غسان سعود
40 كيلوغراماً من المتفجّرات و6 شهداء و56 جريحاً
  • عبوة ناسفة استهدفت سيارته «المتخفية» على بعد أمتار من قصر نورا

  • ردود الفعل تشدّد على استهداف الجريمة الإستحقاق الرئاسي


  • قبل أيام قليلة، غاب النائب أنطوان غانم للمرة الأولى منذ سنوات عن القداس الذي أقيم في ذكرى اغتيال بشير الجميل، وقيل يومها إن السبب أمني، فيما أكد أحد المكلفين من غانم الرد على اتصالات الصحافيين أن نائب بعبدا موجود في الإمارات العربية المتحدة، ولن يعود قبل موعد الانتخابات الرئاسية. لكن «خطيب الكتائب» وشاعرها الذي اعتاد أن يسحر المحيطين به منذ أطل على منابر «الله والوطن والعائلة» قبل أكثر من ثلاثة عقود، قرر العودة قبل يومين وبقي بحسب أفراد عائلته بعيداً عن الأنظار، و«حتى حين قرر أول من أمس زيارة أحد النواب، قصده مع مرافق واحد، ولم يشعر الجيران بوجوده بينهم».
    وهكذا، صدقت مرة أخرى توقعات بعض قياديي الأكثرية النيابية، وتسللت إحدى العبوات إلى ساحل المتن الجنوبي، حيث دوّى صوت انفجار كبير سرعان ما تكفل الدخان بتحديد المكان. فعلى بعد أمتار قليلة من منزل الرئيس أمين الجميل في سن الفيل، بالقرب من مستديرة الصالومي، كانت عبوة الموت، المختبئة في سيارة من نوع مرسيدس تحمل لوحة مزورة تعود لسيارة من نوع داتسون، تنتظر هذه المرة سيارة شفروليه سوداء اللون تحمل الرقم 486482. والمفاجأة أن النائب الذي تزعّم مقاتلي الكتائب أثناء الحرب اللبنانية ونظّم صفوفهم في ساحل المتن الجنوبي كان في داخل هذه السيارة التي حملت في صندوقها لوحة زرقاء اللون رقمها 133.
    وأفاد أحد كبار المتخصصين في علم الجريمة بأن سبع سيارات تضررت بشكل كامل، وخمساً بشكل طفيف، إضافة إلى عدد كبير من المباني المتاخمة للطريق العام. ويؤكد المصدر أن زنة العبوة قاربت أربعين كلغ. ويمكن الاستدلال من الرائحة في ساحة الانفجار على وجود مادة الـ«تي إن تي» في تركيبة العبوة. ويشار في هذا السياق أيضاً إلى أن غانم كان يتنقل يوم استشهاده من دون موكب، فيما بدا مثيراً للاستغراب أن تستهدف السيارة على بعد عشرات الأمتار من قصر نورا، أحد المراكز الأمنية الرئيسية التي يفترض أن يكون محيطها منطقة أمنية.
    وفي جوار مكان الانفجار، كان مشهد الذعر نفسه يرتسم على الوجوه الواجمة، وبدا الناس مشغولين بقلقهم من أسئلة لا يجدون لها أجوبة. هنا سيدة تتكئ على حائط مرددة أسئلة عمّا يحصل ومتحدثة عن غضب إلهي مما أوصل السياسيون وطنها إليه. وهنا شاب في مطلع العشرينات ينهال على سيارته بالضرب، سائلاً عن موعد انتهاء هذا المسلسل، وبينهما جنود وعناصر أمنيون يبحثون عبثاً عما يفعلونه، فلا يجدون أهم من الصراخ على مواطن ومطاردة بعض العمال الأجانب الذين صودف مرورهم في المنطقة. أما الشهود على المجزرة الجديدة، فيروون أن في الحي الذي استشهد فيه غانم يسكن عدد كبير من السياسيين، أبرزهم الرئيس الجميل، والنائبان بطرس حرب ومصباح الأحدب. ويؤكد الشهود أن الانفجار دوى قرابة الساعة الخامسة وخمس دقائق، وقد دفع الانفجار بغانم خارج السيارة حيث وجدوه ملقى على الأرض ويحاول تحريك قدمه اليسرى، فيما بقي السائق جثة خلف مقود السيارة التي احترقت. ويقول أحد أوائل الواصلين إلى ساحة الانفجار إن غانم لفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصول سيارات الصليب الأحمر. فيما يؤكد أصحاب المحال التجارية المتاخمة للشارع أنهم لم يلحظوا أبداً ما يثير شكوكهم، وينتهون جميعهم إلى الإشارة بأصابعهم إلى كاميرات مصرف فرنسبنك للقول إنها وحدها التي يمكن أن تقدم دليلاً على هوية منفذي الجريمة.
