طارق ترشيشي
يحاول فريق الموالاة، بدعم أميركي وغطاء أوروبي، إظهار أركان المعارضة أو «حلفاء سوريا في لبنان» بأنهم المسؤولون عن تعطيل استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية أمام الرأي العام العربي عموماً والفاتيكان خصوصاً.
لكن الوقائع تدل حتى الآن أن المعارضة بتجاوبها مع مبادرة الرئيس نبيه بري بالتخلي عن آخر «كنوزها السياسية»، وهو حكومة الوحدة الوطنية، قد أعطت كل ما تملك من أسلحة سياسية وسهّلت الطريق لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، مقابل مطلب شرعي هو الالتزام بالنص الدستوري لجهة اعتماد نصاب أكثرية الثلثين لجلسة الانتخابات الرئاسية، بمعنى أنها تنازلت من أجل تطبيق الدستور بينما ظل فريق الموالاة على تعنّته وتمسّكه بالخروق الدستورية المتتالية مستنداً إلى اجتهادات تيري رود لارسن ناظر القرار الدولي الرقم 1559 الذي يشكل جذر الأزمة اللبنانية منذ صدوره وحتى اللحظة.
وبحسب بعض الأوساط المتابعة في صفوف المعارضة أن المشكلة، التي يبدو ظاهرها الآن استحقاق انتخابات الرئاسة، هي في الحكومة، ويقال إن هذا الأمر لمّح إليه البطريرك الماروني نصر الله صفير أمام بعض مَن التقاهم في روما والفاتيكان، فإذا تم إنجاز انتخابات الرئاسة عبر اتفاق على مرشح توافقي، فإن المشكلة ستتركز على الحكومة الأولى التي ستؤلّف في مطلع عهد الرئيس الجديد لأن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ستصبح مستقيلة دستوريا فور تولّي الرئيس الجديد سدّة المسؤولية، وإذا كان البعض يعتقد أن مجرد الاتفاق على شخص الرئيس العتيد سينسحب تلقائياً اتفاقاً على الحكومة الجديدة، فإنه ليس مستبعداً أن يدور خلاف حول تركيبتها وحصص الأفرقاء السياسيين فيها، فضلاً عمّن سيتولى رئاستها.
وتلاحظ الأوساط المعارضة أن الوقائع التي برزت ونطق بها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز صاحب نظرية «الشرق الأوسط الكبير» الأسبوع الماضي، تظهر أن الهدف الأساسي لدى الولايات المتحدة وحلفائها هو الحفاظ على حكومة السنيورة، بل إن بيريز ذهب إلى حد ربط المفاوضات مع سوريا بتعهّدها دعم السنيورة وعدم تقويض حكومته.
وفي مراجعة سياسية منذ عدوان تموز 2007 فإن التصريحات الأميركية وفي مقدمها تصريحات الرئيس جورج بوش التي شددت على دعم حكومة السنيورة وحمايتها باعتبارها «جزءاً من الأمن القومي الأميركي»، تعني انه يجب تأمين كل المستلزمات والوسائل لإبقائها على ما هي بلا تغيير أو توسعة، ليبقى للأميركي موطئ قدم سياسي وذراعاً سياسية في مواجهة المحور السوري ـــــ الإيراني.
وفي رأي هذه الأوساط أنه في حال انتخاب رئيس جمهورية توافقي أو بأكثرية النصف زائداً واحداً، فإن السنيورة سيفقد موقعه حكماً ليحل مكانه رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، الذي كانت حجته بعدم ترؤس الحكومة سابقاً وجود الرئيس إميل لحود في سدة الرئاسة، فإذا ما انتفى هذا الواقع فإن من مصلحة الحريري والمملكة العربية السعودية تسلّم رئاسة الحكومة مع ما يفرضه ذلك من مراعاة لبعض التوازنات الطوائفية الداخلية والتوازنات الإقليمية. علماً أن بري لم ينطلق من عبث عندما لفت الحريري في ندوته التلفزيونية الأسبوع الماضي إلى الإدراك أن هذه المرحلة هي «مرحلة تأسيس» بالنسبة إليه، وطبعاً كان يقصد بالتأسيس هنا، التأسيس للوصول إلى رئاسة الحكومة التي يطمح إليها.
غير أن هذه الأوساط تعتقد بأن الولايات المتحدة لا ترى مصلحة لها في هذه المرحلة أن تتولى المملكة العربية السعودية الملف اللبناني مباشرة من خلال دعمها وتأييدها للحريري، خصوصاً بعد أن أبعدتها عن الملف العراقي المجاور لها، وأحبطت «اتفاق مكة» الفلسطيني ـــــ الفلسطيني على يد محمد دحلان في فلسطين.
ولكن الرياض، عبر تأييدها مباردة رئيس مجلس النواب ودعوة الأطراف اللبنانية إلى التجاوب معها، إنما ترغب في قيام شراكة سياسية فعلية بين تيار «المستقبل» بما يمثّل طائفياً وسياسياً وبين بري بما يمثّل طائفياً وسياسياً أيضاً، لأن بقاء السنيورة، الذي توجّه إلى السعودية أمس، في رئاسة الحكومة بعد انتخابات الرئاسة قد لا يساعد على انفراج الأزمة بسبب الجدار السميك من عدم الثقة القائم بينه وبين فريق المعارضة بكل تلاوينه.
والمرجح أن الرياض ترى في تولي الحريري رئاسة الحكومة ما يمكن أن يفتح صفحة جديدة في العلاقة بين فريقي الموالاة والمعارضة، خصوصاً إذا انتخب رئيس للجمهورية يجمع عليه الطرفان ويمارس دور الحكم بينهما.
ولذا من الآن وحتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر الاستحقاق الرئاسي، ينبغي في رأي الأوساط نفسها مراقبة الموقف الأميركي ومدى تجاوبه مع التأييد السعودي لتولي الحريري رئاسة الحكومة، لأن هذا الموقف، حتى إشعار آخر، يسعى إلى تعطيل انتخابات الرئاسة وإلغاء قيام المؤسسات الدستورية لإبقاء حكومة السنيورة هي السلطة في البلاد، ولهذا فإن من غير المستبعد أن تتحصّن الولايات المتحدة في السرايا الحكومية مع السنيورة وفق مقولة: «عصفور في اليد ولا رئيس في بعبدا».