزراء وحظي فيما بعد بشعبية كبيرة، بعد ان وجهت لجنة تحقيق رسمية اصابع الاتهام اليه بشكل جدي". غير ان شارون ارغم في شباط 1983 بعد بضعة اشهر على مجازر 16 و17 ايلول على الاستقالة بعدما اعتبرته لجنة تحقيق برئاسة القاضي اسحق كاهانا "مسؤولا شخصيا" عن المجازر التي وقعت في وقت كان الجيش الاسرائيلي منتشرا في محيط المخيمين، واتهمته بعدم توقعها او عدم منع حصولها.
واخذت عليه اللجنة بصورة خاصة عدم التحسب لـ "مخاطر حصول اعمال انتقامية" تنفذها ميليشيات القوات اللبنانية التي اتهمتها اللجنة بتنفيذ المجازر، ردا على اغتيال قائدها بشير الجميل في 14 ايلول 1982 بعد انتخابه رئيسا. وتبقى اسئلة كثيرة عالقة بعد مضي 25 عاما على الوقائع.
لماذا لم يأخذ شارون هذه المخاطر في الحسبان؟ ولماذا بقي الجيش الاسرائيلي الذي اجتاح لبنان في حزيران 1982 مكتوف الايدي امام المجازر الجارية تحت انظاره؟ والى اي مدى تحديدا كان المسؤولون الاسرائيليون متورطين؟
ونادرا ما تطرح هذه الاسئلة بشكل صريح. وفي مطلق الاحوال لم يعد شارون قادرا اليوم على الرد عليها وهو يرقد في غيبوبة عميقة منذ كانون الثاني2006، وقد هدد لفترة بملاحقات قضائية باشرتها عائلات بعض ضحايا المجازر امام القضاء البلجيكي عام 2001. وفي لبنان، قتل رئيس جهاز الامن في القوات اللبنانية السابق ايلي حبيقة الذي اعتبرته لجنة كاهانا المسؤول الرئيسي عن المجازر، في اعتداء وقع عام 2002 بعد ان هدد بكشف معلومات عن المجازر. غير ان كل التفسيرات والتبريرات لا يمكن ان تحجب الوقائع.
ففي 15 ايلول 1982 دخل الجيش الاسرائيلي الى الشطر الغربي من بيروت بقرار من ارييل شارون من اجل "منع اراقة الدماء والاعمال الانتقامية" ومكافحة "الفي ارهابي" يختبئون فيه، بحسب ما اعلن الجيش.
ويتفق المؤرخون على نقطة ثانية وهي ان المجازر وقعت على خلفية عزم القوات اللبنانية القضاء على الوجود المسلح الفلسطيني في لبنان، وهو هدف يلتقي مع مخطط اسرائيلي لاعادة تشكيل المشهد السياسي في لبنان لم يعمر طويلا. وقال ابراهام سيلا "لا اعتقد انه كان هناك قرار او ضوء اخضر صريح سمح للميليشيات المسيحية بارتكاب مجزرة". واكد شارون من جهته انه لا يمكن اتهامه ب"مجزرة ارتكبها مسيحيون عرب ضد مسلمين عرب"، منددا بحملة تشهير.
وبالرغم من ان لجنة كاهانا لم تاخذ بهذا التبرير، الا ان المؤرخ توم سيغيف قال انه "كان لديه بالتاكيد تاثير على الرأي العام الاسرائيلي" وعلى الذاكرة الجماعية فيما بعد.
(أ ف ب)