    ووسط انهماك الناس في الكلام على آخر النواب الكتائبيين، يرتفع ندب نساء وفدن إلى الساحة بعدما علمن أن شقيقهن كان يمر من هناك عائداً إلى منزله وأصابته شرارة قاتلة، علماً بأن المعلومات عن عدد القتلى تضاربت بين مصدر وآخر، فيما أكد الصليب الأحمر أنهم سبعة معظم جثثهم مشوهة ومقطعة، عرف منهم إلى غانم، أنطوان طوق، ساميا مدلج، شارل شيخاني، نهاد الغريب، المعاون أول أنطوان ضو، إضافة إلى 56 جريحا، غادر ثلاثة منهم المستشفى مساء أمس.
    وبعد دقائق قليلة من الانفجار، كانت ساحة الانفجار والطرقات المؤدية إليها تغص بأبناء المتنين الشمالي والجنوبي الذين وفدوا إلى المنطقة ومعهم عشرات الكتائبيين الذين بدوا مستنفرين وغاضبين، وسرعان ما اصطدم هؤلاء مع أحد مراسلي تلفزيون «أو تي. في» قبالة المستشفى اللبناني ـــــ الكندي الذي نقل إليه غانم ومرافقوه. ولاحقاً، بعد قرابة ساعتين من الانفجار، أقفلت القوى الأمنية الساحة، طالبة إخلاء الطريق الذي سيتحول قريباً إلى معلم سياحي آخر من تلك المعالم التي دأب اللبنانيون على التردد عليها منذ استهداف الوزير مروان حمادة في 1 تشرين الأول 2004. تجدر الإشارة إلى أن غانم هو الشهيد الرابع من المجلس النيابي، والسابع بعد 14 آذار 2005، وقد استأثر بقلوب الكتائبيين حين عاهدهم بصوته الجهوري في وداع الوزير بيار الجميل على أن دماء الأخير لن تذهب هدراً، مستشهداً كعادته بالشعر ليقول إن الوطن تُميته الدموع وتحييه الدماء.
    ردود الفعل
    وقد أجمعت ردود الفعل على وضع الجريمة في خانة «ضرب» الاستحقاق الرئاسي، ومبادرة الرئيس نبيه برّي.
    وندّد وزير الدفاع الياس المر بالجريمة، مؤكداً أن «يد الغدر والإرهاب لن تنال من إرادة اللبنانيين وعزيمتهم دفاعاً عن لبنان وسيادته واستقلاله».
    واستنكر الرئيس نجيب ميقاتي الجريمة، مشدّداً على ضرورة أن يشكّل استشهاده «حافزاً للبنانيين على تجاوز الخلافات التي لا طائل منها،».
    ورأى النائب بطرس حرب في الجريمة «ضرباً للاستحقاق والمبادرة التوافقية»، مستشرفاً انعكاساتها «السلبية» على جلسة 25 أيلول، كما على مبادرة برّي. وإذ شدّد في تصريح الى «الأخبار» على ضرورة «عدم الاستسلام للحالة الراهنة، بل المبادرة إلى التمسّك بكل ما يجمع اللبنانيين»، دعا الجميع إلى عدم القيام بأية «ردود فعل، أو ردود فعل مضادّة»، بما يجنّب لبنان «خطر الانقسام».
    ودان النائب روبير غانم «الفصل الجديد من مسلسل التآمر على لبنان»، ورأى أن «بصمات المجرم واضحة، وهدف الجريمة أكثر وضوحاً، وهو نسف استحقاق رئاسة الجمهورية».
    ورأى رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن أن المسلسل الدموي يستهدف «إفراغ مناطق بعينها»، داعياً المسؤولين إلى «أن يتهيّبوا حرمة الموت، ويستنفروا الجهود لإخراج الوطن من الجحيم بتفاهمهم على رئيس جديد».
    وأصدر الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً أشار فيه إلى أنه «آن الأوان للتلاقي حول وحدة البلد بمشروع إنقاذي ينهي هذا الانكشاف الأمني الناتج من الانقسام الحاد الحاصل». ووصف الحزب الشيوعي الجريمة بـ«الموجّهة إلى لبنان وشعبه»، داعياً جميع القوى السياسية لـ«الارتفاع إلى مستوى ما تفرضه المخاطر على بلدهم». ودان «الاتحاد من أجل لبنان»، في بيان، الجريمة، متسائلاً: «متى تتوصّل السلطة القائمة إلى خيط رفيع فعلي يوصل المجرمين إلى السجون؟».




