النبطية ـ كارولين صباح
لم يعد استخدام الحاسوب والإنترنت حكراً على المبصرين فقط، بل أصبح في متناول المكفوفين بفضل مجهود شخصي قام به عضو الهيئة العامة لجمعية الكفيف الجنوبي، والموظف في الجامعة اللبنانية حسن شكرون.
بدأ حسن بالتفكير جدياً في استخدام الحاسوب، فاستعان برئيسة الجمعية حياة عسيران التي أمّنت له من الولايات المتحدة بعض التسجيلات المتخصصة بالمكفوفين، التي تحتاج إلى آلة يبلغ سعرها 6 آلاف دولار يتم وصلها بالحاسوب وتطبع أوراق «بريل». لكنّ الفكرة كانت مستحيلة إلى حد كبير بسبب الكلفة المادية، فقرر البحث عن طريقة أقل كلفة.
يقول حسن: «اشتريت جهاز كمبيوتر، بمساعدة مادية من الجمعية، ثم وجدت برنامجاً باللغة الإنكليزية يعود لشركة «جونز» الأميركية، لكنّه يعمل لوقت محدد ولا يقرأ اللغة العربية، فاتصلت بالشركة وطلبت تعديله للعمل في الشرق
الأوسط».
فكرة حسن أعجبت الشركة، وبدأ التعاون بينه وبينها لتعديل البرنامج، لكنّ الأمر لم ينجح، لذا سعى حسن إلى إيجاد حل لمشكلة البرامج الناطقة، ما أوصله إلى مصر بعدما علم بوجود الشركة المتخصصة «صخر» في إنتاج برامج باللغة العربية. ويشير حسن إلى أنّ إقناع الشركة بفكرة صناعة برنامج ناطق باللغتين الإنكليزية والعربية للمكفوفين استغرق وقتاً طويلاً. وبعد أخذ ورد، تقرر إنتاج برنامج أطلق عليه اسم «إبصار»، وكان حسن المسؤول عن تحديد المشاكل والأخطاء التقنية، في ضوء التجربة في لبنان.
وقد أعربت الشركة عن استعدادها لتقديم البرنامج مجاناً للمكفوفين، لكنّ المشكلة تكمن في الوقت المحدد للاستخدام المجاني المتمثل بـ40 دقيقة فقط، لذا يتابع حسن بشكل دوري إرسال ملاحظاته للشركة المصنعة في مصر، ويبحث عن مموّل لمشروع مستقبلي يهدف إلى إنتاج برامج عربية ناطقة وتوزيعها مجاناً على المكفوفين.
وهكذا فإنّ هدف حسن كان إيصال الخدمة للمكفوفين وتمكينهم من استعمال الكمبيوتر العادي الذي يستخدمه المبصر. أما كيف وصلت الخدمة إلى المكفوفين الجنوبيين، فقد تكفل حسن بتقديم دورات في «جمعية الكفيف الجنوبي»، وهي الجمعية الوحيدة في لبنان التي تؤمن حاسوباً مجانياً للكفيف. وقد تمكنت الجمعية من تدريب 20 كفيفاً منذ 2005 وحتى الآن، وتستمر الدورة ثلاثة أشهر، بتمويل من مؤسسات أجنبية.
وتتحدث فاطمة إيراني عن تجربتها فتشرح كيف باتت من مدمني استخدام الحاسوب وصار بإمكانها إجراء أبحاث على شبكة الإنترنت، وقراءة الصحف ونسخ CD، مشيرة إلى أنّ المحادثة (Chat) أصبحت متاحة أمام المكفوفين، «ولدي العديد من الأصدقاء حول العالم».
أما عن طريقة الاستعمال فيتم التركيز على لوحة المفاتيح (keyboard) ويقوم البرنامج بقراءة كل ما هو موجود على الشاشة، من دون إغفال أي من التفاصيل، ويمكن الكفيف دخول العديد من الصفحات وسماع المعلومات التي تتضمنها.
فاطمة التي تجلس من 4 إلى 5 ساعات يومياً أمام شاشة الكمبيوتر، تقول: «لا أشعر بأنني كفيفة، إذ أملك العالم بين يدي، كرة أرضية ناطقة، بعدما كنت أتمنى سابقاً أن استمتع بقراءة جريدة».
من جهتها، خضعت مدرسة اللغة العربية لأطفال الروضات في المدرسة اللبنانية للضرير والأصم (بعبدا) مريم الحاج، لدورة تدريبية في «جمعية الكفيف الجنوبي»، وتوضح أنّ الإنترنت أضحت من أساسيات يومياتها، فهي تستعين بها في إجراء الأبحاث حول التعاطي مع الأطفال المكفوفين، لافتة إلى أنّ الإنترنت مكنها من قراءة العديد من الكتب والمقالات السياسية والاجتماعية.
على صعيد آخر، يستخدم المكفوفون إلى جانب البرنامج الناطق المتخصص بالحاسوب، برنامجاً مشابهاً له للهاتف الخلوي فيتحوّل إلى خلوي ناطق، يقرأ الرسائل الواردة ويحدّد هوية المتصل مجرد اتصاله. لكنّ معظم المكفوفين يعانون مشاكل مادية نظراً لارتفاع كلفة هذه البرامج وغياب أي دعم من وزارة الشؤون الاجتماعية، وخصوصاً أنّ معظمهم لا يعملون، وبالتالي ينتظرون مساعدات من بعض الجمعيات الأجنبية، ويأسفون لكون الدولة اللبنانية لا تقدم التسهيلات المناسبة لهم أسوة بدول العالم.