نقولا ناصيف
قبل أسبوع من موعد الجلسة الأولى لمجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في المهلة الدستورية، ليس ثمة ما يشير إلى آمال بالتئامها. بالتأكيد سيحضر الرئيس نبيه بري ونواب قوى 14 آذار والمعارضة، ولن يبارحوا مكتب رئيس المجلس حتى يتأكدوا من اكتمال النصاب القانوني. لكنه لن يكتمل. وبعد انتظار، سيعمد بري إلى تحديد موعد آخر في الأسبوع الذي يلي. وذلك يعني أن الآلية الدستورية للاستحقاق ستشق طريقها، من غير أن تُفضي إلى النتيجة الحتمية قبل عيد الفطر، في منتصف تشرين الأول المقبل. وحتى ذلك الوقت، سيضاعف كل من طرفي النزاع ضغطه على الآخر، تحت سقف إصرارهما معاً على الحوار سعياً إلى اتفاق، حوار يعرفان أنهما عاجزان عن التوصل إليه.
وإلى أن يحين أوان ربع الساعة الأخير، وهو الموعد الجدي للاستحقاق، فإن معطيات جديدة تحيط به أبرزها:
1 ـــــ خروج قوى 14 آذار من الحديث الهامشي عن خوضها الانتخابات الرئاسية بمرشح من صفوفها، إلى كشف لهذه الأوراق عبر الدعم الصريح الذي قدمته لترشيح النائب السابق نسيب لحود الأسبوع الفائت. وبدا من إشارات بديهية رافقت إعلان لحود ترشيحه، أنها ربما تكون قد حسمت بالفعل خيار مرشحها، من غير أن تكون قد اجتمعت وقررت ذلك، على نحو ما اتُفق عليه سابقاً. ومغزى ذلك، أن بعض أركان 14 آذار، ربما يكونون قد قرروا تقصير مهل مقاربة الاستحقاق بالإعلان عن مرشحهم. وفي الواقع، استناداً إلى ما يفصح عنه أركان آخرون، فإن الآلية المتفق عليها في هذا الفريق، منذ أكثر من شهر، تقضي بإفساح المجال أمام أعضائه الراغبين في الترشح لرئاسة الجمهورية طوال شهري المهلة الدستورية، على أن يحسموا مرشحهم النهائي عشية 14 تشرين الثاني المقبل، استعداداً لانتخاب رئيس جديد في الأيام العشرة الأخيرة من ولاية الرئيس إميل لحود، دون أن يعبأوا بموقف المعارضة. وهم بذلك يكونون قد أوصدوا نهائياً فرص التوافق والتفاهم، وقرروا أن ينفردوا بإجراء الاستحقاق.
ورغم وجود مرشحين جدّيين آخرين في قوى 14 آذار، هما النائبان بطرس حرب وروبير غانم ترشحا بالطريقة نفسها للحود، أي قرن مواصفات المرشح ببرنامجه، فإن التأييد العلني لترشيح النائب السابق ودفعه في واجهة الحدث، رمى إلى تحديد سقف جديد لمواصفات مرشح قوى 14 آذار وإظهار نسيب لحود نقيض الرئيسين إميل لحود وميشال عون كمتنيّ وكسياسي على تماس حاد معهما معاً، بمثل ما هو على تماس حاد مع سوريا، من دون إغفال وجه المحاور فيه في مرحلة ما بعد انتخابه رئيساً. ولأن حرب قال إنه لا يترشّح لانتخاب بنصاب النصف زائداً واحداً، وغانم قال إنه لا يترشح كعضو في 14 آذار، بدا لحود البروفيل الأقوى لإرباك المعارضة، ولتأكيد قوى 14 آذار مضيّها بأي ثمن في انتخاب رئيس جديد للجمهورية بمرشح يحظى باحترام الداخل والخارج في آن واحد وتقديرهما.
