إبراهيم الأمين
كثيرون يعتقدون أن قوى 14 آذار كانت أكثر ارتباكاً إزاء مبادرة الرئيس نبيه بري حتى لحظة اغتيال النائب أنطوان غانم، حتى إن بعض من التقى النائبين وليد جنبلاط وسعد الحريري قبل حصول الجريمة شعر بأن هناك فرصة جدية لإنعاش مبادرة رئيس المجلس، برغم البيان الذي صدر عن اجتماع 14 آذار في بكفيا. لكنّ المتصلين أنفسهم يعتقدون أن الأمور اختلفت بعد الجريمة، وأن مستوى التطلّب عند هذين القطبين وعند آخرين من الفريق نفسه ارتفع كثيراً، وأن هناك خشية جدية من أن يُقدم هذا الفريق على عملية انتخاب رئاسية من طرف واحد، ما يدفع المعارضة إلى خطوات مقابلة ويضع البلاد كلها أمام خطر الانقسام والمواجهة.
وحتى الجمعة مساءً، كان الرئيس بري وآخرون من فريق المعارضة يُظهرون درجة عالية من القلق إزاء لجوء الفريق الأكثرية الى الخطوة المجنونة، ما دفع بالبعض البارز الى إجراء حركة اتصالات واسعة من النوع الذي يستهدف معرفة ما إذا كان الموقف الخارجي وتحديداً السعودي والأميركي داعماً لهذا التوجّه، وخصوصاً أن معلومات كانت قد وصلت الى أقطاب المعارضة عن كلام واضح ومباشر قاله السفير الأميركي جيفري فيلتمان عن أن 14 آذار سوف تختار رئيساً من صفوفها، وأن الأمر سوف يتم رضيَ الآخرون أو لم يرضَوا.
لكن السفير السعودي عبد العزيز خوجة قدّم مقاربةً تشير الى العكس، وهو إن تجنّب مقاربة فكرة ما للحل الشامل، وقال كلاماً لا يُشتمّ منه وجود رغبة سعودية في إطلاق برنامج اتصالات أو مبادرة معيّنة، فقد أكد أن ما لديه من معطيات لا يشير الى نية فريق الأكثرية القيام بعملية انتخابية يوم الثلاثاء، لا في المجلس النيابي ولا خارجه، وهو طلب من رئيس المجلس العمل على تنفيس الاحتقان، وتمنى عليه أن يجري اتصالات مباشرة بكل من الحريري وجنبلاط والسنيورة إذا أمكن، إلا أن رئيس المجلس وجد أن واجب التعزية ضروري لكل من الحريري وجنبلاط، وتجنّب بالتالي التحادث مع رئيس الحكومة، فيما كان بين يديه معلومات عن نية جنبلاط تأجيل مؤتمره الصحافي، وبالتالي فهو وضع اتصاله به في خانة التهدئة، والكلام الذي جرى بين الرجلين في المكالمة، وإن اتّسم بتبادل هواجس فإنه تضمّن رغبة في التواصل، علماً بأن الأمر لا يزال رهن الخطوات اللاحقة.
ومع أن التداول باحتمال لجوء الأكثرية الى خطوة من طرف واحد في المجلس نفسه او فندق الفينيسيا أو في أي مكان آخر، إلا أن الأمور ظلّت مكانها حتى تلقّت قوى الأكثرية معلومات عن نية المعارضة التحرك، ومنع أحد من فرض سلطته على اللبنانيين جميعاً، وإزاء تلقّي 14 آذار تحفّظاً يوازي الرفض الدولي لطلب إرسال شرطة دولية الى بيروت، فإن التدخّل السعودي المباشر أسقط فكرة اللجوء الى انتخاب رئاسي من طرف واحد خلال اليومين المقبلين، لكنّ بري الذي سيدعو الى تأجيل الجلسة حتى موعد آخر، يُفترض أن يكون في 16 تشرين الأول المقبل، وعد السعودية كما الرئيس أمين الجميل أن يباشر سريعاً مشاوراته، وهو سيزور البطريرك الماروني نصر الله صفير في أسرع وقت، على أن يتم الاجتماع بينه وبين الحريري بعد ذلك، دون أن يكون هناك أي موعد مقرّر مع النائب جنبلاط.
