عرفات حجازي
نجح الرئيس نبيه بري، مرة جديدة، في لجم الانفعالات والحد من المواقف المتشنجة والاندفاع نحو مزيد من المواجهات السياسية على خلفية الصدمة التي ولّدتها جريمة اغتيال النائب أنطوان غانم. وأسهمت الجهود والاتصالات التي أجراها مع أقطاب الموالاة والمعارضة، على حد سواء، في نزع فتيل جلسة غد، وجرى التوافق على إرجائها فسحاً في المجال أمام فتح أبواب الحوار داخل ساحة النجمة وخارجها، على أمل أن تكون الفسحة الزمنية الفاصلة بين اللاجلسة بالتوافق والجلسة المقبلة بعد عيد الفطر كافية لترتيب المخارج والتفاهم على الرئيس العتيد للجمهورية، بعدما أعيد فتح قنوات التواصل بين الأقطاب وكسرت حالة المراوحة والقطيعة بينهما.
وما عزز من أجواء التهدئة وتوفير مناخات التلاقي الدور الذي أداه السفير السعودي في لبنان عبد العزيز الخوجة الذي استعجل عودته إلى بيروت وأثمرت اتصالاته مع النائب سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع إلغاء الأخيرَين لمؤتمريهما الصحافيين. وجاء اللقاء المنسق بين رئيس المجلس النيابي والرئيس أمين الجميل ليضفي على المعالجات مزيداً من الجدية المعالجات، ولاستبعاد السيناريوات التي كانت معدة لتحويل جلسة الثلاثاء إلى جلسة انتخاب بالنصف زائداً واحداً، رداً على مقاطعة نواب المعارضة وتعطيلهم للنصاب، ورداً على اغتيال نوابهم، وكان آخرهم أنطوان غانم.
وعلمت «الأخبار» أن الرئيس الأعلى لـ «الكتائب» أبلغ الرئيس بري أنه سيتعاون معه إلى أبعد الحدود لاستيعاب الوضع، وأنه سيضع كتفه إلى كتفه لإنجاح المساعي واللقاءات التي ستحصل مع البطريرك الماروني نصر الله صفير والنائبين الحريري وجنبلاط. ووفقاً لكل المعطيات السياسية، فإن التوافق على المجيء برئيس جديد للجمهورية لم يعدم فرصه، وخصوصاً بعد إعادة ضخ الحياة في اللقاءات السياسية المباشرة، وهناك أكثر من معطى كذلك يحمل على الاعتقاد بأن فريق «الصقور» داخل الأكثرية، الذين رفعوا السقوف وأحرقوا خلفهم المراكب بدأوا بمراجعة حساباتهم والتراجع عن استخدامهم لورقة النصف زائداً واحداً والمغامرة بالانتخاب النصفي، وهو ما وصفه بري للجميل بأنه «وصفة لانتحار جماعي وتدمير ذاتي». وقد بدأت بوادر التراجع من خلال إلغاء المؤتمرين الصحافيين لجنبلاط وجعجع، وإعلان الوزير مروان حمادة خلافاً لما سبق أن قال جنبلاط بأن الأكثرية منفتحة على مبادرة الرئيس بري، ولم تقفل الباب على الحوار، مبدياً بعض التفاؤل بإمكان التوافق على الرئيس المقبل. والأهم في كل هذا التوجه هو الموقف الحاسم للحريري المتمسك بالحوار وسياسة الجسور المفتوحة، رافضاً السير بخيار النصف زائداً واحداً لأنه ليس أكثر من ورقة سياسية تضغط بها الأكثرية، وبالتالي ذهب أبعد من الرئيس نبيه بري في مبادرته عندما طالب بالإجماع على الرئيس المقبل، وهو ما يتعدى المطالبة بالتوافق على شخص الرئيس.
ويأمل القريبون من الحريري بأن تؤدي اللقاءات الثنائية المرتقبة بينه وبين الرئيس بري والبطريرك صفير إلى تفاهم على الاستحقاق الرئاسي آليةً ونصاباً وتسميةً، وقد أثنى هؤلاء على الحديث الذي أعطاه بري لجريدة النهار، وفيه تأكيد على أنه لا يمشي برئيس لا يوافق عليه البطريرك صفير ولا برئيس ضد الحريري وجنبلاط.
وتسجل الأوساط الصحافية والسياسية أنه بقدر ما تلوح في الأفق بارقة أمل فتحتها مبادرة الرئيس بري، إلّا أن تحويل هذا الأمل إلى توافق على الأرض ما زالت دونه صعوبات أساسية ينبغي اجتيازها حتى لا تعود الأمور إلى النقطة الصفر. وتعوّل هذه الأوساط على دور فاعل ومؤثر للمملكة العربية السعودية التي تصر على تشجيع القيادات اللبنانية للسير بخيار التسوية لأنها تتخوف من انفتاح الوضع على صراعات مذهبية لن تبقى انعكاساتها محصورة في حدود لبنان، ولأن الفوضى إذا ما عمت ستشكل عامل جذب لكل التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة لكي تستثمر في بيئة ومناخات مواتية. وليس في هذا مصلحة لأي طرف داخلي ولا حتى للمحاور التي تتصارع في لبنان وعليه.
في الخلاصة الأمور مرشحة لأن تظل على غير حسم حتى نهاية شهر رمضان بحيث تكون الأسابيع الثلاثة الفاصلة عن عيد الفطر كافية لتظهير مخارج وآليات التوافق على اسم الرئيس الجديد. وليس واضحاً بعد كيف سيقارب فرسان المرحلة، بري وصفير والحريري، لائحة المرشحين وفرزهم والمعايير التي في ضوئها ستجري تصنيفات هؤلاء بين مرشحي معركة ومواجهة ومرشحي توافق لا يشكلون تحدياً لأي فريق. لكن الأكيد أن هناك أسماء ستطوى وأخرى مغمورة قد تظهر، وبعدها تبدأ مرحلة التصفيات النهائية ولعبة حرق الأسماء لتستقر على اسم الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية.