strong> نادر فوز
حصل مازن ورفيقاه على قنبلتين يدوّيتين مخبأتين في منزل أحد الأقارب. جابوا طريق «مستشفى الأطباء ـــــ الصنائع»، حيث افترق عن المجموعة أحد العناصر لينفّذ عملية استطلاعية أخيرة. أكمل الآخران طريقهما وانتظرا عند مدخل الزاروب المؤدي إلى منطقة الظريف، والذي لا يبعد إلا أمتاراً قليلة عن صيدلية بسترس ، مكان تنفيذ العملية. عاد «الرفيق» من مهمته مبتسماً، وأخبر الآخرَين تفاصيل تمركز الجنود الإسرائيليين الثمانية. بهدوء، انتزعا حلقتي أمان القنبلتين، خرجا وسارا أمتاراً قليلة، ثم وقفا في وجه الإسرائيليين، ورميا قنبلتيهما وعادا أدراجهما من حيث أتيا .
إنها العملية الأولى لـ«جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» يوم 18 أيلول 1982، بعد يومين من إطلاق جورج حاوي ومحسن إبراهيم انطلاقة «جمّول». تتالت بعدها العمليات على الجيش الإسرائيلي، فكانت عمليّتا «محطّة أيوب» و«مبنى منظمة التحرير» وغيرهما، فخرج الاحتلال ليل 27ـــــ 28 أيلول من بيروت ، وتحرّرت العاصمة العربية الوحيدة التي اجتاحها الجيش الإسرائيلي.
احتفل أمس الحزب الشيوعي بمرور خمسة وعشرين عاماً على إطلاق «جمّول»، في المكان الذي انبثق منه «فجر الأمل، فجر جبهة المقاومة المعلن بدايات العدّ العكسي لعصر الهزيمة»، كما تشير اللوحة التذكارية، مكان انطلاق العملية الأولى للجبهة .
ارتدت «بسترس»، كما كل عام، حلّتها الحمراء التي نبذها أهل بيروت المحرّرة. سيطرت الأناشيد الثورية على أجواء المنطقة، فكانت أغاني خالد الهبر ومارسيل خليفة وأحمد قعبور وغيرهم، رغم تخلّي بعض هؤلاء عن قضيّته، وسيره وراء الطبقة الحاكمة.
احتّل الشيوعيون الطريق، نشروا أعلامهم، وهتفوا باسم المقاومة والعدالة الاجتماعية والعلمانية. «على خط النار»، «ما بيدوم»، هتف بها الشيوعيون أمس، غير آبهين بانحسار حجم شعبيّتهم، أو متناسين الأوضاع التي يعيشونها اليوم بين أنياب المعسكرات والتحالفات الطائفية الأخرى التي تتناتش قادتهم التاريخيين، أو ربما رأوا أنّ يوم أمس ليس إلا يوماً للاحتفال بما حقّقوه، ولما استشهد لأجله من سبقهم، رغم أنّ «جمّول» توقّف بها الزمن منذ أكثر من 15 عاماً.
جدّدت وجوه شبابية ما قامت به رؤوس كساها الشيب، حضرت للاحتفال أمس. وقف «الحرس القديم» ينظر إلى حماسة «نبض جديد» بدأ ينشط في «الحزب»، فتذكروا، بحنين، ما صنعته الأيادي الحمراء قبل أكثر من عشرين عاماً. إنه اليوبيل الفضّي لتأسيس «جمّول»، وما أسّسته «الجبهة» لا يزال قائماً، ولو أنّ الخلفيّة تغيّرت، فالمفهوم لا يزال مستمراً والأفكار لا تزال موجودة.
لمشاركة الحزب الشيوعي في ذكراها، حضر ممثلون عن الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية والفلسطينية وعن السفارة الكوبية.
وألقى الوزير السابق عصام نعمان كلمة الرئيس سليم الحص، فرأى «أنّ «جمّول» لم تستأذن ولم تكن بحاجة لأكثرية الثلثين أو الأكثرية المطلقة لتنطلق». وتطرق إلى الوضع السياسي الراهن، مشيراً إلى أنّ أحد أسباب الأزمة السياسية هي «أن فريقاً في السلطة لا يعترف للمقاومة بحق المقاومة».
وألقى كلمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عضو مكتبها السياسي، مروان عبد العال، الذي رأى أن «الغزو السياسي للمنطقة العربية واحتلال الإرادة والعقول» هو شكل غزوٍ جديد بعد إفشال المقاومة للاحتلال الأميركي الصهيوني.
وتحدث الدكتور فوّاز طرابلسي، فأشار إلى أن المقاومة قامت «لأن سلطة منعت الجيش اللبناني من أن يمارس دوره في الدفاع عن الوطن وفي مقاومة الاحتلال»، مشيراً إلى أنّ «قرار إطلاق جبهة المقاومة اكتسب شرعيته الشعبية قبل السياسية».
كذلك ألقت القائمة بأعمال سفارة كوبا في لبنان ماريا إيزابيل فيلاسكيز كلمة، حيّت فيها جبهة المقاومة وشهداءها وشهداء مجازر صبرا وشاتيلا. وأطلقت سبع حمامات لكل من عميد الأسرى في السجون الإسرائيلية سمير القنطار، والأسير المحرر أنور ياسين، والمعتقلين الكوبيين الخمسة في سجون الولايات المتحدة الأميركية.
وتحدث باسم حركة الشعب إبراهيم الحلبي، فأشار إلى أن رأس المقاومة مطلوب، مؤكداً أنّ المشروع الأميركي ــــ الإسرائيلي سينحدر اليوم كما انحدر عام 1982.
ثم تُليت رسالة من سمير القنطار، وجّه من خلالها تحية إلى شهداء الجبهة، داعياّ إلى تذكّر روح الشهيد جورج حاوي «مطلق نداء التصدي والقتال حتى طرد الاحتلال»، خاتماً: «إنّ شعار المرحلة يجب أن يكون: المقاومة باقية».
في الختام، ألقى نائب الأمين العام للحزب الشيوعي، سعد الله مزرعاني، كلمة المكتب السياسي للحزب، فأشار إلى أنّ التعاون مع إسرائيل بالأمس، والتعاون مع واشنطن اليوم، «ليس هو السبيل الصحيح المفضي إلى السيادة والحرية والاستقلال». ورأى أنّ الفراغ والانقسام السياسي وتفاقم الاستقطابات المذهبية، تكوّن إشارات خطيرة لتفاعل الأزمة الداخلية، ولـ«إغراق المقاومة وتحويل الانتصار على العدو الصهيوني وشريكه الأميركي» في الأزمة السياسية والأمنية، ما قد يتحول إلى حرب أهلية لبنانية. ورأى مزرعاني أنّ الأولوية هي لمنع الانفجار الأهلي، وأنّ «تأجيل الحل الإنقاذي الديموقراطي الحقيقي يساوي ضياع لبنان».
وعند الواحدة والنصف، أقام اتحاد الشباب الديموقراطي و«مؤسسة جورج حاوي» احتفالاً في مكان استشهاد الأخير في وطى المصيطبة، تحدث خلاله كل من عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي، رياض صوما، والأسير المحرر أنور ياسين، ورافي مادايان، وممثل الشبيبة الشيوعية الفنزويلّية.