غسان سعود
مصــادر تمويــل الحركــة من تبرّعــات المهاجرين وشركة أمنيـة خاصـة

بعد التيار الشيعي الحر الذي يعد «بقلب الأوضاع داخل الطائفة الشيعية وكسر الاحتكار التمثيلي لحزب الله وحركة أمل» تماشياً مع «رياح الحرية والتعددية» التي تبعثها «ثورة الأرز»، أطلت أخيراً حركة جديدة تعد هي الأخرى بقلب الأوضاع السياسية رأساً على عقب، لكن عند الطائفة الأرمنية هذه المرّة تحت اسم «حركة اللبنانيين الأرمن الأحرار».
وعلى الرغم من فشل كل المحاولات السابقة لزعزعة الالتفاف الشعبي حول حزب الطاشناق، تبدو معنويات المنتفضين الجدد على «لاديموقراطية الحزب»، مرتفعة وينظرون إلى دورهم المستقبلي بكثير من الإيجابية. وخلافاً للحزبين الأرمنيين العريقين الرامغافار والهانشاك اللذين يختلفان مع الطاشناق ويصران في الوقت نفسه على أفضل العلاقات معه حفاظاً على مصلحة الطائفة، تبدو الحركة الجديدة مستنفرة لاستفزاز الحزب الأرمني الهرم، ولا يفوّت مؤيدوها أي فرصة من دون كيل سلة انتقادات تنظيمية واجتماعيةوسياسية ضد الطاشناق. من هنا، قرر المنتفضون الجدد الاستقرار في برج حمود، معقل الطاشناق، لا خارجها كما تفعل الأحزاب الأرمنية الأخرى، كما اتخذ المنتفضون موقعاً لهم في قلب شارع أراكس الذي يطل على بلدية برج حمود، سرعان ما يستدل عليه بالأعلام الجديدة المرفوعة وهي تشبه علم القوات اللبنانية، حيث تتوسط العلم أرزة محاطة بدائرة ثلاثية الألوان (ألوان العلم الأرمني) بدل الدائرة الحمراء عند القوات.
وتنشط داخل المركز مجموعة من الشبان في جمع المعلومات عن بعض الأشخاص، وتلقي الاتصالات، وتحضير المعلومات الأولية لانطلاق العمل كما يفترض بحسب «أحد الموظفين» في الحركة. وخلف مكتب بسيط يجلس ملهم هذه الحركة وأمينها العام العميد المتقاعد ناريك ابراهيميان الآتي إلى حقل السياسة بعد تنقله بين عدة مناصب عسكرية بارزة. ويلخص ابراهيميان مسار تطور حركتهم الاعتراضية داخل حزب الطاشناق منذ أكثر من ثلاث سنوات، باتجاهين: الأول تنظيمي رافض لمبدأ التعيين داخل الحزب ومحاصرة السلوك الديموقراطي، والثاني سياسي معارض لمواقف الطاشناق وتمسك قيادات الحزب بتطبيق تعليمات تردها من الخارج. أما العامل الذي سرّع في الانفصال، فهو غياب الحزب عن تظاهرة 14 آذار 2005، فقدم ابراهيميان استقالته من حزب الطاشناق، وقد عزاها إلى عدة أسباب، أبرزها «تشويه بعض القياديين لوجه الحزب عبر ممارسات مختلفة». ولم تلبث بعد أسابيع قليلة أن صدرت قرارات عن قيادة الحزب تقضي بطرد ابراهيميان وكل من يدور في فلكه. لاحقاً، بدأ «حسينان»، وهي التسمية التي يطلقها على ابراهيميان بعض المتهكمين عليه، تيمناً برئيس «التيار الشيعي الحر» الشيخ محمد الحاج حسن، الإعداد لإطلاق حركته التي أبصرت النور على عجل عشية الانتخابات النيابية الفرعية في المتن. واللافت أن بعض قياديي الأكثرية الذين كانوا يتفاوضون مع الطاشناق للتوافق وتجنيب المتن معركة قاسية، كانوا يشجعون ابراهيميان من تحت الطاولة على الإسراع في إعلان انشقاقه عن الطاشناق وبدء العمل في برج حمود تحت راية أرمنية أخرى.
