strong>حسن عليق
بعد مرور أكثر من 25 ساعة على انفجار حرش تابت الذي استهدف
النائب أنطوان غانم، وراح ضحيته ستة شهداء و71 جريحاً، استمرّت الفوضى في المكان، حيث شوهد دماغ يعود إلى مواطنة، وأشلاء أخرى متروكة في سيارتها. أجهزة الدولة لم تكلّف نفسها نقل الأشلاء البشرية إلى براد المستشفى. من المسؤول؟ ومن سيُحاسَب؟

احتشد عشرات الأمنيين والمسعفين ورجال الإطفاء والمواطنين في مكان الانفجار بعد لحظات من وقوعه. واستمر توافد كبار القضاة والضباط والمسؤولين الرسميين إلى المكان حتى ساعة متأخرة من ليل أول من أمس. ومن بين الذين عاينوا المكان المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، ومعاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي سامي صادر، وقاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر، وقاضي التحقيق العسكري جورج رزق وغيرهم، كما حضر إلى المكان وعاينه عدد كبير من كبار ضباط الأجهزة الأمنية المختلفة والجيش. رغم ذلك، ورغم حضور المرجع القضائي الأوّل المشرف على التحقيق، ورغم الكلام الذي صدر عن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والوزراء والنواب بحقّ الشهداء، تُركت أشلاء بعضهم في العراء لأكثر من 25 ساعة. لا شكّ أن في ذلك احتقاراً للكرامة الإنسانية ولأبسط المبادىء الأخلاقية. ولن تنشر «الأخبار» الصور التي التُقطت للأشلاء البشرية المتروكة، حفاظاً على كرامة الشهداء. وحتى ساعة متأخرة من مساء أمس، كانت الأشلاء لا تزال في المكان. وكانت أشلاء بشرية في مكان اغتيال الشهيد جبران تويني قد تُركت لأكثر من شهر بعد وقوع الانفجار في المنصورية في كانون الأول 2005. السؤال الذي يُطرح على الدولة هو: من سيحاسب على تحقير الشهداء (عن قصد أو غير قصد)؟ من سيحاسب على النقص في المهنية؟ أليست الحكومة مسؤولة عن أداء الأجهزة الأمنية؟ أوليس القضاء مسؤولاً عن مسرح الجريمة خلال التحقيق؟ أو أننا أصبحنا نعيش في بلد تدبّ فيه الفوضى، بحيث يمكن أن تُترك أشلاء أي من المواطنين لتلتهمها الحشرات بعد استشهادهم في انفجار إرهابي؟

زيارة مسرح الجريمة

«صحافة؟ فوتوا لحد الـCitroen الزرقا». يقول أحد رجال الأمن المكلّفين حماية مسرح الجريمة. يدخل زملاء صحافيون ومواطنون مدنيون، من سكان المنطقة وغيرهم، متخطّين شرائط صفراء وحمراء وبيضاء موزّعة بطريقة عشوائية، من المفترض أن تحدد مسرح الجريمة. لكن، وخلف هذه الشرائط هناك عدد كبير من قطع السيارات والأحجار المتطايرة من مكان الانفجار، والتي يمكن لسلطات التحقيق أن تستفيد منها في تحقيقاتها الجنائية. داخل مسرح الجريمة وفي محيطه، يتنقّل مواطنون وعسكر وصحافيون. لا أحد يمنع أحداً من الدخول و«الفرجة» على السيارات المحطمة. نسأل أحد رجال الأمن عن سبب عدم منعنا من الدخول، يجيب: «ما بعرف، مش إنتو صحافة؟ ما بعرف أصلاً إذا مسموح أو لأ. ليش في دولة؟ مين سألان؟».

