المصنع ـ أسامة القادري
يبدو أن احتجاجات المواطنين السوريين والعابرين اللبنانيين والعرب لم تصل بعد إلى مسامع المسؤولين السوريين، وخاصة تلك المتعلقة بما يقال إنه مخالفات يمارسها عناصر الأمن العام عند نقطة جديدة يابوس الحدودية. تعرض «الأخبار» كيفية تعامل الأمن العام السوري مع المواطنين على الحدود


تحدّث عابرو الحدود اللبنانية السورية لـ«الأخبار» عن مخالفات «ليست بفعل الصدفة»، بل يظهر لهم أنها أصبحت نهجاً يتبعه الموظفون بهدف الرشوة التي أصبحت علنية و«على عينك يا تاجر»، على حد قول أحد العابرين. ويمكن لأي زائر إلى دمشق، عبر معبر المصنع ـــــ جديدة يابوس، أن يلحظ على مدار أيام الأسبوع، بالعين المجردة، كيف يتعامل عناصر الأمن العام السوري مع العابرين على اختلاف جنسياتهم. فالموظفون، كما يقول أحد العابرين اللبنانيين لـ«الأخبار»، يتعمدون التباطؤ في إنجاز المعاملات. وبدلاً من 8 عناصر يفترض أن يكونوا على مكاتبهم، يعمل اثنان منهم فقط: واحد للعابرين العرب وآخر للعابرين السوريين. والهدف، كما يصرّ العابر اللبناني على القول، «هو إحداث زحمة تربك العابرين، ما يضطرهم إلى القبول بدفع الرشى حتى لا ينتظروا وعائلاتهم ساعات طويلة في طابور لا ينتهي، تديره عناصر بالصراخ والشتائم، تعرض علناً على العابرين إنجاز المعاملة مقابل مئتي ليرة سورية عن كل معاملة عائلية». يضيف العابر الذي يرفض الكشف عن اسمه: أما من لا يقبل بالدفع، فمعاملته لا تُنجز، وهناك من هو حاضر دوماً للدفع ليكون دوره في الأول».
و. س.، عابر لبناني آخر، يقول إنه حاول أن يعترض على ما يراه في كل زيارة له إلى سوريا من رشوة، وخاصة «أن أوراقه الثبوتية قانونية مئة في المئة». ورداً على الاعتراض، أجابه أحد عناصر الأمن العام السوريين «بكيل الشتائم»، وطلب منه أن يدخل إلى الضابط المناوب. عمل الأخير على تهدئته، قبل أن يقول له إن ما يتقاضاه العناصر، الذين هم تحت إمرته، هو عبارة عن «مساعدة»، لأن «رواتبهم لا تكفيهم». «وقبل خروجي من مكتب الضابط»، يضيف و. س.، «طلب مني الضابط أن أدفع مئة ليرة سورية بدل مئتين».
أما م. ل.، الذي التقته «الأخبار» في منطقة «السوق الحرة»، فما إن ابتعد عن مبنى الأمن العام السوري، حتى بدأ بكيل الشتائم، واصفاً ما يقوم به رجال الأمن العام السوري بالقول: «متل المنشار، بالرَوحة بياكلوا وبالرجعة بياكلوا». يضيف: «ساعة ونصف ونحن ننتظر، لكن معاملتي لم تنجز حتى دفعت مئتي ليرة».
أما ح. ن.، وهو سائق حافلة نقل سيّاح إلى لبنان، فلم ينتظر كثيراً لإنجاز معاملات خمسين راكباً كانوا في حافلته: «ربع ساعة بس، لأني بعرف كيف أتعامل معهم. ليش بدي انتظر على الخط، بـ700 ليرة بخلّص معاملاتي وبمشي».
مشكلة أخرى يعاني منها عدد كبير من عابري الحدود اللبنانية السورية، وهي وقوعهم ضحايا تشابه الأسماء مع المطلوبين من السلطات السورية.
فـ«ح. ع.» كاد أن يغمى عليه عندما قال له عنصر الأمن العام السوري إنه من المطلوبين لفرع فلسطين في الاستخبارات السورية. فقد أوقفه عنصران، ثم عرضا عليه «إنهاء القضية» من خلال السماح له بالمرور مقابل 5 آلاف ليرة سورية. يقول: «لم يكن المبلغ معي، فجرّوني إلى الضابط. والأخير، تأكّد أنني لست المطلوب، لكنه أطلق سراحي مقابل أن أدفع 500 ليرة، حلوينة للشباب». يؤكد «ح. ع.» أن زيارته إلى دمشق لم تكن الأولى، بل يقصدها باستمرار لوجود أقرباء له فيها.
كذلك، فإن تشابه أسماء المناطق بين سوريا ولبنان يؤدي بأصحابها إما لدفع رشوة أو لقطع قسيمة خروج من الأراضي السورية بقيمة 800 ليرة سورية. كذلك الأمر بالنسبة للبنانيين المولودين في سوريا. فالنظام المطبّق يفرض على المواطن السوري الذي يخرج من الأراضي السورية أن يدفع 800 ليرة بدل قسيمة خروج، لكن عناصر الأمن العام يفرضون هذا الإجراء على اللبنانيين الذين تتشابه أسماء أماكن ولادتهم في لبنان مع قرى ومدن سورية، أو على اللبنانيين المولودين في سوريا. فـ«د. أ.» سورية متزوجة من لبناني، ورغم أنها تحمل الجنسية اللبنانية، إلا أنه يجب عليها إما قطع «قسيمة خروج»، أو الدفع للموظف 300 ليرة ليسمح لها بمغادرة الأراضي السورية. تقول بانفعال: «إذا ما دفعت بكون سورية لازم إقطع قسيمة، وإذا دفعت بصير لبنانية».
حال د.أ. لا تختلف عن حال حسين، «لبناني أباً عن جد، مولود في دمشق». وهذا الأمر يسبب له مشكلة مع الموظفين السوريين كلما قصد مسقط رأسه لزيارة أقاربه وأصدقائه. ففي كل مرة يغادر الأراضي السورية، كان الموظفون يفرضون عليه أن يقطع قسيمة خروج بـ 800 ليرة، إلى أن اقترح عليه أحد العناصر مرة أن يدفع 400 ليرة «حلوينة». يضيف حسين: «منذ ذلك الحين، وأنا أدفع إما 400 وإما 300 ليرة».
الشكوى لا تقتصر على اللبنانيين والسوريين، فعدد كبير من السيّاح العرب الذين يقصدون لبنان عبر سوريا، يستاؤون من معاملة الأمن العام السوري لهم. يقول أسعد: «عملي يضطرّني إلى التنقل باستمرار ما بين قطر وسوريا ولبنان.