عادل السلمان
توّج قرار إحدى المدارس الخاصة في بيروت باعتماد الحذاء الموحّد مجموعة من التدابير التي كانت المدرسة قد اتخذتها، وأرهقت الأهل. ويلغي القرار حرية التلميذ الفردية، كما وصفه التلامذة أنفسهم، لا تقوى مجالس الأهل على رفضه، لأنّها إما ضعيفة أو متواطئة

«كنا قد أبلغناكم أننا سوف نحدد مواصفات الأحذية التي يمكن انتعالها للحضور إلى المدرسة على أمل أن نجد مصنعاً يوفّر لنا النوعية والكمية المطلوبتين بأسعار معقولة. وبالفعل لقد استطعنا تحقيق ذلك، لكن الكمية لن تكون متوافرة قبل الأول من تشرين الثاني 2007، و قد حدّد ثمن الحذاء بثلاثين دولاراً أميركياً مهما يكن القياس، على أن يعتبر الحذاء متمماً إلزامياً للزي المدرسي».
هذا بعض ما ورد في رسالة إدارة إحدى المدارس الخاصة «الكبرى» في بيروت. تفاجأ الأهالي بالرسالة التي وصلتهم «بغير وقتها»، فعبّر البعض عن احتجاجهم على القرار بالقول: «هل الخطوة التالية ستكون إلزامنا بشراء الثياب الداخلية من المدرسة أيضاً؟»، على حد تعبير إحدى الأمهات. أما التلامذة فيرون «أنّ القرار يلغي إلى حد كبير حرية التلميذ الفردية في التعبير عن ذوقه ويحوّله إلى مجرد رقم متكرر لمئات التلامذة في باحة هذه المدرسة».
من هنا، فإذا كان الزيّ الموحد وتنسيق الهندام يلغي الفوارق بين التلامذة ويشعرهم بالمساواة مهما كان وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي أو حتي الديني، بأية كلفة يتم ذلك؟ وما هي الأرباح التي تجنى من جراء هذه التدابير الإلزامية؟ وهل الدافع إليها فقط تربوي أم أنّ هناك هدفاً تجارياً من جراء هذا القرار؟ وإذا كانت خطوة توحيد اللباس المدرسي من المريول إلى البنطلون والبلوزة قد اكتملت في هذه المدرسة مع اعتماد الحذاء الموحد، فما علاقة رسالة التربية والتعليم بمثل هذا الإجراء؟ وإذا كان الهدف تربوياً، فلماذا لم تكتشف ذلك المدارس الخاصة أو الرسمية الأخرى؟
يبدي أحد أعضاء لجنة الأهل، الذي رفض ذكر اسمه، رفضه لاعتماد الحذاء الموحد وبيعه من المدرسة، «لكن لا أحد يصغي لرفضنا، فالمدرسة قرّرت، ولا نستطيع إلغاء هذا القرار». وفي هذا الإطار، توضح إحدى السيدات التي استنكرت القرار، أنّ دور لجنة الأهل شكلي، أو في أحسن الأحوال متواطئ، علماً بأن قانون لجنة الأهل أقرته الدولة للحد من سياسة أصحاب المدارس الخاصة في رفع الأقساط واتخاذ تدابير من شأنها استنزاف أوضاع الأهالي الاقتصادية، إلاّ أنّ هذه اللجنة روِّضَت وطُوِّعَت وتحولت في غالب الأحيان إلى لجان شكلية تصادق على موازنة المدارس سنوياً من دون دراسة تلك الموازنة.
والمشكلة أنّ صمّ آذان الإدارة عن سماع صوت الأهل وشكواهم من شأنه أن يفاقم المسألة ويبقي الحروف من دون نقاط. وللوقوف على رأي الإدارة، حاولنا الاتصال بمدير المدرسة، لكن من دون جدوى، فالمدير مشغول، ووقته لا يسمح له بإجراء مقابلات صحافية.
وإذا كانت مشكلة الحذاء الموحد قد برزت هذه السنة، فإنها جاءت لتتوج مجموعة من التدابير التي أرهقت كاهل الأهل، وأي استعراض لهذه النفقات يحوّل القسط السنوي إلى مجرد دفعة على الحساب. فبند القرطاسية يحتوي على الفنون، المفكرة، الكتاب السنوي، صورة الصف، التأمين، المختبر، الرحلات، المكتبة، الدفاتر، الرياضة، مواد السمعي ـــــ البصري، كارنيت، حفلة أخر السنة، مجلة المدرسة، فحص طبّي، معلوماتية، إيجار الكتب.
ومع أنّ الرحلات ترتبط بالظروف الراهنة فإنّها تندرج في إطار النفقات المدفوعة سلفاً. ففي العام الماضي أُلغيت الرحلات (وعددها اثنتان، بسبب الوضع الأمني السائد في البلد)، تقول إحدى الأمهات. كما ألغيت حفلة نهاية العام للسبب نفسه، وكانت الكلفة مدفوعة أيضاً.
من جهة ثانية، يدفع الأهالي بدل تأمين صحي لأولادهم داخل حرم المدرسة، لكن عندما تقع الحوادث يعود الأبناء إلى منازلهم ويتولى الأهل توفير الرعاية الطبية اللازمة لهم من دون الاستفادة من هذا البدل. فأحد التلامذة تعرض لحادث أدى إلى كسر «سِنِّه» فأحيل التلميذ إلى المنزل لكي يبحث عن طبيب، وأبلغت الإدارة والدته أنّ التأمين لا يغطي هذه الحادثة.
أما الزيّ المدرسي فتتراوح قيمته بين 180 و210 آلاف ليرة لبنانية ويشمل بنطالاً، قميصاً، ثياب رياضية شتوية، ثياب رياضية صيفية، حذاء، Polo، جاكيت. وقد أجمعت الأمهات على أن نوعية الثياب لا تستحق المبالغ المدفوعة.
وبالنسبة إلى الحذاء الذي لم يره أحد بعد، ولم يتسن للأهالي الموافقة على مواصفاته، فهم يسألون عن مدى تناسب الحذاء مع أقدام التلامذة، فالبعض يتطلب حذاءً طبياً، كما أنه لا أحد يدري كم من الأحذية يحتاج التلميذ سنوياً، والسؤال الذي لا يعرف أحد الإجابة عنه هو: هل سيوفر الحذاء الراحة للتلميذ طوال الساعات الثماني؟
وتبقى الوجبات الخفيفة التي تكلف الأهل 300 ألف ليرة سنوياً وتتضمن سندويشات الجبنة أو اللبنة أو الشوكولا بحسب الطلب مع حليب أو عصير، وهذا يقدم لصف الحضانة مرة في اليوم.
هذا غيض من فيض المشاكل التي تطرح علامات استفهام بشأن سياسة «اليد المرفوعة» التي تنتهجها الدولة فتطلق يد المدارس الخاصة في تحديد كلفة التعليم والأرباح.