تصوير الأشلاء... عبر الهاتف

يأتي رجل أمن، يفتح هاتفه النقّال ويرينا صورة دماغ بشري في سيارة. يشير إلى سيارة زرقاء: «بعدو هونيك». لم يستطع أحد من رجال الأمن تفسير سبب إبقاء أشلاء بشرية في مسرح الجريمة. نصل إلى السيارة المذكورة، ننظر إلى داخلها، فنجد أشلاءً ممزّقة ودماءً متجمّدة، وبين أحد المقاعد وباب السيارة يستقر دماغ بشري. تبتعد إحدى الزميلات من فريق «الأخبار» طالبة من شاب أن يصوّر، «كي لا يسقط شعر من رأسي يمكن له أن يشغل سلطات التحقيق». كانت الزميلة تظن أن الأجهزة المكلفة بالتحقيق ترفع أدلة مجهرية، من دون أن تنتبه إلى عشرات الأشلاء البشرية الواضحة التي لم تُرفع بعد.

فوضى في حراسة المكان

نسأل أحد رجال الأمن عن سبب ما يجري في مسرح الجريمة، فيقول: «الأجهزة اللبنانية تتسابق في محاولة للوصول إلى كشف الجناة. وتعدد الأجهزة سبّب هذه الفوضى. وأصلاً ما حدا سألان. بكرا بتجي لجنة التحقيق، وبتعلّمنا كيف الشغل». يتدخّل رتيب زميل له قائلاًً: «هل تعلمون أن عناصر الأمن الموجودين هنا لا يعرف بعضهم البعض الآخر؟ لا نعرف لمن يتبع زملاؤنا». يمكن ملاحظة ما قاله الرتيب الأمني من تعدّد البزات العسكرية والقبعات التي يرتديها هؤلاء العناصر: فوج التدخل السريع، الشرطة القضائية، الدرك، فرقة 16 وعناصر أمنية بلباس مدني.

كاميرات تساعد على كشف الجناة

من ناحية أخرى، وعلى طول الطريق الممتد من فندق ميتروبوليتان إلى ساحة الجريمة، تتعدد المحال التجارية والمصارف المزوّدة بكاميرات مراقبة خاصة. وفي حديث مع عدد من أصحاب هذه المؤسسات وموظفيها، ذكر هؤلاء لـ«الأخبار» أن أربعة أجهزة أمنية زارتهم للحصول على تسجيلات الكاميرات التابعة لهم. وهذه الأجهزة هي: مديرية المخابرات في الجيش، فرع المعلومات، المديرية العامة لأمن الدولة والاستقصاء. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن الأجهزة الأمنية المذكورة تقوم بجمع كل التسجيلات، ابتداءً من المركز الذي غادره النائب غانم في سن الفيل أمس، حيث هناك 6 كاميرات مراقبة. إضافة إلى ذلك، اطّلعت «الأخبار» على جزء من تسجيلات فيديو التقطتها كاميرا مراقبة خاصة مثبتة أمام إحدى المؤسسات التجارية، تصوّر الطريق العام بين الميتروبوليتان ومسرح الجريمة، وموصولة إلى جهاز كومبيوتر يحفظ تسجيلات عشرة أيام سابقة على مدى 24 ساعة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الكاميرا تعطي صوراً واضحة وذات جودة عالية، يمكن لأجهزة التحقيق، التي حصلت على نسخ منها، استخدامها لتحديد السيارات التي من الممكن أن تكون قد سلكت الطريق المذكور لرصد تحركات النائب غانم، كما من الممكن أن تكون السيارة المفخخة قد سلكتها. وتجدر الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية فوجئت بأن كاميرات مراقبة مثبتة على مدخل إحدى المؤسسات التجارية الملاصقة لمكان الانفجار لا تسجّل الصور التي تبثها، ما أضاع على سلطات التحقيق فرصة ثمينة للتعرّف على من وضع السيارة المفخخة.

استنابات قضائية بالجملة

وتفقد أمس قاضي التحقيق العسكري الأول، رشيد مزهر، موقع الانفجار، واستمع إلى إفادات بعض الشهود. وقد سطّر القاضي مزهر استنابات قضائية لجميع الأجهزة الأمنية للبحث وإلقاء القبض على الفاعلين. وكانت النيابة العامة العسكرية قد ادّعت على كل من سيظهره التحقيق بالتورط في جريمة اغتيال النائب غانم، معتبرة إياها من جرائم النيل من هيبة الدولة ومؤسساتها، والعبث بأمن واستقرار البلد، وكذلك صنع واقتناء مواد متفجرة.