جوان فرشخ بجالي
لقرية كفرعبيدا في قضاء البترون تاريخ قديم يعود إلى5000 سنة. هذه هي النتيجة الأولى للحفريات الأثرية التي قام بها فريق من قسم الآثار في الجامعة الأميركية

فدعوس، اسم قديم للشاطئ الممتد بين كفرعبيدا والبترون في شمال لبنان. اسمٌ خرج من التداول إلى أن قرّر فريق من الجامعة الأميركية في بيروت إجراء حفريات أثرية على التلّ الأثري المعروف باسم «تل فدعوس»، فعادت الحياة إلى الاسم محمّلة بكثير من التاريخ.
تل فدعوس، هو قرية تعود إلى العصر البرونزي القديم: 5000 سنة. وكان قد اكتُشف صدفة. فقد التفت أحد تلامذة الآثار في الجامعة الأميركية، خلال مروره على الطريق البحرية القديمة، إلى أن جرافة كانت تعمل في المكان وتدمّر جدراناً مبنية بالحجر، وأن ما يتساقط على الأرض من آثار هو عبارة عن كمية كبيرة من الفخار. ما يعني أن الجرافة كانت تدمّر موقعاً أثرياً!
أبلغت المدرّسة في الجامعة الاميركية ومديرة الحفرية الدكتورة هيلين صادر المديرية العامة للآثار بما رآه تلميذها، فأوقفت الأعمال. وتوجه فريق من الأميركية لتحديد الأضرار على الموقع. وبين عامي 2004 و2005 أنجزت دراسة الآثار التي كشفتها الجرافة. تقول الدكتورة صادر إن العديد من القطع الخشبية والحبوب والعظام أرسلت إلى المختبرات العلمية لدراستها بطريقة (Carbone 14) بشكل مفصّل لتحديد تاريخها، وقد كشفت النتائج أن الموقع كان مأهولاً منذ الـ2700 ق.م.». ونُشرت النتائج الأوّلية للدراسات في مجلة BAAL، وبدأت التحضيرات للحفريات.
قام الفريق بحفريات في موقعين مختلفين من التلّ. فهناك من عمل على زاوية الحائط الذي خلّفته الجرافة وقطع أوصال التل، وفريق ثانٍ عمل على أعلى التل حيث كان يعتقد أن سوراً قد بني. في الزاوية السفلى. أدّت النتائج الأولية إلى اكتشاف أربعة منازل سكنية، يفصلها عن بعضها طريق صغير كان عليه حجر محفور داخله كما لو أنه كان يستعمل في شبكة قنوات تصريف المياه. وتشرح الدكتورة صادر «أن جدران المنازل مبنية من الحجر غير المنحوت، ومطلية من الداخل، ويصل ارتفاعها إلى مترين. أما بالنسبة إلى حجم الغرف، فهي ضخمة: طول البعض منها يصل إلى 6 أمتار وعرضها إلى 4، وفي زوايا إحداها اكتُشفت حفرة تُحفظ داخلها الغلال. وفي مكان آخر، عُثر على جرن محفور في الصخر، وليس بعيداً عنه، أزيل التراب عن ركيزة عمود الدعم الذي كان يمسك بالسقف». وسقف البيت هذا كان قد انهار ودُمرت معه مختلف القطع الفخارية في داخله. وقد عثر الفريق على أكثر من 15 ألف قطعة من الفخار، لايزال البعض منها يحمل آثار التزيين، أو ختم صاحب المصنع. ومن القطع الأثرية التي اكتُشفت في تل فدعوس هذه السنة خمس إبر مصنوعة من العظام، وسكاكين مصنوعة من الصوّان.
أما في أعلى التل، فقد عثر الفريق على درج ضخم مبني من الحجر، لم تحدد وجهة استعماله بعد، إذ يتطلب الأمر إجراء المزيد من الحفريات، وهذا ما سييجري عمله في السنة المقبلة. وفي آخر يوم من التنقيب، عُثر على مقبرة لراشد، دُفن في داخلها مع ثلاثة أوانٍ فخارية. وبالطبع، يعدّ هذا الاكتشاف حافزاً قوياً للفريق للعودة في السنة المقبلة لاستكمال الحفريات.
أما بالنسبة لأهالي القرية، فتؤكد الدكتورة صادر أنهم أبدوا اهتماماً بالحفريات الأثرية على هذا الموقع. وكانوا يأتون «وفوداًً ويسألون الفريق عمّ يبحث عنه. ولكن يبدو أنه كان من الصعب عليهم تصديق نتائج الحفريات، وخصوصاً تلك المتعلقة بتاريخ الموقع، فكانوا يتساءلون: «قرية عمرها 5000 سنة هنا؟ وأين الذهب؟». وتقول الدكتورة صادر إنه «كان من الصعب إقناعهم بأن الذهب لم يكن موجوداً في تلك الأيام. ففي العصر البرونزي لم تكن الناس تستعمل المعادن بسهولة، بل كانت تفضل الصوّان والفخار». وتؤكد «أن العثور على الذهب في قرية صغيرة ساحلية كهذه مستحيل. فمن المؤكد أن أهلها لم يعرفوه قط». ولكن، كسر «أسطورة» الذهب المدفون في المواقع الأثرية، والتي يتسلى أهالي القرى بسردها على بعضهم أمر صعب، يتطلب سنين من العمل العلمي ومن التواصل مع الأهالي، وتعريفهم بالآثار كعلم يكشف الحياة في العصور القديمة وذلك أثمن من الذهب.




كفرعبيدا في التاريخ

تقول الدكتورة هيلين صادر «إن الدراسة الأوّلية للعظام المكتشفة على هذا التل الأثري أثبتت أن الحياة في القرية القديمة التي يعود تاريخها إلى 5000 سنة، تشبه إلى حدِّ كبير الحياة في قرية كفرعبيدا الحديثة. فسكانها كانوا من المزارعين الذين يعيشون حياة بسيطة، ويحرثون الأرض ويزرعونها. وكان طعامهم اليومي يتكلّ على المحاصيل الزراعية والصيد على اليابسة وفي البحر. فكانوا يأكلون، وبكميات كبيرة، الزيتون والتين والعنب، ويذبحون الغنم والماعز والغزلان البرية. كما أنهم كانوا يصطادون من البحر الأسماك والسلاحف والأصداف، ويستعملونها في طعامهم اليومي. فكمية الأصداف وعظام السمك المكتشفة تؤكد ذلك».