عمر نشابة
لم تتمكّن القوى الأمنية اللبنانية من حماية الناس. يوم الأربعاء الفائت استشهد النائب انطوان غانم وخمسة مواطنين في انفجار وقع في منطقة حرش تابت، كذلك جرح ما يزيد على سبعين شخصاً كانوا في المكان، وأحدث الانفجار أضراراً جسيمة في الأملاك العامة والخاصّة.
هذه الجريمة الإرهابية هي واحدة من سلسلة جرائم طالت مواطنين ووزراء ونواباً وإعلاميين منذ محاولة اغتيال النائب والوزير مروان حمادة في الأول من تشرين الأول 2004 التي تبعها اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. استشهد منذ ذلك الحين 46 مواطناً وجرح 349 آخرون. إن جريمة الأربعاء هي الجريمة العاشرة التي تستهدف شخصية سياسية أو إعلامية، وهي الجريمة الرابعة والعشرون التي تستهدف أمن البلاد عبر قتل المواطنين وتدمير أرزاقهم. لماذا لم تتمكّن الدولة من حماية غانم والمواطنين؟ قبل أن نجيب عن هذا السؤال نعرض مبرّرات الفشل الأمني التي يكرّرها حلفاء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووزراؤه والموالون له.

مبرّرات الفشل

فشلت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة في حماية المواطنين والسياسيين والإعلاميين. ويحاول الموالون لهذه الحكومة العاجزة تبرير فشلها بإطلاق مجموعة شعارات أقلّ ما يقال عنها إنها سخيفة ومنها:
1ـــــ ان الارهاب يطال اي بلد في العالم ولا تستطيع الأجهزة الامنية الاوروبية والاميركية حماية الناس منه فكيف حال الاجهزة الامنية اللبنانية. ويتناسى هؤلاء أنه لا بلد في العالم استهدف بـ24 هجوماً ارهابياً دون أن يحال الى المحاكمة شخص واحد! 2ـــــ يقول المقرّبون من السنيورة إن الاجهزة الامنية اللبنانية ضعيفة وغير قادرة لأن الجهاز الامني السوري كان يتحكّم بها خلال عشرات السنين التي سبقت انسحاب الجيش السوري من لبنان. لكن يتناسى هؤلاء أن الجيش السوري انسحب من لبنان في 26 نيسان 2005 أي منذ سنتين ونصف تقريباً، وتلقت حكومة السنيورة دعماً غير مسبوق من الاجهزة الامنية الاميركية (مكتب التحقيقات الفدرالي) طالب باستحضاره السنيورة نفسه عبر وسائل الاعلام. كذلك تلقّت حكومة السنيورة دعماً لقوى الامن من فرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا والاتحاد الاوروبي وبلدان عربية بملايين الدولارات وبالتجهيزات والاسلحة والعتاد والآليات العسكرية. أليست سنتان ونصف كافيتين لتحسين أداء قوى الامن وتطوير فرع المعلومات فيها بما يمكّنها من حماية الناس؟ 3ـــــ يتحدّث المقربون من السنيورة عن «بؤر ومربّعات أمنية» في لبنان لا يمكن القوى الامنية دخولها مثل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وبعض أحياء الضاحية الجنوبية. ويتناسى هؤلاء أن هذا أمر، لو افترضنا أن الارهابيين يلجأون الى تلك «البؤر»، يسهّل عمل الاجهزة الامنية اللبنانية التعرّف علىهم من خلال مراقبة حركة الدخول والخروج منه وإليه.

إخفاقات في الحماية

إن طريقة اغتيال النائب الشهيد لافتة لا بل مقلقة لدرجة عالية، لأنها تنبّه الى الامكانات المتطوّرة التي يتمتّع بها الجناة من جهة، والى الضعف والفوضى اللذين تتميّز بهما أجهزة الحماية الامنية الرسمية من جهة ثانية. إن ضعف أجهزة الامن المحلية الفاضح يشجّع القَتَلَة على الاستمرار بجرائمهم ويُشعر المواطنين بالخوف والحيرة والإرباك.
ما هي المكوّنات الاساسية لفشل القوى الامنية في حماية النائب الشهيد أنطوان غانم ومواطنين؟ نعرض معاً أربع نقاط أساسية:

1ــ إخفاق في مراقبة المراقب

إن المعاهد الامنية والمدارس الحربية تعلّم الرتباء والضباط أن الجريمة المتعمّدة تسبقها عادة مراقبة الجاني للضحية. وبالتالي من المفترض البحث عن مراقبي الشخصية المهدّدة للتمكّن من حمايته. فلا جدوى من المرافقين الامنيين ولا السيارات المصفّحة ولا أجهزة التشويش التي كان موكب الشهيد الحريري مجهّزاً بها، إنما أساس الامن هو التنبّه من الذين يراقبون تحرّكات واتصالات ومكان سكن الشخص المستهدف وأسرته. لكن الاجهزة الامنية المكلّفة حماية النواب المهددين وبخاصّة نواب المتن وبيروت الذين اغتيل منهم 6 منذ اغتيال الحريري، لم تتخذ الاجراءات اللازمة لمراقبة المراقِب. فبقي امن الشخصيات محصوراً بالمرافقة والمواكبة وإغلاق الطرق وتدفيش المواطنين وتخويفهم وإزعاجهم. بينما استبعدت الإجراءات الأكثر فاعلية وهي مراقبة الاشخاص المحيطين بالشخص المهدَّد عن بعد وتصويرهم وجمع المعلومات عنهم.
تستمرّ مراقبة الجناة للشخص المهدّد بعد استهدافه مباشرةً، اذ ينبغي التأكد من نجاح العملية الجرمية. فحتى لو فشلت اجهزة الحماية في تعقّب المراقبين قبل وقوع الجريمة يمكن القبض عليهم بعد وقوعها بدقائق اذا كان هناك برنامج حماية يعتمد مراقبة المراقب.