    غانم في سطور • مجاز في العلوم السياسية والحقوق من جامعة ليون ـــــ فرنسا.
    • متأهّل من السيدة لولا عبد الله نعمة، ولهما أربعة أولاد.
    • انتسب الى حزب الكتائب عام 1963، وتسلّم رئاسة إقليم بعبدا الكتائبي لسنوات.
    • انتخب نائباً عن المقعد الماروني في دائرة جبل لبنان الثالثة (بعبدا)، في دورتي عامي 2000 و2005.
    • عضو في «كتلة اللقاء الديموقراطي» النيابية.
    • عضو في لجنتي الدفاع الوطني والداخلية، والبلديات وشؤون المهجّرين النيابيتين.




    زيارة الوداع

    عاد النائب أنطوان غانم الأحد الماضي من أبو ظبي حيث كان يقيم بناءً على «برنامج حماية النواب» الذي نفّذ بالتعاون بين «الأكثرية» وحكومات بعض الدول العربية والأوروبية التي استضافت هؤلاء النواب منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بعد جريمة اغتيال النائب وليد عيدو ونجله خالد، وبعد أشهر على اغتيال رفيق دربه الوزير والنائب الشهيد بيار الجميل.
    عاد غانم إلى بيروت ليودع عائلته الكتائبية الواسعة، فزار البيت المركزي للحزب في الصيفي ليشارك في حفل التوقيع لكتاب «بيار الجميل ـــــ تاريخ في صور» الذي وقّعه الرئيس أمين الجميل على وقع التحذيرات التي وجهها إليه بضرورة اتخاذ أقصى الترتيبات الأمنية التي توفّر سلامته وأمنه.
    وبعد حفل التوقيع أصرّ على حضور اجتماع المكتب السياسي للحزب ليعلن أنه مسرور بالعودة إلى بيروت رغم كل أجواء القلق التي تساوره، فلم يوضع بتصرفه سوى العناصر الأمنيين الأربعة المكلفين حمايته من ضمن مفرزة حماية الشخصيات، كما لم توضع في تصرفه، كما غيره من النواب، سيارة مصفحة، لكنه ختم الحديث بالإشارة إلى أنه كان يتولّى أمنه بنفسه «والله هو الحامي».
    ويقول مَن التقوه في اليومين الماضيين إنه كان مرتاحاً للضيافة الإماراتية ولنتائج لقاءاته المتواصلة مع الجالية اللبنانية في دولة الإمارات العربية المتحدة، مسروراً بحجم الحضور اللبناني هناك. وفي اجتماع المكتب السياسي طلب الكلام ليشكر كل مَن سأل عنه عندما سرت شائعات عن وفاته قبل ثلاثة أسابيع أثناء وجوده في أبو ظبي، مستفسراً عن ظروف الشائعة وعمّا إذا كان أحد على علم بمَن فبركها. وأضاف: «أنا هنا في المكتب السياسي لأقول مهما كانت الظروف المحيطة بالاستحقاق الرئاسي ومهما كانت مواقف الكتل النيابية واللقاء الديموقراطي فيها، فإنني ألتزم قرار المكتب السياسي الكتائبي بحذافيره في الاستحقاق الرئاسي وما قبله وما بعده».
    وأول من أمس، الثلاثاء، جال غانم على الأهل والأصدقاء ورد على المتصلين من زملائه النواب وأصدقائه، لكنه لم يرد على سيل النصائح التي جاءته من كل حدب وصوب تنبّهه إلى خطورة التجوّل في البلد في ظل الحديث المتنامي عن استهداف نواب عاليه ـــــ بعبدا تحديدا.
    غاب أنطوان غانم عن الساحة النيابية شهيداً على طريق لم تكن على لائحة تحركاته اليومية العادية، فهي لا تؤدي إلى منزله الشتوي في فرن الشباك ولا الصيفي في القليعات، ما يدل على أنه كان موضع مراقبة مشدّدة منذ عودته إلى لبنان.
    (الأخبار)




