إبراهيم الأمين
كان بمقدور الرئيس نبيه بري تفجير الموقف أول من أمس. كان ثمة من يحث أو يرغب في أن يخرج منه كلام عن إقفال الابواب. وثمة في فريق 14 آذار من انتظر موقفاً متشدداً من النوع الذي يقال عنه إنه إقفال لباب الحوار من جانب المعارضة. بل اكثر من ذلك، كان هناك ـــــ وتحديداً وليد جنبلاط ـــــ من يرغب في أن يخرج الرئيس بري عن طوره وأن يندفع نحو موقف من النوع الذي يحوله الى طرف دون أي قدرة على المناورة كمحاور يطرح فكرة توافقية. وفي تدقيق ممل لكيفية صياغة بيان 14 آذار، لم يكن ممكناً لمراجع معنية التوصل الى حقيقة من يقف خلف الصياغة التي قال الرئيس بري إنها تضمّنت إهانة مباشرة له، وهو الأمر الذي سعى قياديون في الفريق الحاكم الى نفيه، مشددين على أنه تم الفصل بين الكلام عن مبادرة الرئيس بري ودعوة المعارضة الى الحوار. ولفت هؤلاء الى أن النقاش الذي جرى في الاجتماع الذي صدر البيان على اثره تضمن إشارات ود كثيرة باتجاه بري، وأن النائب سعد الحريري تحدث عن أمور يكون فيها بري لاعباً مركزياً، كما أن جنبلاط نفسه لم يتورط في مواقف من النوع الذي يشتم منه رغبته في تأزيم الامور اكثر مع رئيس المجلس، وأن الأخير تلقف دعوات وجهت إليه للعودة عن خطاب التوتر ازاء رئيس المجلس وحاول مغازلته في المقابلة التلفزيونية الاخيرة.
ومع ذلك فإن بري الذي يعرفه جنبلاط زميلاً، لا في النضال السياسي فقط بل في ألاعيب الشيطنة السياسية المحلية، ما كان ليمنح الفريق الحاكم هذه الفرصة، بل كان حريصاً على تكرار القول إنه لن يذهب بعيداً في إطلاق اتهامات مباشرة، برغم أنه قال الكثير الذي حاول الزميل مارسيل غانم شرحه بالأسماء دون ان ينجح، ما عدا مرة واحدة. وأكثر من ذلك، كان بري متسلحاً كما قال بمواقف بدت حقيقية في الأوساط الشعبية، التي دعمت المبادرة دون أن يكون لها موقف سلبي من فريق 14 آذار، أو دعم لشخص الرئيس بري، بل كان الأمر عبارة عن رغبة جدية عند غالبية اللبنانيين في تسوية من شأنها تنفيس الاحتقان الكبير على مستويات عدة، وخلق مناخ انفراجي يساعد على إطلاق دورة اقتصادية تخفف الأعباء القائمة.
