إبراهيم الأمين
هل نحن على شفير 67 ثانية أم 73 ثانية؟
بالطبع لن يكون السؤال: هل نحن أمام 82 ثانية أم 2006 ثانية، لأن ما بدر منذ نهاية حرب تموز الماضية لا يقود الى الاستنتاجات التي تفيد بأن إسرائيل جاهزة اليوم لشن حرب جديدة على لبنان، وإن كان جيشها جاهزاً للدفاع ضد أي هجوم يخشى الاسرائيليون أن يتعرّضوا له من هنا أو من هناك. إلا أن السؤال الاقليمي أكثر حضوراً من أي وقت سابق، لأن الموقف الحالي لا يتصل بما ترغب فيه القوى الثانوية أو التي حوّلت نفسها الى دول ثانوية لا تقرر بل تتلقى، وهذه المرة قد لا يقتصر الأمر على تلقي تعليمات بل، ربما، على تلقي صدمات من النوع الذي يسقط أنظمة وحكومات وقادة.
في لبنان بدا الامر واضحاً لهذه الناحية، في فريق 14 آذار أقطاب من الذين يمكنهم نقل الملف من مكان الى مكان، لكن هؤلاء هم بالضبط من يتحدث عن السيناريو الاسود. وهؤلاء يكررون اليوم، وبوقاحة لم تظهر حتى في تموز 2006، أن الحرب المقبلة في المنطقة ستغيّر كل الوقائع، وهم يبالغون في الحديث عما يملكون من معطيات ومعلومات عن أن الحرب الجديدة ستستهدف سوريا أولاً، وستظهر نتائجها خلال أيام لا خلال اسابيع، وستنهار كل الجبهة السياسية والعسكرية والمدنية التي تتصل بواقع النظام السوري اليوم.
ويصمت الأقطاب قليلاً قبل أن يوضحوا لمن في دوائرهم الضيقة، أن الأمر قد لا يتأخر، وبالتالي لا داعي للاستعجال في أي تسوية داخلية، ولا في تسوية ذات بعد إقليمي.
سعد الحريري الذي رافق رئيس المخابرات السعودية مقرن بن عبد العزيز الى باكستان، تصرّف بطبيعية غير مسبوقة. كان واثقاً من أنه لن يطالبه أحد في لبنان بهذا الشكل من الظهور. هو متأكد من أن في فريق 14 آذار من يعملون عند مقرن بن عبد العزيز، وأن بينهم من فتح فمه ليغمض عينيه. وفي الطرف الآخر، يراهن الحريري على استمرار الخشية عند قوى المعارضة من محاولة جرّها الى فتنة داخلية. لكن الحريري نفسه، يعرف أن في الدول العربية، والغربية أيضاً، من يتحدث ويكثر من الكلام، وأن ما خص التنسيق القائم حالياً بشأن موقع لبنان في الخريطة التي ترسمها إدارة الرئيس جورج بوش للمنطقة، ولو في آخر سنة من ولايته، بات في متناول كثيرين. ثم هناك ما يجري على الارض، بغية القول إن الأمور تتجه صوب صدام عنيف، لن يكون لبنان فيه سوى قطعة صغيرة من البازل الذي يسعى الأميركيون الى تركيبه من جديد.
لكن ما الذي يحصل؟
تعامل كثيرون في لبنان مع الغارة الاسرائيلية على سوريا بشيء من الاستخفاف، أو تورّط البعض منهم في لعبة التجاهل على قاعدة أن الأمر لا يعدو كونه اختباراً من النوع الذي لا يشغل البال. في إسرائيل كان واضحاً أنهم راهنوا على صمت سوري، وأن في مقدورهم تنفيذ مثل هذه العملية من دون الحاجة الى الاعلان عنها أو عن نتائجها، وأن سوريا لن تحشرهم في زاوية يقصد منها تحميل إسرائيل المسؤولية عن نتائج هذا العدوان. لكن سوريا سارعت الى الإعلان عن الحادث، ورسمت له سياقاً من النوع الذي لا يقفل الباب على أية احتمالات، وحتى التصريحات التي نسبت الى نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد تم تصويبها. وبدل أن تكون سوريا غير معنية بالتصعيد صارت على استعداد للرد على هذا العدوان، وهو الأمر الذي بات جزءاً من تركيبة ما بعد حرب تموز الماضية. وبقدر ما استفادت سوريا من نتائج صمود المقاومة في لبنان وانتصارها، باتت ملزمة بمسار لا يشبه مساراتها السابقة، وهو الأمر الذي عجّل من عملية تحديث القوات المسلحة هناك، وبناء قوة قادرة على تحمّل المسؤولية متى دقت ساعة العمل.