    عمر نشابة

    فوضى التحقيق في ساحة الانفجار في حضور كبار القضاة

    دقائق بعد الانفجار الذي استهدف النائب أنطوان غانم في منطقة حرش تابت تجمّع عدد كبير من المواطنين ورجال الأمن والإسعاف والإطفاء، وعمل عدد منهم على نقل الجرحى وإطفاء الحرائق التي شبّت في أكثر من 5 سيارات، بينما وقف الآخرون يشاهدون بذهول الدمار الكبير الذي أحدثته العبوة.
    واستمرّ تجمهر المواطنين والعسكريين والمسعفين في المكان ساعات بعد وقوع الانفجار حتى زاد عددهم على 200 شخص. وحاولت قوة من الجيش إبعاد كلّ من ليس له عمل عن مسرح الجريمة الى خلف الشريط الاصفر الذي وضع في محيط الانفجار (بشكل يفتقر أصلاً للمهنية في ادارة مسرح الجريمة)، لكن لم يتغيّر شيء، إذ تبيّن أن عدداً كبيراً من الاشخاص باللباس المدني هم أنفسهم أمنيون.
    حضر الى المكان المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ومعاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي سامي صادر اضافة الى قاضي التحقيق العسكري جورج رزق. لكن رغم حضور كبار القضاة الذين يفترض أن يكونوا المرجع المشرف على التحقيقات، بحسب القانون، وبالتالي السلطة المسؤولة عن ادارة مسرح الجريمة، شهد المكان فوضى لافتة. ويمكن تسجيل 4 ملاحظات اساسية تدلّ على الفوضى:
    1ـــــ تعدد الأجهزة الامنية في المكان من دون تنسيق واضح بينها. وشهد المكان تدافعاً وتلاسناً بين عدد من الامنيين التابعين لأجهزة أمنية مختلفة. وسجّل حضور عشرات العناصر من فرع المعلومات والشرطة القضائية ومكتب مكافحة الجرائم الارهابية والمكافحة في الجيش ومخابرات الجيش وأمن الدولة والشرطة البلدية وشرطة بيروت وغيرهم. وتجولوا جميعاً داخل مسرح الجريمة ومشوا على بعض الحطام الذي يحتمل أن يعتبر ادلّة جنائية تساعد على كشف القاتل.
    2ـــــ عدم تحديد المساحة الجغرافية التي يفترض أن يشملها التحقيق الميداني، إذ تبيّن أن عدداً من الشظايا التي تطايرت والتي يحتمل أن تكون قطعاً من العبوة التي انفجرت، كانت خلف الشريط الاصفر الذي وضعته القوى الامنية في المكان.
    3ـــــ عدم التنبّه لسرّية التحقيق، إذ تجمهر عدد كبير من الاشخاص حول القاضي ميرزا بينما كان قائد الشرطة القضائية العميد أنور يحيى يجول معه في مكان الانفجار ويشرح بعض المعطيات الاولية التي ينبغي أن تكون سرّية.
    4ـــــ نقل بعض الجثث الى المستشفيات وترك أخرى في المكان بما عرّض حرمات الشهداء لعدسات كاميرات الإعلام.




