عرفات حجازي
على مسافة أقل من أسبوع من جلسة الانتخاب الأولى المحددة الثلاثاء المقبل لا تبدو المعطيات والاتصالات الجارية بشأن انعقادها مشجعة حتى الآن، والمرجح ألا يحدث شيء حاسم ضمن الفسحة الزمنية المتاحة، وبالتالي فإن المعلومات المستقاة من أركان في الموالاة والمعارضة تشير إلى حصول تفاهم ضمني على تأجيل الجسلة إلى ما بعد منتصف الشهر المقبل افساحاً في المجال امام إنجاز «توافق» توصل الطرفان إلى وضعه عنواناً للمرحلة المقبلة من خلال حوار ستتحدد آلياته من خلال لقاءات ستشهدها بكركي في الأيام القليلة المقبلة، أبرزها زيارة منتظرة قريباً للنائب سعد الحريري، في وقت يواصل فيه الرئيس نبيه بري استكمال كولساته الرئاسية وتجميع بعض المعطيات قبل لقائه الموعود مع البطريرك نصر الله صفير، ليضعا ما يحمله كل منهما في جعبته من خلاصات تشاور مع قادة محليين وممثلين لدول معنية بالملف اللبناني وإخضاعها للدرس والنقاش، وجوجلة كل الآراء بحيث يخرج اللقاء بعناوين عريضة للمواصفات الرئاسية والمعايير التي ستعتمد في تظهير صورة المرشحين الحياديين الذين يقفون على مسافة واحدة من طرفي النزاع.
والمرجح أن يتضمن بيان مجلس المطارنة الموارنة اليوم الثوابت التي تؤكد عليها بكركي باستمرار، وآخرها ما أعلنه صفير بشكل قاطع في لقائه مع نقابة المحررين لجهة التأكيد على رئيس توافقي ينتخب وفق الدستور والتقاليد والأعراف الديموقراطية، حاسماً للمرة الاخيرة وجوب تأمين نصاب الثلثين لجلسة الانتخاب الرئاسي. وبكلام آخر، سيرسم نداء المطارنة ما يمكن تسميته خريطة طريق للانتخابات الرئاسية وتوجيه مسارها وبوصلتها في الاتجاه الصحيح. غير أن الرهان الذي لا يقل أهمية عن لقاء بري وصفير هو الرهان على معاودة الحوار بين «الأكثرية» والمعارضة من خلال بري والحريري، حيث كسر الاتصال الهاتفي بينهما قطيعة استمرت زهاء شهرين، وحيث يجري الآن الإعداد لهذا اللقاء بكثير من التروي كي يخرج بنتائج إيجابية وحتى لا يكون تكراراً رتيباً للقاءات السابقة التي لم توصل إلى أي مكان بل زادت في إحباط الناس وتيئيسهم من إمكان الخروج من النفق المظلم. وفي معلومات جرى تداولها في حلقات ضيقة وبين من يعملون على خط تقريب وجهات النظر بين الطرفين، أن الحريري مدفوعاً بإرادة صادقة ورغبة أكيدة، يريد أن يدفع باتجاه الحوار والتوافق لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي بأقصى سرعة ممكنة، لكنه يصطدم في مسعاه برفض يبديه «صقور» فريق 14 آذار الذين يصرّون على ايصال مرشح من صفوفهم أقله للمحافظة على الإنجازات التي تحققت خلال السنتين الماضيتين وعدم التفريط بها. وإذا كانت هناك من ضغوط ومعطيات تملي على البعض السير بخيار التسوية كما قال جنبلاط، فليكن ذلك مقابل الحصول على ثمن يتمثل بضمانات تتعلق ببرنامج سياسي يتم الاتفاق عليه وتلتزم الحكومة تنفيذه في العهد الجديد، ويكون أقرب إلى أولويات قوى 14 آذار في ما خص تطبيق القرارات الدولية والنقاط السبع وفتح ملف السلاح الفلسطيني ومصير سلاح المقاومة إضافة إلى ترسيم الحدود والعلاقات الدبلوماسية مع سوريا. لكن الرئيس بري الذي اطلق مبادرته باسم المعارضة، والمفوض من جانبها بإدارة التفاوض السياسي مع الطرف الآخر، يرفض بشدة إغراق الاستحقاق الرئاسي بمسائل خلافية لا يتسع الوقت لفتحها، وقناعته أن انتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق سيكون المدخل الصحيح إلى معالجة كل المشاكل لأن الطرفين في الموالاة والمعارضة سيسارعان إلى تسليف الرئيس الجديد وإطلاق يده في تأليف الحكومة الجديدة، حيث درجت العادة والعرف أن تكون أولى الحكومات في أي عهد محسوبة على الرئيس، وإذ ذاك لن تكون هناك حاجة إلى ثلثين ضامنين أو ثلث معطل وبالتالي سيكون مجلس الوزراء الوفاقي هو طاولة الحوار الوطني لحسم القضايا العالقة. واذا اعتمدنا على قياس عمر الحكومات منذ الاستقلال حتى اليوم، فإن عمر الحكومة المقبلة لن يتجاوز سنتين حدّاً أقصى، وعندها نكون وصلنا إلى موعد الانتخابات النيابية فيعاد انتاج السلطة وفق قانون انتخابي عادل تقرّه حكومة العهد الأولى ويحسم الجدل القائم بين الأكثرية والمعارضة حول حقيقة التمثيل الشعبي والأوزان الحقيقية للقوى السياسية. وتلاحظ مصادر مواكبة لحركة الاتصالات الجارية في الكواليس، أن بعض الصقور بدأوا بالتراجع عن شروطهم التي اثقلوا بها مبادرة بري بعدما لمسوا أن المجتمع الدولي غير مستعجل على فتح النقاش حول المسائل الشائكة، وأنه ينصح بتحريك المبادرة من كل الزوايا السياسية وإعادة الاعتبار الى الحوار المقطوع حول الاستحقاق الرئاسي والابتعاد عن التهويل بانتخاب رئيس على قاعدة الغلبة، لأن هذا الأمر سيدفع البلد إلى مزيد من الانقسام وسيكون أوّل الخاسرين المسيحيين وجوداً وحضوراً وفاعلية، وهو ما يعمل الفاتيكان مع الأوروبيين على منع الوصول اليه.