صيدا ـ خالد الغربي
خمسة وعشرون عاماً مضت على اختطاف القيادي الشيوعي البارز، والمربي الصيداوي محيي الدين حشيشو، الذي اختطفته عناصر مسلحة من منزله في محلة عبرا في صيدا، إثر مقتل بشير الجميل، ولا تزال قضيته عالقة في أدراج القضاء اللبناني بعدما تقدمت زوجته نجاة النقوزي بادّعاء على أشخاص لبنانيين تتهمهم باختطاف زوجها.
فعائلة حشيشو لا تجد نفسها معنيّة بالعفو عن جرائم الحرب الذي أقره المتحاربون، فالادعاء الذي تقدّمت به جعل من قضية حشيشو متميزة عن سائر مثيلاتها من آلاف عمليات الخطف التي مارستها الميليشيات إبان الحرب الأهلية.
حشيشو، أو أبو أسامة، كان وجهاً اجتماعياً ونقابياً بارزاً في صيدا. فهو، فضلاً عن كونه مناضلاً وعضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني، كان مربياً معروفاً ونقابياً فاعلاً (نائب رئيس نقابة معلمي المدارس الخاصة ـــــ وعضو اتحاد المعلمين العرب). وفي تفاصيل عملية الاختطاف التي ترويها مصادر العائلة وأبناء الحي، أن نحو عشرين مسلّحاً ينتمون إلى ميليشيا لبنانية دخلت إلى منطقة صيدا إثر الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، طوّقوا منزل حشيشو في اليوم التالي لمقتل بشير الجميل، تؤازرهم سيارة جيب عسكرية مزودة برشاش متوسط، فضلاً عن سيارة بيجو ستايشن وأخرى فيات برتقالية عليها شعارات القوات اللبنانية. وقد دخل عدد من المسلّحين إلى المنزل، حيث كان حشيشو مرتدياً ثياب النوم، ويتصفح كتاباً عنوانه «محنة العقل في الإسلام». طلب آمر المجموعة من حشيشو الذهاب معهم للتحقيق، مخاطباً زوجته بالقول: «لا داعي للقلق، سنحقّق معه لنصف ساعة ثم نعيده». لكن نصف الساعة امتد لسنوات، عاشتها العائلة «على أمل اللقاء، أو المعرفة: إذا كان حياً نريده أن يعود، وإذا قتلوه، نريد أن نعرف مكان تصفيته، وإذا وجدنا عظمة واحدة ندفنها ونقيم قبراً»، قالت الزوجة ذات يوم وهي تخرج خائبة من قصر العدل في صيدا.
تتذكّر الزوجة نجاة ذاك اليوم: الخامس عشر من أيلول، وكان يوم أربعاء عندما اقتحم المسلحون المنزل واختطفوا زوجها. وأشارت في اتصال مع «الأخبار» إلى أنه رغم مرور خمسة وعشرين عاماً إلا أنها عاشت الذكرى قبل أيام والألم يعتصر قلبها. «بكيت كثيراً واتصل بي أولادي من الخارج ليشاركوني ذكرى الحبيب والأب والصديق والمثال». تتساءل: «إلى متى تبقى مأساتي؟ ومن يضغط من أجل عدم التوصل إلى الحقيقة؟ وإلى متى يبقى المجرمون خارج دائرة الحساب؟ وما هي الأسباب التي تحول دون التوصل إلى نتيجة، علماً بأن الخاطفين معروفون؟ هل الأسباب سياسية أم أمنية؟ تضيف: «والله مش عارفين شو القصة». وتشير الزوجة نجاة إلى جلسة قضائية لمتابعة القضية ستتم في العاشر من الشهر المقبل، متمنّية مؤازرتها في الجلسة القادمة.
وتستغرب العائلة طول المدة التي أخذتها القضية، «رغم وجود شهود يعرفون الأشخاص المشتبه في مشاركتهم في عملية الاختطاف» كما تقول الزوجة. كذلك، لا يخفي بعض أفرادها عتباً على عدد من القيادات في صيدا لعدم «تحويل قضيته إلى قضية وطنية، فضلاً عن بعدها الإنساني»، وهو عتب ينسحب أيضاً على حزبه الشيوعي الذي كان في استطاعته فعل الكثير، ولا سيما في فترة «نهوض المقاومة الوطنية اللبنانية»، كما يقول أحد أفراد العائلة.
يؤكد عارفو «أبو أسامة» أنه كان «علامة في النضال الوطني والمطلبي. وكان يتمتع برصيد شعبي كبير وبحياة هادئة، أهّلته، وهو القيادي الشيوعي، إلى أن يكون محبوباً حتى لدى الوسط الشعبي المتدين في صيدا، والذي كان يرى فيه واحداً من الذين يدافعون عن مصالح الفقراء ويحملون همومهم» على حد قول مسؤول العلاقات السياسية في الحزب الديموقراطي الشعبي غسان عبدو. عبدو كان آخر من زار حشيشو قبل ساعتين فقط من اختطافه، وجال معه في نقاش حول تطورات تلك المرحلة حيث «بدا حشيشو واثقاً من هزيمة الاحتلال الإسرائيلي في وقت قريب».
من جهتهم، يشير وكلاء عائلة حشيشو بالقول: «لقد حسمت محكمة جنايات الجنوب الجدل القانوني في مسألة شمول المتهمين بقانون العفو أو بمرور الزمن، حيث ورد في القرار الصادر في 12/6/2003 أن الفقرة «و» من المادة الثانية من قانون العفو الصادر عام 1991 استثنت من منحة العفو الجرائم المنصوص عنها في البنود 1 و2 و3 و4 و7 من المادة 569 من قانون العقوبات (الحرمان من الحرية)، فضلاً عن أن الفقرة الأخيرة من المادة عينها من قانون العفو نصت على إسقاط منحة العفو عن مرتكبي الجرائم المتمادية أو المتتابعة».
وفي ذكرى اختطاف حشيشو يتذكّره من عايشوه أو عرفوه، وتفتح الذكرى معاناة أهالي المخطوفين والمفقودين وضرورة معالجة هذه القضية، ليس على قاعدة نكء جراح الماضي، بل رحمة بالذاكرة وطياً لصفحة المآسي وفقاً لقواعد المصارحة
والمصالحة.
تجدر الإشارة إلى أن العشرات من أبناء منطقة صيدا، من لبنانيين وفلسطينيين، اختطفوا بين عامي 82 ـــــ 85، خلال وجود ميليشيات لبنانية أثناء الاحتلال الإسرائيلي لمدينة صيدا ومنطقتها.