نيويورك ــ نزار عبود
يدور الحديث عن شهود زور في التحقيق باغتيال الرئيس رفيق الحريري، آخرهم سيدة سورية قيل ان جهات لبنانية حاولت رشوتها بالجنسية والمال. وبعدما أشارت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية إلى إمكان توجيه التهمة إلى أحد السياسيين اللبنانيين برشوة عدد من الشهود، أكّد نيكولا ميشال لـ«الأخبار» أن مفبركي الشهود سيلاحقون


في وقت بدا فيه لبنان بكامله أسير التجاذبات الدولية التي تهدد بتمزيقه إلى إمارات متناحرة، فإن العمل ماضٍ في الأمم المتحدة لتأليف المحكمة الدولية. وأمس، أصدر مجلس الأمن الدولي بياناً مقتضباً، رحّب فيه بتقرير الأمين العام المتعلق بمراحل إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الذي قدّم في أوائل الشهر الجاري. كما أشاد بقبول هولندا استضافة المحكمة، وبارك الخطوات اللاحقة للشروع في التنفيذ. تقرير الأمين العام الذي عرضه نيكولا ميشال، وكيل الأمين العام للشؤون القانونية، يدعو إلى تأليف لجنة لتقديم مشورة له لاختيار أسماء القضاة. اللجنة ستباشر عملها الشهر المقبل، على أن تقدم توصياتها بشأن القضاة في نهاية العام الجاري.
تتألف اللجنة من قاضيين، إما يعملان حالياً، أو عملا سابقاً، في محكمة دولية. ويعمل معهما ممثل للأمين العام للأمم المتحدة. وكانت الحكومة اللبنانية قدمت أسماء 12 قاضياً، قال التقرير إنهم قُدّموا من المجلس الأعلى للقضاء في ظرف مختوم، وسيبقى مختوماً حتى موعد عملية الاختيار، علماً بأن عدة أسماء من هؤلاء القضاة باتت قيد التداول على الألسن وفي صفحات الجرائد اللبنانية. ولقد بعث نيكولا ميشال برسالة إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة طالباً تقديم مرشحيهم لهذه المناصب في موعد أقصاه 24 من هذا الشهر.
ووفقاً لنظامها الخاص، تتألف هيئة المحكمة من قاضي بداية، وثلاثة قضاة، أحدهم لبناني، لقاعة المحاكمة، وخمسة قضاة، إثنان منهم من لبنان، لقاعة الاستئناف، فضلاً عن قاضيي مناوبة، أحدهما لبناني.
وسيتولى كل من قضاة دائرة الاستئناف وقضاة الدائرة الابتدائية انتخاب قاضٍ لرئاسة الجلسات، يقوم بتنظيم سير الإجراءات في الدائرة التي انتُخب فيها. ويكون رئيس دائرة الاستئناف هو نفسه رئيس المحكمة الخاصة.
ولاحظ الأمين العام في تقريره أن 51 في المئة من نفقات المحكمة ستأتي من الدول المتبرعة، فيما يتحمل لبنان القسم الباقي، 49 في المئة. ولقد أنشأت الأمم المتحدة صندوقاً لاستقبال التبرعات، وعلمت «الأخبار» أن السعودية كانت في طليعة الدول المساهمة، تليها الولايات المتحدة وفرنسا. لكن لم تعرف المبالغ التي جُمعت حتى الآن. علماً بأن نفقات المحكمة ستصل إلى 35 مليون دولار أميركي في السنة الأولى، و45 مليون دولار في السنة الثانية، والمبلغ نفسه في السنة الثالثة، بحسب تقديرات الأمين العام للأمم المتحدة. ولن تباشر المحكمة عملها قبل الحصول على نفقات السنة الأولى مسبقاً، وتعهدات رسمية بنفقات السنتين اللاحقتين. وهذا معناه ضمان عمل القضاة وموظفي المحكمة لمدة ثلاثة أعوام على أقل تقدير، حتى وإن لم يعرف اسم أي متهم في القضايا حتى الآن. وتجدر الإشارة إلى أن مسؤولين هولنديين استغربوا في حديث مع «الأخبار» أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة قد حدّد في تقريره تكاليف المحكمة، قبل اختيار المبنى المخصص لها، وتكاليف إيجاره
وتشغيله. وحسب تقرير الأمين العام، فإن المحكمة ستحدد بعد تأسيسها إن كانت الاغتيالات السياسية التي وقعت في لبنان بعد مقتل الحريري ومرافقيه الـ22 في 14 شباط 2005 مرتبطة بالجريمة أو لا. ويمكن بعد التحقق من هذا الأمر التعاطي معها في المحكمة
نفسها.