2ــ الهاتف الخلوي

كان الهاتف الخلوي في حوزة النائب الشهيد انطوان غانم لحظة اغتياله وكان قد تحدّث عبره قبل دقائق من وقوع الانفجار، وحدّد خلال المخابرة مكان وجوده والمكان الذي يتوجّه اليه مثلما حدّد التوقيت. ومن المرجّح أن الجناة مجهّزون بتكنولوجيا التنصّت على الاتصالات الهوائية وتحديد الموقع الجغرافي الدقيق عبر احتساب اشارات الارسال والتلقّي. وليس صحيحاً أن بعض الاجهزة الخلوية محصّنة ضدّ التنصّت، فهناك أجهزة الكترونية متطوّرة يمكنها اختراق الموجات الهوائية المغلقة وحتى العسكرية منها. لذا كان ينبغي تنبيه الشخص المهدّد بعدم نقل الجهاز الخلوي معه اثناء تحرّكاته أو تغيير الجهاز والرقم أكثر من مرّة خلال اليوم الواحد. ويجب أن تكون الارقام مسجّلة باسم أشخاص لا علاقة لهم على الاطلاق بالشخص المستهدف. فيمكن مثلاً، أن تشتري القوى الامنية خطوطاً توزّعها وتبدّلها عشوائياً بين العناصر الامنية المكلّفة بالحماية. لكن يستحسن عدم استخدام الشخص المستهدف للهاتف الخلوي على الاطلاق أثناء تجوّله.

3ــ اختيار رجال الحماية وإمرتهم

اغتيل غانم في سيارته ولم يكن هناك جهاز أمني كفوء يحميه. ان حماية الشخص المستهدف هي مسؤولية جهاز أمني متخصّص يعمل باحتراف ويتمتّع بالثقة. يُفترض بالتالي أن يحدّد الجهاز الامني مسار الطريق التي يسلكها الشخص المهدّد والتوقيت ووسيلة التنقّل وأساليب الاتصال وطريقة التمويه وعدد عناصر الحماية والمراقبة. ولا يجوز أن يقرّر هذه الامور الشخص المستهدف مثلما لا يجوز أن يعلم بكلّ هذه الامور الا الضابط المسؤول وعدد قليل جداً من معاونيه. اذ يفترض أن يعطي الشخص المستهدف لائحة مواعيده والاماكن التي يجب أن ينتقل اليها الى الضابط المسؤول عن حمايته وهو الذي يقرّر تغيير المواعيد أو حتى الغاء بعضها وتأجيل أو تبكير البعض الآخر. ويجب أن يعيّن رجال الحماية بحسب كفاءاتهم العسكرية والاستخبارية لا حسب طوائفهم وولاءاتهم العقائدية والسياسية والمناطقية والعشائرية كما هي حال أكثر مرافقي السياسيين اللبنانيين.

4ــ ازدواجية أمنية

إن حماية شخص مستهدف تتطلّب تنسيقاً كاملاً بين مختلف الاجهزة الامنية وبخاصّة بين مديرية المخابرات في الجيش وقوى الامن الداخلي. لكن رغم المحاولات المتكرّرة لتفعيل غرف عمليات مشتركة، يبقى مستوى التنسيق منخفضاً. ويعمل كلّ جهاز على حدة. وبما أن الجهازين يعملان في المجال الاستقصائي المموه، أي باللباس المدني، فقد يتمكّن بعض الجناة من انتحال صفة مخبر أو مندوب لهذه الجهة أو تلك دون أن يدقَّق بهويته الحقيقية تفادياً لاصطدام محتمل بين الجهازين.
ان مسؤولية الحفاظ على الامن هي مسؤولية الحكومة اللبنانية، لكن يبدو أن هناك توجّهين مختلفين لا بل متناقضين في مجلس الوزراء الذي يرأسه فؤاد السنيورة. فوزير الداخلية حسن السبع الذي تخضع لسلطته قوى الامن الداخلي وفرع المعلومات التابع لها، يرى أن جهازاً أمنياً سورياً هو المسؤول عن الجرائم الارهابية التي طالت لبنان ومنها جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجريمة تفجير الحافلتين في عين علق في 13 شباط 2007. بينما يرى وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء الياس المرّ، بعد مراجعة قيادة الجيش ومديرية المخابرات التابعة له، ان مرتكبي جريمة عين علق تابعون لتنظيم «القاعدة» وأن لا دليل على أي علاقة تربط بين مرتكبي الجرائم الارهابية والاستخبارات السورية. ولا يُخفى التنافس السلبي الذي يميّز العلاقة بين مديرية المخابرات في الجيش وفرع المعلومات في قوى الامن. وهذا الامر يضعف قدرة الجهازين الامنيين ويخلق عقبات أمام عمل مديرية المخابرات في الجيش. اذ يتهم عدد كبير من اللبنانيين فرع المعلومات بالعمل لمصلحة جهة سياسية في مواجهة جهة سياسية أخرى، بينما ترى الغالبية الساحقة من اللبنانيين أن الجيش اللبناني لخدمة جميع المواطنين.