طارق ترشيشي
كلام الليل في اللقاء الطويل أوّل من أمس، بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، لم يمحه النهار، إذ كان استكمالاً لما دار بينهما من كلام خلال نهار الجلسة النيابية التي لم يكتمل نصابها، وتأجلت إلى 23 تشرين الأول المقبل. ويفترض بهذا الكلام أن يكون قد أسّس لمرحلة جديدة عنوانها الحوار والحوار حتى الاتفاق على شخص رئيس الجمهورية العتيد، ليجري انتخابه في الجلسة المقبلة، وأن لا يكون مرة أخرى مضيعة لوقت يريد اللاعبون الكبار أن يضيّعوه، حتى يحين أوان تحديد خياراتهم.
والذين اطّلعوا على ما دار في اللقاء بين بري والحريري، كشفوا أن البحث تركّز على ثلاثة عناوين، أوّلها تقويم المرحلة السابقة «وليش صار هيك»، وثانيها الحوار المطلوب لبلورة اتفاق على إنجاز الاستحقاق الرئاسي ترشيحاً واقتراعاً، وعلى ما بعده في ضوء مبادرة بري، وثالثها انتخابات الرئاسة والأسماء المرشحة.
في نطاق العنوان الأول، دار عتاب متبادل، وكان بري الأكثر عتباً على الحريري، وجرى عرض كل ما حصل في الحوار الثنائي الذي استغرق جلسات عدة بينهما، وما تلاه من قطيعة ومن حملات إعلامية متبادلة. ولفت بري إلى أنه لو كتب النجاح للاتفاق الذي كانا قد توصلا إليه يومها، لما كانت هناك مشكلة الآن في شأن الاستحقاق الرئاسي. وألقى بري باللوم في هذا المجال على فريق الموالاة، لينتهي النقاش إلى فتح صفحة جديدة.
أما في العنوان الثاني، فقد طرحت في شأنه أفكار عدة عن شكل الحوار المطلوب، للاستفادة من الفترة الفاصلة عن موعد جلسة الانتخابات الرئاسية في 23 الشهر المقبل، بغية بلورة اتفاق على الرئيس العتيد ومستقبل العلاقة بين الموالاة والمعارضة بعد انتخابه، والحكومة الأولى التي ستؤلَّف في مطلع عهده. وكانت من الأفكار، العودة إلى طاولة الحوار، كتلك التي انعقدت في 2 آذار من العام الماضي، ولكن هذه الفكرة استُبعدت لاعتبارات كثيرة، منها الأمني ومنها الظروف غير المؤاتية لحوار من هذا النوع، وفي هذه العجالة وبعد طول انقطاع عن الاتصال والتواصل بين الأقطاب السياسيين.
ثم طرحت فكرة ثانية اتفق بري والحريري على مناقشتها كل مع حلفائه، قبل اتخاذ القرار النهائي في شأنها في لقائهما المقبل، وهي تقضي بأن يجري الحوار ثنائياً بين بري ورؤساء الكتل النيابية، وتليه مرحلة ثانية يهندس خلالها بري بعض اللقاءات الثنائية الحوارية بين رؤساء الكتل في مقر مجلس النواب أو في مقر المختبر المركزي، الذي ألحق بمقر رئاسة المجلس في عين التينة، بحيث لا يشارك هو فيها إلاّ في حال واجهت تعقيدات، متدخلاً لتأمين استمراريتها حتى تصل إلى النتائج المرجوّة، على أن تتوسّع هذه شيئاً فشيئاً.
وفي هذا الصدد، سأل الحريري بري عن سبل معاودة الحوار بينه وبين حزب الله، وخصوصاً مع أمينه العام السيد حسن نصر الله، فلفته بري إلى أن المعطيات لديه تشير إلى أن الحزب ليس ضد الحوار معه، ولكنه يفضّل أن يبدأ بينه كرئيس لكتلة «المستقبل»، وبين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، على أن يعقبه حوار على مستويات أعلى، وخصوصاً إذا حصل تقدم فيه.

وحسب الفكرة نفسها، فإنه بعد الحوار بين رؤساء الكتل النيابية، يحصل حوار بين فريقين، لا «حوار الـ14»، أي ليس بصيغة طاولة الحوار التي تضم أركان الموالاة والمعارضة الأربعة عشر الذين تحاوروا العام الماضي في ساحة النجمة، بحيث يضم الحوار مندوبين عن الموالاة والمعارضة، ويديره بري. وطُرح أن يشارك فيه السفير السعودي في بيروت الدكتور عبد العزيز خوجة، والموفد الفرنسي جان كلود كوسران، والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أو الموفد السوداني مصطفى عثمان إسماعيل.
وبرزت في هذا الصدد إشكالية بشأن سبل تمثيل الولايات المتحدة الأميركية وسوريا وإيران في هذا الحوار، وقيل إن النقاش انتهى إلى أن الغياب الإيراني والسوري المباشر سيقابله الغياب الأميركي المباشر.
أما بالنسبة للعنوان الثالث المتعلق بانتخابات الرئاسة وأسماء المرشحين الذين يمكن اعتبارهم توافقيين، فلم يجري الدخول في تفاصيله، واتفق على تركه إلى ما بعد انتهاء الحوار، الذي يفترض أن يبدأ خلال الأيام المقبلة، إذا أبلغ الطرفان المتنازعان بري والحريري موافقتهما عليه.
وثمّة فكرة طرحت في هذا المجال، وهي أن ترعى المملكة العربية السعودية تتويج نتائج هذا الحوار إذا حصل. وقيل في هذا المجال، إن المملكة فاتحت الجانب الإيراني في أمر رعاية اتفاق لبناني ـــــ لبناني على أراضيها، على غرار اتفاق مكة الفلسطيني ـــــ الفلسطيني، فأكد الإيرانيون ترحيبهم بهذه الفكرة، فيما كانت مناشدة المرجع العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله، قبل مدة، السعودية، رعاية الحل في لبنان تعبيراً عن موافقة شيعية على هذه الرعاية، التي يرى البعض أنها يمكن ان تكون عنصراً من عناصر تحصين الساحة اللبنانية من أي فتنة مذهبية لا يريدها الجميع، وقد عملت الرياض وطهران وما تزالان على تداركها.