    نادر فوز

    الأشرفية وأخواتها ساعة الجريمة: هدوء تام والجيش يتحسّب

    «قال وصدق، لن يذهب دم شهدائنا هدراً»، لا تزال هذه اللافتة مرفوعة في ساحة ساسين بالأشرفية التي هدأت مقاهيها ومطاعمها الساعة السادسة والنصف مساء أمس. انتقل خبر الانفجار سريعاً إلى «الساحة»، وتواردت الأخبار، ومن ثم عدد من الشائعات أبرزها «الشيخ أمين كان برفقة النائب غانم». أعلام القوات اللبنانية وحزب الكتائب كانت لا تزال معلّقة على أعمدة الكهرباء منذ اليوم الاحتفالي بذكرى اغتيال بشير الجميّل. وعكس ما كان متوقعاً، انسحبت المجموعات الشبابية التي عادةً ما تكون منتشرة في ساسين فلم تأت ردة الفعل على نبأ اغتيال النائب أنطوان غانم مشابهةً لتلك التي رافقت اغتيال الوزير بيار الجميّل. وانتشرت عناصر من الجيش اللبناني في المنطقة تحسباً لأي إشكال أو ردة فعل «طبيعية» يمكن أن تحصل في ساحة «بداية التحرير والبشير» كما يحب أنصار الأحزاب والقوى المسيحية تسميتها.
    استمرّت بعض المحال التجارية بفتح أبوابها، وحافظت أجواء محيط مجمّع الـABC على حركة المارّة والسيارات.
    من ساسين إلى منطقة «الصيفي»، مروراً بالتباريس والجمّيزة، بدت الأجواء هادئةً تماماً، وتوزّعت آليات للقوى الأمنية عند زوايا الطرقات حفاظاً على الأمن واستعداداً لحواجز تفتيش نشرت لاحقاً في هذه المناطق.
    وفي بيروت الأخرى، أي في «الغربية» كما كان اسمها أيام الحرب، خلت الطرقات من المواطنين، إذ تزامن نبأ الاغتيال مع موعد الإفطار، فخفّت تدريجاً حركة السير، فيما استمرّت الحياة في المقاهي والمطاعم.
    في البيت المركزي لحزب الكتائب، قطع الجيش الطريق المؤدية إلى وسط بيروت التجاري، فيما استمرّت حركة المرور شبه طبيعية. عند مدخل البيت المركزي، توزّع عدد من المسلّحين وخرج عدد من أنصار «الحزب» إلى الطريق بانتظار أعضاء المكتب السياسي للحضور. لم تقطع الطرقات، ولم تحرق الإطارات كما حصل عند اغتيال الوزير الجميّل، فضبطت النفوس كأن العملية الأخيرة لم تكن بحجم الأولى.
    لم يدقّق أحد في هويات الداخلين إلى البيت. في الداخل، ينقسم الفريق الكتائبي إلى مجموعات عديدة؛ منها من يعمل على إعداد السيرة الذاتية للنائب غانم، ومنها من يحضّر للاجتماع الطارئ للمكتب السياسي، ومنها من يتابع التحضيرات الأولية لنشر الصور وطباعتها، ومنها من ينتظر إشارة لتنفيذ مهمة ما. ساد الحزن المكان، فاتّشحت النساء سريعاً بالسواد وأربك الرجال. «قدر هذا المكان أن يستضيف دائماً الأحداث السوداء»، تقول إحدى الكتائبيات، فشهدت هي وهذا «البيت» اغتيالات بشير وبيار، واليوم أنطوان. وصل نبأ وقوع انفجار عند تقاطع الحايك، وأفاد المكتب الإعلامي في «الحزب» بأنّ النائب غانم سيكون في تلك المنطقة في مثل هذا الوقت، «فرجّحنا إمكان استهدافه في هذا التفجير» يقول أحد الكتائبيين في المكتب الإعلامي. بثّت الوكالات ووسائل الإعلام خبر وجود لوحة نيابية تحمل الرقم 133، فتأكّد الكتائبيون من أنّ غانم موجود في السيارة، «وعرفنا لاحقاً أنّ النائب غانم استشهد ونقلت جثته إلى المستشفى اللبناني ـــــ الكندي».
    خرج عدد من المسلحين إلى الطريق مقابل البيت المركزي وقطعوه، فاتّجهت على الفور عناصر من الجيش وحلّت المسألة، فيما برر أحد المسلحين تصرفهم بالقول: «أمّنا الطريق فقط لأحد أعضاء المكتب، وليس عمل شغب أو خارج القانون».




