strong> فداء عيتاني
  • «التوحيد هي «بقايا اليسار المتطرف، مع الجماعات الإسلامية» بحسب ما يعرفها احد الكوادر القتالية التي كان لها دور رئيسي في تأسيس الحركة ردّاً على الاجتياح الإسرائيلي للبنان ووصول بشير الجميل إلى السلطة


  • طرابلس تبايع حركة التوحيد بدل الاستسلام وسوريا المهزومة لا تعترض

    «ليس الفقر مصدر القاعدة أو الحركات الإسلامية المجاهدة، بل الأسئلة السياسية التي لا يمكن العثور على أجوبة لها، والظلم الذي لم تفلح القوى اليسارية التقليدية أو الإسلامية الوسطية في دفعه أو التصدي له» كما يقول أحد الذين تركوا اليسار والتحقوا بالإسلام وانضمّوا إلى البدايات التأسيسية لحركة التوحيد الإسلامي.
    عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وفيما كانت المجموعات الإسلامية في الجنوب تقاتل انطلاقاً من صيدا «دفعت الثورة الإيرانية بعدد من الرموز الى المراجعة والحوار في ما بينها في الشمال، منها الدكتور عصمت مراد، خليل عكاوي، فؤاد الكردي، علي مرعب (ابو عمارة) الذي استشهد لاحقاً، وكان لكل من هؤلاء تنظيم محلي، كما انضمّ اليهم عدد من مجموعات منير شفيق (الخط الماوي داخل حركة فتح)»، بحسب الكادر الذي كان يعمل برفقة عكاوي في تلك المرحلة. وكان بين هذه المجموعة كوادر نضالية لكنها لم تؤلف قاعدة لحركة، مثل أنيس النقاش الذي تشيع وذهب الى ايران.
    ويرى الشيخ ابراهيم الصالح أن «حركة التوحيد جاءت ردة فعل على الاجتياح وتخطيط بعض زعماء طرابلس لتسليم المدينة الى الجيش الاسرائيلي دون قتال، لتجنيبها مصير بيروت. وفي تلك المرحلة تسربت معلومات عن لقاء حصل في منزل أحد المقربين من عبد المجيد الرافعي (الأمين العام للبعث العراقي في لبنان) ضم عبد المجيد ورشيد كرامي والعديد من الفعاليات الطرابلسية، وكان بين الموجودين فواز حسين آغا وعبد الله بابتي عن الجماعة الاسلامية». وكانت حركة التوحيد لم تُعلن رسمياً بعد. وخرج من سرب فحوى اللقاء، وكان كوادر التوحيد يدفعون بشعبان للموافقة على اعلان الحركة لمواجهة الاسرائيلي في الشمال، وحينها دقق شعبان في المعلومات المتداولة وأرسل بطلب عبد الله بابتي، الذي أكد له اجواء اللقاء الموسع، ووافق عندها شعبان على اخذ البيعة «قَبْلها كان يرفض، لكنه رأى نفسه مسؤولاً أمام الله وأمام الناس» بحسب الصالح.
    وفي شهر آب من عام 1982، بينما كانت بيروت تنتظر مصيرها من اقتحام ومجزرة في مخيم شاتيلا، تجمّع آلاف أمام مسجد التوبة الأثري في طرابلس، وبقي سعيد شعبان ساعات واقفاً يتقبل البيعة عبر المصافحة المباشرة، وظهر السلاح علناً في الشارع رغم سيطرة الجيش اللبناني على طرابلس، وبدأت عندها الانطلاقة الفعلية لحركة التوحيد، التي كانت تخطط للعمل ضد الجيش الاسرائيلي وضد وصول بشير الى السلطة ومن بعده ضد حكم امين الجميل.
    ويبدي الشيخ ابراهيم الصالح اعتقاده بأن الدور الذي قامت به التوحيد في بداياتها كان مهماً على الصعيد السياسي الصرف. وكانت ايران قد بدأت بتدريب حزب الله لمواجهة اسرائيل في البقاع مع نهاية 1982، وسوريا من ناحيتها اعلنت ارتياحاً للوجود الاول لحركة التوحيد، خاصة أن الحركة وضعت نفسها في مواجهة امين الجميل واتفاق 17 ايار، وكان هناك تحضيرات في التوحيد لمعركة ضد الاسرائيليين، وجاء القبول الاول بحركة فتح من ضمن العداء لاسرائيل في الشكل، ومحاولة احتضان المقاومة الفلسطينية، «وكانت حركة التوحيد لم تتعلم ربط النزاعات بعد، وقد تعلمت الوعي السياسي وربط النزاعات بلحمها الحي» وفق تعبير الصالح.
