أنطوان سعد
فاجأ النداء الثامن لمجلس المطارنة الموارنة الرأي العام اللبناني، وربما كان قد أثار موجة من الردود لولا اغتيال النائب أنطوان غانم بعد ساعات قليلة على صدوره، ولولا تعميم قطب بارز في المعارضة على وسائل الإعلام والنواب والقيادات المتحالفة معه التزام الصمت. فالنداء يبدو، للوهلة الأولى، أنه يتجاوز المنحى التوافقي الذي أخذته خطب البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير ومواقفه الداعية إلى انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة يتوافر فيها نصاب الثلثين، إلى اختيار رئيس يكون على مسافة واحدة من الموالاة والمعارضة ويترفع عن الحزازات المستفحلة بينهما.
غير أن قراءة متأنية له في ضوء النداءات السبعة السابقة والبيانات الشهرية وعظات البطريرك صفير، وطريقة تفكيره، إضافة إلى اتصالات مع بعض المطارنة الموارنة، تظهر أن الموقف الكنسي كالعادة متوازن ويهدف إلى أخذ كل ما هو محق من سلة كل من الطرفين. وقد همه أن يؤكد المسائل التالية:
ــ أن النداء الثامن أكد التزام البطريركية المارونية واستمرارها في المنحى التوافقي عندما عبّر صراحة، وفي بنده الأول، عن اعتقاده بأن «لا سبيل إلى نهوض لبنان الا بتعاون رئيسه وحكومته ومجلس نوابه»، وعندما ذكر أن «المأمول أن ينتخب رئيس يجمع بين اللبنانيين من جميع الفئات». وعلى عكس ما درجت عليه بكركي، تطرق النداء بالاسم إلى مبادرة الرئيس نبيه بري التي «ترمي الى الاتفاق على اختيار رئيس للجمهورية يجمع عليه اللبنانيون، ونأمل لهذه المبادرة أن تنجح».
ــ بين قائل إن نصاب جلسة الانتخاب هو الأكثرية العادية، أي النصف الزائد واحداً، وقائل بالثلثين، مع ما يستتبعه ذلك من انقسامات واعتبار كل طرف أن البطريركية منحازة إلى خصمه، كما في إثر كل موقف صادر عن بكركي، ارتأى البطريرك الماروني أن يحث الطبقة السياسية على الخروج من هذه الدوامة التي يتركز عليها النقاش وعلى الارتقاء بالتفكير إلى ما يتخطى كيفية تسجيل انتصار على الخصم. لذلك رأى النداء أن «من واجب النواب المحترمين أن يحضروا جلسة الانتخاب قياماً بما عليهم من مسؤولية تجاه وطنهم ومواطنيهم، والاستنكاف في هذا المجال يعدّ مقاطعة للوطن، وما من أحد مهما علا قدره وعظم شأنه باستطاعته أن يقاطع وطنه، ويسهم في عرقلة أموره». وهكذا بات النصاب بحسب بكركي هو الإجماع، لا النصف زائداً واحداً ولا حتى الثلثين.
ــ بعد تأكيد المنحى الوفاقي وإشراك مختلف القوى السياسية في عملية التوافق على هوية الرئيس العتيد لجمهورية، وهذا في شكل أو آخر من مطالب المعارضة، وجد الأساقفة الموارنة أن ثمة ضرورة لتأكيد ثوابت أساسية سبق للبطريرك صفير ولهم أن أعلنوها مراراً وتكراراً حتى قبل أن يبدأ معظم أركان الموالاة في العمل من أجلها سراً ومن ثم علناً، وهي بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وحصر السلاح في يد السلطات الأمنية الرسمية. وفي هذه المناسبة، كثيراً ما انتقد بعض رموز الموالاة الأساسيين سيد بكركي على هذه المواقف بشدة. والرسالة من وراء التذكير هي أنه إذا كانت هناك مصلحة عليا دائمة متعلقة بضرورة أن يكون الرئيس العتيد للجمهورية ثمرة توافق داخلي، فإن ذلك لا يعني أبداً التخلي عن مطلب سيادة منطق الدولة أو المساومة عليه.
ــ ليس المستهدف طائفة معينة من البيان، وقد أوضح مصدر في مجلس المطارنة للأخبار أن «لا تاريخ بكركي، في أتعس الظروف، انحاز لطرف سياسي أو طائفي ضد آخر، وليس هناك طائفة كلها شياطين وأخرى كلها ملائكة. صياغة النداء دقيقة جداً ومن يقرأه بتمعن يجد أن لا استهداف لأحد بل تأكيد على ثوابت معروفة». ويضيف هذا المصدر أن المال والسلاح يظهران في العديد من الأماكن، ولدى أكثر من طرف، وثمة ضرورة لوضع حد نهائي له.
- أكثر بكثير من المعتاد، توجه النداء إلى ضمير الرأي العام ووجدانه وعاطفته لتنبيهه إلى الأخطار المحدقة بلبنان من جراء تهور معظم اللاعبين السياسيين، وانحدار مستوى تخاطبهم. وقد علّق أحد المسؤولين في الرابطة المارونية على هذا الأمر أيضاً بقوله: «يبدو أن أحدهم قد أعاد قراءة كتاب «الحيوان» للجاحظ أو كليلة ودمنة لابن المقفع، أو ربما يقرأهما للمرة الأولى».