لكن المعارضة التي لا تثق تماماً بما يجري، تعرف أن الأمور تحتمل درجة أعلى من التهويل، وهي لذلك تعاملت ببرودة مع الكلام العالي لفريق 14 آذار عن الوضع الأمني وسط بيروت، وأبلغت القادة الأمنيين المعنيين أنها ليست في صدد تفكيك خيم الاعتصام، وأنها لن تقبل أن يعمل أحد على رفعها بالقوّة، وطلبت هي الأخرى من القوى الأمنية تحمّل مسؤولياتها في هذا الصدد، وهو ما دفع بقيادة الجيش إلى قرار نشر قوات إضافية في وسط بيروت من أجل ضمان عدم حصول احتكاك بين المعتصمين والنواب أو أي جمهور يرافقهم.
أمّا في الجانب السياسي، فيقول مصدر قريب من رئيس المجلس إن في فريق 14 آذار من يعتقد أنه إذا مرت جلسة الثلاثاء من دون نصاب الثلثين فإن بمقدور الأكثرية التعامل معها على أنها الجلسة التي توجب نصاب الثلثين، وإذا ما تعذّر تأمين ذلك بفعل مقاطعة سياسية من الآخرين فإن على 14 آذار أن تبادر إلى التصرف بحرية، والقول إن الدستور يجيز لها عقد جلسة بالنصف زائداً واحداً، وأن يتم الانتخاب بمن حضر. وعُلم في هذا الإطار أن الضغوط التي تمارس على نواب التكتل الطرابلسي الذي يرأسه الوزير محمد الصفدي، وعلى نوّاب آخرين تهدف الى إلزامهم حضور الجلسة، ما يعني توافر أكثر من نصف أعضاء المجلس في جلسة الانتخاب، وإذا أُعلن افتتاح الجلسة، فلا تعود كمية الأصوات التي ينالها المرشح أمراً مهماً، لأن من قد يعترض ليس من النوع الذي يمكنه حجب أكثر من ستة أصوات، وعليه فإن فريق المعارضة يرى نفسه أمام أسئلة كبرى عن الخطوة الواجب اتّباعها واللجوء إليها في حال إصرار فريق 14 آذار على تجاهل الدعوات الوفاقية والسير بالانتخابات دون الوقوف على رأي الآخرين.
وحسب مصادر في المعارضة، فإن النقاش تطرّق الى مسائل كثيرة منها:
أوّلاً: العمل على تفعيل الاعتصام والتحرك الشعبي في بيروت والمناطق، رفضاً لانفراد الأكثرية بانتخاب رئيس دون الحصول على إجماع اللبنانيين، وبالتالي خلق مناخ شعبي وسياسي ونفسي يكون مقدمة لقرار المعارضة عدم الاعتراف بهذا الرئيس ولا بأي حكومة تأتي معه.
ثانياً: التدارس في إمكان اللجوء الى انتخابات رئاسية من طرف ثان، ووفق الاجتهاد الدستوري نفسه الذي لجأت إليه قوى الأكثرية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإيصال مرشّح المعارضة الى الرئاسة، وإلى قصر بعبدا وتمكينه وحكومته من تسيير أمور إدارات عديدة في الدولة.
ثالثاً: الاستعداد لتحركات شعبية من النوع الذي يظهر للعالم أن الاعتراف برئيس يرفضه أكثر من نصف اللبنانيين سوف يكون أمراً خطيراً، وله تبعات سلبية كثيرة، والشروع في خطة عمل من النوع الذي يهدد فريق الأكثرية بصعوبة حكم البلاد تحت أمر واقع.
رابعاً: إعداد سلة مقترحات بينها ما يأخذ بعين الاعتبار رغبة فريق من قوى 14 آذار وجهات عربية ودولية في أخذ البلاد نحو التصعيد والمواجهة الشاملة، وهو الأمر الذي يتطلب حسابات دقيقة، لكنها تقوم على فكرة أن 14 آذار عطّلت التوافق وعليها تحمّل المسؤولية.