عرفات حجازي
تجمع الأوساط السياسية والصحافية على أن اللقاء الذي جمع الرئيس نبيه بري بالبطريرك نصر الله صفير وفّر الأرضية لإطلاق حركة مشاورات واسعة، وبوتيرة سريعة خلال الأسابيع الأربعة الفاصلة عن موعد الجلسة التي حُددت في 23 تشرين المقبل، كما أشاع موجة تفاؤل بإمكان تخطي التداعيات التي خلّفتها صدمة اغتيال النائب أنطوان غانم ودفعت فريق الموالاة إلى الاستنجاد بالجامعة العربية ومجلس الأمن لتوفير الحماية لنوابه، والتلويح بانتخاب رئيس بنصاب النصف زائداً واحداً. وكان من النتائج الفورية للقاء بكركي تفاهم الموالاة والمعارضة على تأجيل جلسة الانتخاب، واستبعاد أي خطوات استفزازية، وتوفير الغطاء لجولة المشاورات التي بدأها بري قبل تأجيل جلسة الأمس وبعدها مع زعيم الغالبية النيابية سعد الحريري، وستتواصل مع أقطاب الموالاة والمعارضة، وصولاً إلى جوجلة الأسماء التي تحمل مواصفات وفاقية تمهيداً للتداول في أكثرها اقتراباً من جميع الكتل النيابية، من دون إلغاء إمكان دخول اللاعبين الكبار الإقليميين والدوليين على خط الترشيحات إلغاءً أو ترجيحاً أو تزكية.
وإذ يجزم بري بأننا «لم نصل بعد إلى مرحلة الأسماء لأن المهم أن نثبّت قاعدة التوافق وعلى أساسها يجري بناء الخطوات المقبلة»، يستدرك قائلاً إن البطريرك أكد تكراراً أنه لا يدخل في لعبة الأسماء، «لكن بالمحصّلة سأبدأ بجمع لوائح اسمية من الموالاة والمعارضة لتجري على أساسها المشاورات». وأكد أن إيمانه بالتوافق سيمكّنه من إحداث فجوات في أجواء التصعيد وأزمة الاستحقاق الرئاسي، لافتاً إلى أن هناك «نافذة ضوء مفتوحة أمام لقاء القادة السياسيين وتفاهمهم لأن التفاهم أقصر الطرق إلى التسوية».
ويقول بري في مجالسه: «صحيح أن الانسداد السياسي في ذروته، وأن الاستحقاق الرئاسي يأتي في لحظة يخيّم فيها هاجس الأمن وكابوس الاغتيالات السياسية على الأجواء، وأن البلاد تسير على حبل مشدود والكل يتخوّف من الفراغ، «لكن لا مفر من تحدي الصعوبات والمضي بالمبادرة التي أطلقتها، لأنها المدخل الصحيح لعبور الاستحقاق الرئاسي».
ويجد بري جملة من الأسباب والمعطيات التي تدفعه إلى الاطمئنان إلى أن منطق الغلبة مرفوض من جانب اللاعبين الأساسيين، وأن منطق الشراكة هو التعبير الطبيعي عن التوافق الوطني، وأي إخلال في التوازنات في تكوين السلطة سيعطّل التوافق ويهزّ الاستقرار ويعرّض وحدة البلد لأزمة خطيرة. ولدى الرجل من الإشارات ما يكفي ليطمئن إلى أن جولاته الحوارية ستفضي إلى خواتيم سعيدة، لافتاً إلى التأييد الذي تلقاه حركته الوفاقية من العواصم العربية والإقليمية والدولية الفاعلة وذات التأثير في الوضع اللبناني، إلى جانب التشجيع والمؤازرة من جانب صفير والرئيس أمين الجميل والنائب الحريري الذي أبلغه ضرورة المضي في الحوار وصولاً إلى الوفاء بالاستحقاق الرئاسي بإجماع أو شبه إجماع، وأنه يشاركه الرأي في أن الأفق ليس مقفلاً على الحلول، وأن الفترة الزمنية التي تفصلنا عن موعد الجلسة المقبلة كافية للوصول إلى تفاهم على الرئيس التوافقي.
إلّا أن أوساطاً في المعارضة تشكك في صدقية التوجهات لدى فريق الموالاة، وتطرح أكثر من علامة استفهام حول التعارض الصريح بين موقف الحريري وحليفيه جنبلاط وجعجع، إذ في الوقت الذي يحمل فيه خطاب الحريري نبرة توافقية وتصالحية، نجد خطاب القطبين الآخرين ينحو نحو التصعيد والمواجهة. وفي تفسير هذا التعارض يرى دبلوماسي عربي مواكب للحركة السياسية أن الإشارات التي يطلقها جنبلاط وجعجع تقع في إطار سياسة التكتيك التفاوضي ورفع السقوف بما يساعد الحريري الذي يفاوض باسم الموالاة على الحدّ من تنازلاته أثناء حواره مع بري.
ويرى الدبلوماسي العربي أن جعجع وجنبلاط سيستفيدان من أي حل دون التورط في موجباته، وذلك على قاعدة ما ذكره جنبلاط سابقاً من أن اعتراضه على التسوية سيقتصر على نواب حزبه، ولن يشمل حلفاءه في كتلة اللقاء الديموقراطي التي يرئسها. وعلى عكس ما تقوله المعارضة بأن زيارة الحريري إلى واشنطن قد تخلط أوراق اللعبة الوفاقية، فإن الدبلوماسي العربي يراها فرصة للحريري كي يشرح أسباب توجهه الوفاقي والمخاطر التي ستنجم عن إغلاق أفق الحوار وذهاب الأطراف إلى خطوات تفجيرية ستذهب بالبلاد إلى مناخات من التصادم لن يكون في مقدور أحد التحكّم في نتائجها ولا في التوازنات التي سيقررها مسار الصراع المدمر.