وإذا كان بري أبقى الباب مفتوحاً أمام من يرغب في بذل مساعي تعيد الامور الى مسار الحل التوافقي، فإن الأمر لا يتصل بالنوايا فقط. ذلك أن بري كما قادة المعارضة الاساسيون باتوا مقتنعين ويلمسون لمس اليد أن مشكلة فريق الاكثرية تتصل أكثر بالموقف الاميركي العائق لتسوية في هذا الوقت، الأمر الذي يعيد الى الاذهان فكرة استهلاك الوقت ريثما يصار الى خلق معطيات لبنانية أو إقليمية من النوع الذي يحسّن مواقع فريق 14 آذار، وهو ما بات يعرف برهانات الفريق اللبناني المتكل على آليات عمل خارجية يرى فيها فرصته لتعزيز موقعه أو للحد من الخسائر. وأكثر من ذلك فإن بري المستعد الآن، باسم المعارضة، للدخول في مفاوضات مكثفة حول شخصية الرئيس المقبل وبالتالي اسمه، يدرك أن هذا الأمر هو بالذات ما يسعى فريق 14 آذار الى الهروب منه. فقط لأن أقطاب الفريق نفسه يشعرون بصعوبة التوافق الآن على مرشح واحد كما يصعب عليهم الخروج من ترشيحات فريقهم. وهم يعرفون أن مجرد رفع شعار التوافق على اسم واحد سوف يهدّد وحدة الفريق المسيحي في 14 آذار، وسوف يفتح الباب مباشرة للبحث في المستقبل السيسي لهذا الفريق وآلية مشاركته في الحكومة المقبلة، وهو ما يعني احتمالاً كبيراً لانقسام جديد ولكن في الفريق المسلم هذه المرة. ولا ينبغي لأحد في 14 آذار التصرف بسذاجة مع موقف الوزير محمد الصفدي والتكتل الطرابلس الذي يتصل أساساً بالموقع الفعلي لهؤلاء في فكرة الشراكة، وخصوصاً أن تجربة الصفدي في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة غير مشجعة له ولا لرفاقه من الذي يشعرون يومياً بأن المطلوب منهم التغطية فقط دون الحصول على قدر معقول من مكاسب السلطة.
في جانب آخر، يبدو أن فريق 14 آذار واجه معضلة أخرى، تتصل بالموقف الخارجي، إذ كشف البطريرك الماروني نصر الله صفير قبل وبعد عودته الى بيروت أنه لم يقتنع بوجهة نظر المندوب السامي تيري رود لارسن حيال جعل الانتخابات الرئاسية تتم وفقاً للقرار 1559، أي توفير مظلة دولية مسبقاً لأي خرق يمكن أن يقدم عليه الفريق الآخر. ومع ان صفير يخشى الفراغ اكثر من أي شيء آخر، فإن محاولة لارسن وأقطاب فريق 14 آذار استغلال هذه النقطة لإقناعه بضرورة توفير الغطاء المطلوب لانتخاب ولو من طرف واحد، لم يحقق النتيجة المطلوبة، بل أصر صفير على موقفه من نصاب الثلثين وشرح وجهة نظره التي تتطابق مع وجهة نظر الرئيس بري لناحية أن هذه السابقة قد تتيح لفريق واحد من اللبنانيين في أي وقت انتخاب رئيس دون الحاجة الى رأي أو موافقة أو تغطية الآخرين، عدا عن اقتناعه بأن فريق 14 آذار بوضعه الحالي لن ينتج رئيساً مستقلاً بالفعل بل سوف ينتج رئيساً محظياً بدعم شكلي لكن دون أن يكون مقرراً فعلياً.
أما المستفيد الأكبر من هذا السجال الذي قام بعد موقف 14 آذار من مبادرة بري ومن رد الاخير، فهو الرئيس إميل لحود الذي بات حراً أكثر من السابق لجهة ما يراه من خيارات تتفق عملياً مع وجهة المعارضة التي اقتربت الآن أكثر من توافق دون قرار على دعم فكرة الحكومة الثانية، بخلاف الممانعة التي قامت سابقاً ولا سيما من الرئيس بري كما من العماد عون، وهو الأمر الذي من شأنه أن يتعزز مع وجهة المعارضة نحو إبراز قدر أعلى من الحزم مع فريق 14 آذار، بعدما بات الرئيس بري نفسه أمام واقع صعب من النوع الذي يحرمه هامش المناورة الذي انتزعه من فريق المعارضة منذ اليوم الاول لإطلاق المفاوضات مع الطرف الآخر. وهذه النقطة التي يعرفها بري، يرى معارضون أن من المفيد أن يدركها فريق السلطة حتى لا تكون هناك مفاجآت في المرحلة المقبلة. فكيف إذا تحول شعار التيار الوطني الحر: عون راجع على بعبدا، الى شعار يهتف به كل من له صلة بالمعارضة؟