    وصلت المباركة الايرانية الى حد اتُّهمت معه التوحيد بأنها من صنع ايراني، ولا يخفى أن الحركة نشأت في ظل اعجاب بما حصل في ايران، وكانت التوحيد تخاطب الإخوان المسلمين بأن ما حصل في ايران هو ما كان يتحدث عنه حسن البنا (مؤسس الاخوان ومرشدهم في مصر. اغتيل في 12 شباط 1948).
    «اعادة تجميع القوى» بعد الضربات التي تلقّاها المشروع القومي، والرد على المشروع الاسرائيلي، وتشكيل قاعدة خلفية للجهاد، والوقوف في وجه مشروع امين الجميل والسلام مع اسرائيل، كلها إذاً بواعث للحركة على الانطلاق، «وكانت عملية انشاء معسكرات التدريب في طرابلس وفي الشمال تجري على قدم وساق من اجل قتال الاسرائيليين، وقوات حلف الاطلسي التي جاءت الى لبنان في نهاية ذلك الصيف (1982)، وكانت النظرة الى مشروع الدولة اللبنانية انها دولة الاسرائيلي والاميركي، وأتى الى طرابلس في تلك المرحلة عبد المجيد الرافعي، مما حدا فتحي يكن على التوافق اكثر معه مقابل الخط الذي كان يرى في سوريا داعماً غير مباشر لجهد التصدي للدولة والاسرائيليين. وحينها انشئت جبهة الانقاذ التي ضمت الرافعي وعدداً من القادة حتى الاسلاميين في الشمال» بحسب احد الذين عملوا على التعبئة والتدريب في تلك البداياتفي باقي المناطق اللبنانية كانت الجماعة الاسلامية تقع في سوء تفاهم مع مجموعاتها، وهناك كان جمال الحبال الذي فتح قناة مع الحرس الثوري الايراني للحصول على السلاح والإمداد، لتمكين المقاومين في المناطق المحتلة ولا سيما صيدا ذات الاكثرية الاسلامية من ضرب الاحتلال. وهي التفاصيل التي يؤكدها عدد من الذين كانوا في ذلك الزمن ضمن اتحاد الطلبة المسلمين، وفي مجموعات النواة لما سيعرف لاحقاً بحزب الله.
    بعد مقتل جمال حبال اعلنت الجماعة الاسلامية تبنّيها الكامل لقوات الفجر ونعت الحبال، «لكن قبل ذاك كان ثمة اتجاه في الجماعة يرى أن من الافضل الوقوف الى جانب مشروع الدولة اللبنانية، وكان يحاول بشير الجميل طرحه، ومن بعده شقيقه امين، حتى ان الشيخ فيصل المولوي كان طريد السوريين لعدد من الاسباب وهذا من ضمنها» كما يروي احد الكوادر السياسية في الشمال.
    «عموماً، لم يكن هناك حركة جهادية لبنان في تلك الفترة» حسبما يقول الكادر الذي امضى ثلث عمره في السجون السورية نتيجة التحاقه بالجهاد بعدما تخلى مع رفيقه خليل عكاوي عن الماركسية.
    في ظل سيادة الحركة الاسلامية تمدّدت الحركة السلفية في الشمال، إلا أنها لم تصل الى الحالة الشعبية، وبقيت السلفية الى ذلك الحين مرتبطة بسالم الشهال.
    نشوء التوحيد دفع بطرابلس عام 1983 الى صدارة المراكز المقاوِمة، وتألقت المدينة وأصبح سنّة العالم ينظرون اليها باحترام، وجذبت قادة جهاديين من المناطق أهمّهم الإخوان في سوريا الذين فتحوا مركزاً لهم في عاصمة الشمال. وتمركز ياسر عرفات في طرابلس، وأصبح معروفاً أن المدينة تضم مجموعة من قادة الإخوان السوريين المطلوبين من دمشق، وكان هناك قادة من افغانستان وغيرها، لكن كانت علاقة الحركة الجهادية في لبنان بأفغانستان ضعيفة، ما عدا المشاعر والمواقف.
    ظهر الى جانب حركة التوحيد نشاط لافت لحركة فتح التي لم تفق تماماً من هزيمتها في بيروت والتي كانت قد تلقّت اهانة من سوريا بعد رفض حافظ الاسد استقبال رئيسها عرفات، والكثير من الكوادر السياسية الذين عملوا مع فتح من لبنانيين هربوا الى الشمال ليلتحقوا، وعلى نحو لا يخلو من التعقيد، بتشكيل حركة التوحيد الاسلامي حينها، التي تعدّ اول حركة اسلامية سنية سياسية وغير تربوية. علماً أن الشيخ ابراهيم الصالح يقول «ان الشيخ سعيد شعبان من المرحلة التربوية وعقله تربوي إخواني، إلا ان الحركة ميدانياً كانت سياسية، فكل الكوادر التي شكلتها كانت سياسية ميدانية ما عدا جند الله التي كانت حركة تربوية عقائدية».