ورغم ظروف الولادة القيصرية، يقول ابراهيميان بثقة إن الحركة نجحت بجذب 23 % من الناخبين في منطقة برج حمود، مؤكداً أن مرشح «التيار الوطني الحر» خسر في هذه الانتخابات نحو خمسة آلاف صوت أرمني مقارنة مع انتخابات عام 2005، من دون أن يأخذ في الاعتبار الفارق في عدد المقترعين بين العامين، علماً بأن ابراهيميان يستند في علاقاته الأرمنية المتشعبة إلى مصدرين: الأول، تاريخه العسكري وتقديمه آلاف الخدمات لأبناء منطقته أثناء توليه قيادة فوج المغاوير، والثاني ترؤسه نادي الهومنتمن (أكثر النوادي الأرمنية شعبية) ونجاحه في إعادته إلى الدرجة الأولى في الدوري اللبناني لكرة القدم. أما أهداف الحركة فهي بحسب قيادييها تتمحور حول «تفعيل دور الطائفة الأرمنية المهمشة»، وذلك عبر «التنسيق الكامل مع الأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية التي تسعى لبناء الوطن السيد الحر المستقل، ومساندة الحكومة الدستورية»، وهي تنطلق نحو هذا الهدف من المشاكل والآفات الاجتماعية التي يعانيها المجتمع الأرمني وضرورة التحرك الأهلي لمعالجتها. إلا أنها تعتمد استراتيجية حزب الطاشناق نفسها في استقطاب الجمهور منذ عقود طويلة. كما تتضمن مبادئ الحركة بنداً خصص لتأييد «إنشاء المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد الحريري ورفاقه بغية كشف الحقيقة، تحقيق العدالة ووقف حمام الدم»، إضافة إلى بند آخر يتعلق بالمحافظة على البيئة «من خلال إنشاء شرطة بيئية في كل بلدية» من دون أن ينسوا «دعم القضايا الوطنية العادلة والمحقة لجميع الشعوب المضطهدة والمسلوبة من حقوقها الأساسية، وفي مقدمتها القضية الأرمنية».
وتؤكد الحركة ثقتها بدورها المستقبلي الكبير على صعيد الطائفة الأرمنية، علماً بأن تمويلها يتم من خلال أموال قيادييها الخاصة إضافة إلى تبرعات من أرمن موجودين في الولايات المتحدة الأميركية والأرباح التي تجنيها شركة الأمن الخاصة بالحركة التي تشكل بحسب متابعين في برج حمود عنصر الإمداد البشري الرئيسي للحركة، حيث لا يجد العاطلون من العمل بديلاً من تأييدها، سعياً وراء وظيفة تؤمن لهم راتباً شهرياً صغيراً. كما تعد الحركة بعدة مشاريع تهدف إلى إنقاذ الشباب الأرمن من آفة المخدرات «التي تنتشر بقوة في وسطهم»، والحد من التسرب المدرسي، وسيكون ذلك «عبر تأمين مساعدات مدرسية للعائلات التي لا تستطيع تأمين نفقات الدراسة لأبنائها، إضافة إلى افتتاح مركز لإعادة تأهيل مدمني المخدرات».
وعلى هامش الانطلاقة الخجولة للحركة التغييرية الجديدة، تقول إحدى الروايات في برج حمود إن الأمين العام للبنانيين الأرمن الأحرار كان طوال سنوات ذراع الرئيس إميل لحود اليمنى، سواء في المؤسسة العسكرية، أو لاحقاً في الحياة المدنية، وأن تعاطيه مع العونيين منذ 14 تشرين الأول 1990 كان قاسياً جداً وأثار الكثير من الأحقاد. وتكمل الرواية مؤكدة أن ابراهيميان لم يستسغ «الصلحة» بين التيار العوني ولحود، فثار على الرئيس وعلى حزبه الفرح بالتحالف مع عون. ويشير الرواة إلى عَلَم الحزب ومركز الشركة الأمنية التابعة لابراهيميان الكائن فوق مكتب الحركة، مؤكدين أن الحركة، على المدى البعيد، مشروع قوات لبنانية داخل المجتمع الأرمني.