جان عزيز
هل حصل رئيس المجلس النيابي على الضوء الأخضر الذي كان ينقصه، ليطلق جولته التشاورية الرئاسية، حتى قبل جلسة اليوم؟
أوساط مواكبة للحركة السياسية القائمة، تشرح أن بري كان منذ تحديده يوم 25 أيلول موعداً للجولة الأولى من «المباراة» الرئاسية، يدرك أن صورة المواقف من الاستحقاق هي على الشكل الآتي:
ـــ القوى المستعدّة لتسوية وسطية، وتضم كلاً من الرياض وباريس في شكل أساسي، التي يترجم موقفها باستعداد مماثل من جانب الفريق الحريري في الداخل.
ـــ القوى المتمسكة بمواقفها المبدئية من الاستحقاق الرئاسي، على قاعدة خوضه بمرشحها الأساسي والأول، وتضم كلاً من العماد ميشال عون والنائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع. علماً أن وحدة التصنيف لا تنفي تناقض هؤلاء.
ـــ القوى المتريّثة من الاستحقاق، وفي طليعتها دمشق وواشنطن. علماً أن الأوساط نفسها كانت تميّز بين تريّث كل من سوريا والولايات المتحدة الأميركية. فتعدّ الأول نوعاً من الانتظار الإيجابي، على خلفية رهان دمشق على التسوية مع واشنطن، فيما تعدّ التريّث الأميركي أقرب إلى الترقّب السلبي، نظراً إلى كون واشنطن تتطلع وفق هذه الأوساط، إلى «تدفيع» دمشق ثمناً ما، في إطار العلاقات النزالية القائمة بينهما، من بغداد إلى غزة، مروراً ببيروت.
واستناداً إلى هذه الصورة تعتقد الأوساط المواكبة أن رئيس المجلس النيابي كان قد أمضى أسابيع عدة في وزن المواقف والمواقع والتطورات بدقة. وهو كان قد انتهى إلى الاقتناع بتوازن القوى وتساويها وتكافئها. وفي هذا التوازن كان العامل المرجّح هو التريّث الأميركي والسوري تحديداً. ذلك أن ما جعل الجمود طيلة الفترة الماضية قائماً، هو أن واشنطن لم تعطِ الضوء الأخضر مثلاً للموقف السعودي ـــــ الفرنسي المبادر إلى مسعى التسوية، ليصير هذا الاتجاه طاغياً في قلب فريق الموالاة اللبنانية. ولم تعطِ الضوء الأخضر المعاكس لثنائي جنبلاط ـــــ جعجع بدعم موقفهما الرافض، ليصير اتجاه التفجير هو الراجح داخل الفريق نفسه، أو ليتم الإجهاز على الاتجاه التسووي في هذا الفريق على الأقل.
تماماً كما أن دمشق، ودائماً وفق الأوساط المواكبة نفسها، كانت صامدة في تريّثها المقابل. فهي لم توحِ لحزب الله بالذهاب بعيداً في رفض مبدأ التسوية ومقولة الرئيس الوفاقي، ولم تعلن صراحة تبنّيها لهذا الخيار أيضاً. علماً أن ثمّة هامشين قائمين، وإن كان يصعب تحديد قدرهما والمقارنة بينهما، لجهة حتمية التأثير الأميركي على ثنائي الموالاة المتشدد، أو حتمية التأثير السوري على حزب الله في المقابل.
وتقول الأوساط نفسها إن بري كان قد استكمل خطته للتحرك والمبادرة والاتصال منذ فترة، حتى إنه كان قد بحث مع البعض في صيغ اسمية للحل الرئاسي. لكنه كان كمَن يعدّ العدّة ويتركها في الأدراج، بانتظار التوقيت الذي يجعل حظوظ التحرك قابلة للنجاح. ويؤكد هؤلاء أن بري، وفي سياق تخطيطه هذا للمواعيد والتوقيت، كان يدرك أن الهامش الزمني الجدي للعمل في هذا المجال، سيكون شهر تشرين الأول فعلياً. وهو كان يعرف أن أي خطوة سابقة ستكون خطأً في التوقيت. غير أن اضطراره إلى إعلان شيء ما في احتفال ذكرى تغييب السيد موسى الصدر، هو ما جعله يخرج عن جدوله المسبّق ورزنامته المحددة. وهو ما دفعه إلى تقطيع الوقت، بين يوم 31 آب الاضطراري ونهاية أيلول الاختياري. لكن الأهمّ أن بري، ودائماً وفق الأوساط المواكبة نفسها، كان ينتظر إشارات معيّنة إلى التغيير المحتمل في التريّثين الأميركي والسوري، ليطلق حركته الوفاقية الجديّة. وفجأة بدأت هذه الحركة المنتظرة يوم أمس، وفي اتجاه بكركي تحديداً. فهل يعني ذلك أن تبدّلات ما قد حصلت في موقف انتظار كل من واشنطن ودمشق؟
على الخط السوري أولاً، تشير الأوساط عينها إلى عدة نقاط مسجّلة. أولاها أن الرسالة الإيجابية التي نُقلت قبل نحو أسبوعين إلى كل من سعد الدين الحريري ووليد جنبلاط، بصورة غير مباشرة وعبر أحد زوار رأس الهرم السوري، وصلت أيضاً إلى بري ومثّلت في هذا السياق عاملاً تراكمياً أول. وثانيتها أن آخر العاملين الجدّيين على «طريق الشام»، نقلوا في الفترة نفسها كلاماً يؤكد الثقة السورية الكاملة برئيس مجلس النواب اللبناني، وما يحسم أي تشكيك في المسألة، كانت تثيره بعض الجهات المحلية والدبلوماسية. وثالثتها ما تردّد عن اتصالات مباشرة سجّلت على خط دمشق ـــــ عين التينة، كانت كافية لتزويد بري بالتطمين المطلوب.
أمّا على الخط الأميركي، فالمؤشرات لا تبدو أقل. ومنها في الداخل إقرار صقور الموالاة بعدم المغامرة في جلسة اليوم. والتطمينات التي حملها الرئيس أمين الجميل إلى عين التينة قبل أيام. وخصوصاً النتائج التي أسفرت عنها زيارتا السفير الأميركي جيفري فيلتمان يوم أمس إلى كل من جنبلاط وبري نفسه.
يضاف إلى هذه المؤشرات، ما أُعلن على مستوى الحلقة الخارجية من توجيه دعوة أميركية إلى كل من سوريا ولبنان للمشاركة في المؤتمر الدولي حول أزمة المنطقة، الذي تنظّمه واشنطن.
فهل مثّلت هذه العوامل كلها، محصّلة بيانية كافية ليرى بري أن المواقف المرجّحة للجمود سابقاً، باتت مؤهلة للمساعدة على التحرك في اتجاه التسوية راهناً؟ وهل هذه الحسابات هي ما جعل رئيس المجلس يزور بكركي أمس، للبدء بترجمة خطته المسبّقة؟ أسئلة متروكة للأسابيع المقبلة، والمحفوفة بالاحتمالات والمخاطر كلّها.