    لحود: الجريمة تستهدف المبادرات السياسية

    دان رئيس الجمهورية إميل لحود بشدة جريمة اغتيال النائب أنطوان غانم، مشيراً إلى أنها «حلقة جديدة في سلسلة الجرائم التي تستهدف وحدة لبنان وأمنه واستقراره وإرادة بنيه في العيش بكرامة وحرية وسيادة». وقال: «ليس من الصدفة أنه كلما لاحت في الأفق تطورات إيجابية لحل الأزمة السياسية الراهنة وجمع اللبنانيين حول الخيارات التي تعطي وطنهم قوة وحضوراً، تمتد يد الغدر لتنفذ فصلاً جديداً من فصول المؤامرة المحوكة ضد لبنان وشعبه ودوره. ولعل الجريمة البشعة التي وقعت اليوم، رسالة واضحة تستهدف التقارب بين اللبنانيين من خلال التجاوب مع المبادرات السياسية التي برزت أخيراً، والمواقف الداعمة لها التي أعلنت تباعاً، وكان آخرها موقف المطارنة الموارنة في ندائهم الثامن الذي صدر اليوم (أمس)».

    بري: لبنان سيخرج من مشاريع الفتنة أقوى

    نعى الرئيس نبيه بري «نائب الأمة أنطوان غانم الذي استهدفته يد الجريمة والغدر سياق المسلسل نفسه الذي يستهدف لبنان ونظامه السياسي والاقتصادي وحريته ووحدته والعيش المشترك». وقال في بيان النعي: «إن هذه الجريمة يجب أن تشكل محطة تحدٍّ في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة التي تستهدف لبنان في وجوده، كما تستهدف الشعور الوفاقي المتنامي والمتزايد الذي عبرت عنه القيادات اللبنانية بكل طوائفها وأطيافها لمواجهة الاستحقاق والتحديات المفروضة على لبنان». وأضاف: «إننا متأكدون أن الشعب اللبناني سيكون بمستوى هذا الحدث الخطير وسيخرج لبنان من هذه المحنة ومشاريع الفتنة أقوى من أي وقت مضى». واتصل بري معزياً بالجميل والبطريرك نصر الله صفير، ورئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني.

    عون يخشى توظيف الجريمة في الاستحقاق

    دان النائب العماد ميشال عون اغتيال النائب أنطوان غانم، ودعا القضاء إلى «كشف الأيدي المجرمة التي قتلت شخصية لبنانية موصوفة بالاتّزان والانفتاح»، و«عدم جعل هذه الجريمة النكراء كسابقاتها، وأن يصار إلى كشف المجرمين ومعاقبتهم ولو لمرة واحدة». وعبّر عون لـ«الأخبار» عن خشيته من توظيف هذه الجريمة في الاستحقاق الرئاسي «ولا سيّما إذا كانت الأيدي نفسها التي ارتكبت الجرائم السابقة وراء ارتكابها». وعن اتهام المعارضة بتوظيف الجريمة في صراعها مع فريق 14 آذار، رأى أن اللبنانيين سيشهدون مَن سيستغل الجريمة، معتبراً «أن مَن يستغل جريمة كهذه سياسياً يكون هو مقترفها»، ولم يستبعد أن يكون أحد أهداف الجريمة قطع الطريق على مبادرة الرئيس نبيه بري والأجواء الدولية الداعمة لها».
    وشجب التيار الوطني الحر في بيان اغتيال غانم، فيمارفض النائب إبراهيم كنعان الترهيب من الأكثرية، معتبراً أن مستغلّي دماء الشهداء هم الذين ركّبوا نظاماً سياسياً على تلك الدماء منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري.

    الحريري: رد سوري على القصف الإسرائيلي

    اتهم رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري سوريا بجريمة اغتيال النائب أنطوان غانم، وذلك رداً على قصف الطائرات الإسرائيلية أراضيها. وقال خلال إفطار أقامه غروب أمس في قريطم: «اليوم حصدت يد الغدر والإرهاب شهيداً جديداً من شهداء الحرية والسيادة والاستقلال، رفيقي في 14 آذار، وزميلي في المجلس النيابي، النائب المحامي أنطوان غانم، دفع بدمه ثمن إصراره وإصرار اللبنانيين على مواصلة طريق الحقيقة والعدالة والكرامة والحرية»، مشيراً إلى أن «ستة نواب استشهدوا خلال سنتين ونصف (...) قتلتهم يد الإرهاب والحقد، ولكننا لسنا خائفين ولن نخاف ولم نخف يوماً إلا من الله سبحانه وتعالى». وذكر بأن «كل النواب الذين استشهدوا بدءاً من الرئيس الحريري جميعهم من قوى 14 آذار وجميعهم ممن يطالبون بالسيادة والحرية والاستقلال والعروبة»، مشيراً إلى أن «القاتل والمجرم واحد والسفاح واحد. بعدما قصفت الطائرات الإسرائيلية سوريا ردوا عليهم بقتل اللبنانيين. هكذا ترد سوريا. لم أر يوماً نظاماً أجبن من نظام بشار الأسد». وأكد «أن المحكمة الدولية ستحاسب هؤلاء القتلة المجرمين، وستحاسب هؤلاء الذين يعطلون انتخابات رئاسة الجمهورية». وشدد على «أننا مستمرون. لن يوقفنا أحد ولا شيء. سنحفظ الدستور، سنحفظ الطائف، سنحفظ الديموقراطية في لبنان، وسنذهب للاستحقاق الرئاسي موحدين متضامنين».

    «حزب الله» لتفويت الفرصة على دعاة الفوضى

    دان «حزب الله» بشدة «عملية الاغتيال الآثمة التي طالت النائب أنطوان غانم واستهدفت الأمن والاستقرار في لبنان ومناخات التوافق والأمل بالتوصل إلى تسوية سياسية في البلاد». وتقدم بـ«التعازي الحارّة إلى ذوي الشهيد ورفاقه وإلى اللبنانيين عموماً، وندعوهم إلى تفويت الفرصة على العابثين بالأمن ودعاة الفوضى، والحفاظ على الوحدة والتضامن وتغليب التوافق كرد على هذه الجريمة المستنكرة».

    «الكتائب»: حلقة في مسلسل إنقاص الأكثرية

    وضع المكتب السياسي الكتائبي اغتيال أحد أعضائه النائب أنطوان غانم في خانة «مسلسل الاغتيالات التي طاولت شخصيات بارزة في ثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال، بهدف إنقاص الأكثرية النيابية، وصولاً إلى إكمال المشروع الذي بدأ بتعطيل المؤسّسات الدستورية، ويتواصل عبر السجال القائم في شأن النصاب الدستوري لجلسة انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية»، داعياً اللبنانيين لـ«الوقوف صفاً واحداً في وجه المؤامرة التي تمعن تمزيقاً في البلاد». وفي بيان أصدره، أمس، إثر جلسة استثنائية عقدها، عاهد المكتب السياسي بـ«الاستمرار في مسيرة الاستشهاد والنضال»، داعياً الى الإضراب والإقفال العام، اليوم، في حداد وطني شامل. ولفت رئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني الى اجتماع موسّع سيعقد، اليوم، بناءً على طلب قوى 14 آذار، لوضع الترتيبات النهائية للجنازة التي تقرّر إقامتها الثانية عشرة ظهر الجمعة. ورداً على سؤال في شأن الردّ المحتمل لـ14 آذار على الجريمة، أجاب بقرادوني: «ردّ 14 آذار هو ردّنا. وردّنا أن ما حصل مؤامرة واضحة تستهدف كل لبنان والاستحقاق الرئاسي، وتسعى إلى خلق الفراغ الذي يخرّب لبنان»، خاتماً بالقول: «لن نسقط، وسنستمر بالعمل لتأمين الاستحقاق الرئاسي وإجراء الانتخابات، مهما تكن الأسباب».