رشاة الشهود إلى المحكمة
«الأخبار» التقت مؤخراًَ المعاون القانوني للأمين العام للأمم المتحدة نيكولا ميشال، وبحثت معه بعض «عناصر الشك» المتعلقة بطبيعة المحكمة، ومقارنتها بالمحاكم الدولية الأخرى، ولا سيما أن الانطباع الدولي عن المحاكم هو أنها غالباً ما تستخدم أداة لفرض إرادة المنتصر على المنهزم. فكان رده: «سمعة الأمم المتحدة في الميزان هنا».
وشدد ميشال على أهمية أن يقتنع الناس بأن العدالة تتحقق في هذه المحكمة، لا أن تصدر عنها أحكام وحسب. واستشهد بمحاكم كمبوديا وسيراليون ويوغسلافيا كنماذج للمحاكم النزيهة. ويذكر هنا أن الشكوك في نزاهة محكمة مجرمي الحرب، في ما كان يعرف بيوغوسلافيا، كثرت، وقد نبّهت روسيا مراراً إلى ذلك.
وأثارت «الأخبار» مع مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية موضوع رشوة الشهود الزور للإدلاء بإفادات كاذبة، أدت حتى الآن إلى احتجاز قادة الأجهزة الأمنية الأربعة، الذين لم توجّه إليهم أية اتهامات، ولم يخضعوا للمحاكمة بعد عامين على توقيفهم. ولفتت انتباهه إلى التقرير الذي نشرته جريدة الفيغارو في 27 آب الماضي بشأن هذه القضية واستمرار احتضان فرنسا لمحمد زهير الصدّيق، الشاهد الذي ثبت بطلان أقواله. فرد ميشال: «ستحاسب المحكمة كل من يثبت تقديمه أية رشوة للشهود، بغض النظر عن مكانته أو سلطته».
وكانت «لو فيغارو» قد تحدثت في تقرير عن احتمال توجيه القاضي سيرج براميرتس تهمة دفع رشى لشهود زور في التحقيق للنائب سعد الحريري، رئيس كتلة «المستقبل» النيابية. التقرير الذي كتبه كبير مراسليها للشؤون الدولية جورج مالبيرو، تحدث أيضاً عن أن السلطات الفرنسية باتت معرّضة لفضيحة مؤلمة بسبب احتمال توجيه سيرج براميرتس التهمة للحريري في تقرير جديد يقدمه قبل نهاية السنة.
تزوير الشهود مستمر
وفي هذا الخصوص، أكدت مصادر عليمة لـ«الأخبار» أن فبركة الشهود لا تزال مستمرة من جهات لبنانية باتت معروفة، وأن آخر الشهود من هذه الفئة كان أمرأة سورية أُغريت بالمال والجنسية إذا تعاونت مع محققين لبنانيين، وهو النمط نفسه الذي مورس مع بقية الشهود السابقين الذين كُشف أمرهم من قبل.
وفي معلومات «الأخبار» أن الشاهدة الجديدة كانت تعمل في مطعم في وسط بيروت، فاستُدرجت وأُغريت بوعود مالية بعشرات آلاف الدولارات. وتعهد صاحب المطعم منحها الجنسية اللبنانية إذا ما أدلت بمعلومات ملقّنة بشأن علاقة المخابرات السورية بالجريمة. لكنها، وبعد التوقيع على الإفادة، لم تحصل على ما وُعدت به من جنسية وأموال. وعندما طالبت وألحت، هُدّدت بإحالة أقارب لها على التحقيق. ولجأت الشاهدة بعد القلق على حياتها، إلى جهات أمنية لبنانية، أوصلتها إلى الحدود، حيث لاذت بالفرار إلى سوريا.