2 ـــــ بداية ملامح تمايز في المواقف الدولية والعربية المعنية مباشرة بالاستحقاق الرئاسي. وما خلا واشنطن، تقترب هذه المواقف أكثر فأكثر من التسليم بالتوافق لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، شأن ما قالت به السعودية ومصر وإيران والفاتيكان وروسيا وإيطاليا، كذلك فرنسا التي لا توصد تماماً الأبواب أمام خيارات بديلة. وهي أيضاً حال الأمم المتحدة التي عبّر ممثل أمينها العام غير بيدرسون لبري عن دعمه التوافق واحترام المهلة الدستورية. بذلك يلامس المجتمع الدولي السجال القانوني الدائر حيال نصاب جلسة الانتخاب من غير الخوض فيه. على أن القاسم المشترك في ما بين دوله المعنية، هو تأييد مبادرة رئيس المجلس، التي تعني أولاً وأخيراً نصاب الثلثين والتوافق على مرشح واحد.
3 ـــــ في ظل تعدّد المرشحين الجدّيين للاستحقاق، لا يُظهر طرفا النزاع استعداداً لبدء حوار على اسم المرشح التوافقي، ولا اعتاد اللبنانيون كشف هذا الاسم من الأيام الأولى للمهلة الدستورية. وبطبيعة الحال، فإن القول بمرشح توافقي يتطلب توقيتاً ساخناً يرغم قوى 14 آذار والمعارضة معاً على سحب مرشحيهما، والبحث عن اسم ثالث. أضف أن المشكلة الفعلية المحيطة بالانتخابات الرئاسية باتت تتركز على اسم الرئيس الجديد، لكونه سيرمز إلى القوة السياسية التي تدعمه. ولذا أصبح من باب لزوم ما لا يلزم القول إن الاسم الذي تسميه قوى 14 آذار سترفضه المعارضة، والعكس صحيح أيضاً. وبمقدار ما في وسع الغالبية التهديد بانتخاب رئيس من صفوفها بنصاب النصف زائداً واحداً، تهدد المعارضة بدعم تأييد تأليف حكومة ثانية. وهكذا يدفع الطرفان البلاد إلى هاوية الفوضى.
على أن اختيار الاسم ليس مشكلة لبنانية فحسب، بل هو أيضاً مشكلة دول، كواشنطن، ترى نفسها معنية بالاستحقاق. والواضح أنها بتحديدها مواصفات الرئيس المقبل، تعترض سلفاً على أسماء تعرف أنها لا تمثل المواصفات تلك، الأمر الذي يلمسه بعض السياسيين والدبلوماسيين الوثيقي الصلة بالدبلوماسية الأميركية، والواسعي الاطلاع على خبرتها في الشأن اللبناني. وخلافاً للموقف الأميركي من التمديد للرئيس الراحل إلياس الهراوي عام 1995، ثم انتخاب الرئيس إميل لحود عام 1998، باتت الدبلوماسية الأميركية أقرب إلى الاهتمام باسم الرئيس الجديد، وتوسيع هامش مشاركتها الضمنية في الخيار، من غير أن تفصح عن مرشحها، أو المرشحين الأكثر طمأنة لها في إدارة المرحلة المقبلة من حكم لبنان. بل راح الدبلوماسيون الأميركيون في المرحلة الأخيرة، يبرزون جدّية التحوّل الذي يتحفظ عنه في الظاهر السفير جيفري فيلتمان عندما يتحدث بلامبالاة عن النصاب وبتجاهل المرشحين المحتملين، هو أن هؤلاء الدبلوماسيين الأميركيين ينقلبون على أسلوب اعتمدته الخارجية في استحقاقي 1995 و1998، عبر جهرها علناً بمعارضة بعض الأسماء، كالوزير والنائب الراحل إلياس حبيقة، فتكون قاطعة في رفض وصولهم إلى الرئاسة، وبإيحائها عدم ممانعة وصول أسماء أخرى، رغم أن الأميركيين كانوا يقولون إنهم يعرفون أن أصحابها موالون لسوريا، ولن يكونوا أصدقاء لواشنطن. حينذاك كانت الأخيرة لا تزال تأتمن دمشق على لبنان ومصيره. في بعض الأحيان، خاطب الدبلوماسيون الأميركيون السياسيين والدبلوماسيين اللبنانيين الكثيري التردد عليهم: إذهبوا واتفقوا مع سوريا على الرئيس الجديد، لأنه سيكون مرشحها. وذهب أحد هؤلاء إلى القول عام 1998: «لا تشغلوا الرئيس والخارجية والأمن القومي بهذا الموضوع».
اليوم أضحى الموقف مختلفاً أكثر بكثير مما يُوحَى به.