    ونمت حركة جند الله وغيرها من المجموعات في ظل تعرض النفوذ السوري لخضات ونتيجةً لعدم تمكنه من الانتصار على الاسلاميين، اضافة الى هزيمته امام اسرائيل في لبنان. وحيث تتراخى قبضة النظام السوري، يبدأ التحرك الاسلامي بالتمدد. وكان عرفات يفتعل بعض المشكلات، مثل معركة التبانة (1978)، وهي المعركة التي تجددت بعد إنشاء حركة التوحيد.
    وبالتوازي مع حركة التوحيد ظهر «جيش النواة الاسلامي» في طرابلس، وحينها كانت المرة الاولى التي يشهد لبنان فيها تسلح السلفيين، وكانت شعارات جيش النواة الاسلامي هي «الحفاظ على هوية طرابلس الاسلامية»، الا أن جيش النواة لم يكتب له النجاح، وكان ابناء الشيخ سالم الشهال، وأبرزهم اليوم داعي الاسلام، هم قيادة هذا الجيش وأهم وجوه تلك المرحلة لدى السلفيين. «إلا أن حركة التوحيد كانت اول حركة سياسية تحمل فكراً جهادياً وتملك مشاركة قتالية فعلية في الميدان» بحسب ما يرى محمد مصطفى علوش.
    انتشر الفكر الجهادي في الاعوام التي تلت الاجتياح من عام 1982 الى عام 1985 وأصبح هو المسيطر على الاوساط الاسلامية السنية في طرابلس والشمال وفي الجنوب، وبدأت الجمعيات السلفية بالتكاثر، وكانت جمعية الهداية والاحسان الاسلامية التابعة لداعي الاسلام الشهال تعمل في مناطق تمتد من صيدا الى طرابلس وتمتلك محطة اذاعية.
    يروي محمد مصطفى علوش عن تلك المرحلة: «كان العديد من الفرق الاسلامية المسلحة يعمد الى السطو على المسيحيين ويرى هذه الاعمال مشروعة دينياً، خاصة أنها في اطار الغنم، وكان العديد من القوى المسيحية يتصرف بالمثل تجاه المسلمين في الشمال». الا انه يشدد على أن كل شعارات الحركات الاسلامية كانت دفاعية.
    وما امتاز به ذلك الزمن هو الحرية والفوضى، والانتشار الواسع للفكر الديني المتنوع، من فرق باطنية الى جمعيات اسلامية تحمل السلاح، ولا يستثنى من ذلك الزمن جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الاحباش)، التي كان ظهورها الاول ايام سلطة منظمة فتح بقيادة عرفات في بيروت، حيث كانت مجموعات من هذه الجمعية تسير في مواكب شبه عسكرية في استعراضات حركة فتح على ما يروي احد المتابعين لتلك المرحلة من اتحاد الطلبة المسلمين، الذي شهد تحولاً كبيراً لاحقاً وتحول الى احدى القوى المكونة لحزب الله.
    ويعترف كل ذي شأن في الحركة آنذاك بأنه، رغم شعارها الجهادي، لم تطبق التوحيد ذلك، ومع انها قاتلت في شرق صيدا حيث كان من رموز تلك الفترة الشيخ محمود البطم والشيخ ابراهيم الصالح، لم تخض معارك مباشرة ضد الاسرائيليين او قوى الدولة اللبنانية، والشيخ محمود البطم من ناحيته عاد وأدّى دوراً اكبر بعد ضرب حركة التوحيد.




    ابنة فتح أو ضحيتها «كان هناك فصائل في حركة التوحيد على علاقة جيدة جداً بياسر عرفات، إلا أن العديد من المسؤولين لم يكونوا على المسافة نفسها معه، وقد حاول بكل الاحوال أن يجري تسوية مع السوريين على حساب حركة التوحيد، على ان تتخلى سوريا عن صبري البنا (ابو نضال) وتطرده من دمشق، ويسلم عرفات خليل عكاوي لسوريا. واعتقل على اثر هذه المحاولة خليل عكاوي وسجن في احد سجون فتح في لبنان، وساعده على الفرار من السجن احد ضباط فتح المعروفين».
    هذه الرواية التي يقدمها العارف والمشارك بالتركيبة الاولى للتوحيد، تناقض نظرية أن فتح هي التي انشأت حركة التوحيد، خاصة أن العدد الاكبر من قادة التوحيد لم يكن من داعمي عرفات، ولم يكن عرفات يدعم الحركة دعماً أساسياً بل يدعم كل واحد من قادتها بانفراد، كذلك كان يدعم كلاًّ من القادة الميدانيين مالياً أيضاً لكن بشكل منفرد.




    الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع | الجزء الخامس | الجزء السادس | الجزء السابع | الجزء الثامن | الجزء التاسع | الجزء العاشر | الجزء الحادى عشر | الجزء الثاني عشر | الجزء االثالث عشر | الجزء الرابع عشر