في إسرائيل تصرفوا على أساس أن الإعلان السوري هو نوع من الالتزام بالرد. وهو أمر صحيح. لكن الاستنفار العسكري والامني والسياسي القائم الآن لدى العدو، لا يرتبط بمعلومات محددة، بقدر ما يعبّر عن الشعور بأن العدوان الذي نفذ على سوريا يستوجب الرد، وأن الاتكال على لامبالاة سورية، لم يعد منطقياً، ولذلك فإنه برغم كل أشكال الرقابة المشدّدة على الإعلاميين والسياسيين في إسرائيل، يتركز الكلام المباح على ضرورة التأهب لردّ سوري، أقله لن يكون متوقعاً.
ولكن، هل تنتظر إسرائيل رداً سورياً من أجل المبادرة الى حرب واسعة؟ هل تريدها أميركا في مهمة شرق أوسطية جديدة بعدما فشلت في عام 2006. وهل يشعر إيهود أولمرت وقادة الجيش هناك بأن القرار الأميركي بحماية مواقعهم جعلهم، مثل كثيرين من الحكام العرب، يعيشون على الدعم الاميركي فيصبحون رهائن. وبالتالي هل بات أولمرت مثل محمود عباس وآخرين من قادة المنطقة رهن إشارة الولايات المتحدة؟
الأكيد أن إسرائيل لم تكن لتقدم على عدوانها الاخير على سوريا الا لسبب من اثنين: اما ان الهدف الذي ضرب من النوع الذي لا يمكن تركه. واما ان العدوان جاء في سياق الاستعداد للحرب الكبرى. هذه الحرب التي قد لا تقتصر على سوريا. بل ستشمل لبنان وفلسطين وربما ايران ايضا. ولذلك فان الطرف الاخر، يعرف منذ اللحظة الاولى لتوقف اطلاق النار في لبنان العام الماضي. ان عدوا حاقدا في اسرائيل وادارة متهورة في الولايات المتحدة، وخنوعاً عربياً وغربياً، تعني ان الاستعداد للمواجهة المقبلة هو اولى الاولويات. وهذا ما يفرض على هذه الجبهة سلوكا مختلفا في لبنان.
وبهذا المعنى، يمكن فهم الاصرار الاميركي على تعطيل تسوية من النوع الذي يفرض شراكة تحول دون تورط قسم من اللبنانيين في مغامرة اقليمية من هذا النوع، وتحول دون توافق لا يلغي خطر المقاومة كما ترغب اميركا واسرائيل، ولا يريدون توافقا من شأنه فتح الباب امام استعادة علاقات طبيعية مع سوريا. ولا يريدون توافقا يفرض تنازلات من جانب الفريق الموالي لهم في السلطة، وهي التنازلات التي تعبر عميقا عن فشل المشروع الاميركي في لبنان وبأسرع مما توقع خصومها. ولذلك فان احدا من العاقلين يعرف انه لا مجال لتسوية سريعة في لبنان الا في حالة تراجع المشروع العدواني على سوريا وايران. وحتى حصول ذلك، فان الكلام عن الملف الرئاسي سيظل يشغل بال الناس، فيما الامور الاخطر تحصل في مكان اخر... وليس امام القوى الرافضة سوى خيار واحد: الاستعداد للمعركة!.