ينهب السارقون المواقع الأثرية الكبيرة والصغيرة، المعروفة وغير المكتشفة... يدمرون كل ما هو قديم وقد يكون له قيمة مادية. تزداد هذه السرقات في حالات الحروب والنزاعات المسلحة، تماماً كما جرى في كابول وبغداد اللتين شنت عليهما الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأخيرة. وقبل ذلك كانت بيروت، خلال الحرب الأهلية، ضحية سرقات مماثلة. في كل هذه الحالات لم يكن السارقين يتأخرون عن نهب أي شيء يقعون عليه، وصولاً إلى دخول المتاحف الوطنية.
هذه الظاهرة تطرح السؤال المتكرّر: لماذا هذا الطمع بالقطع القديمة؟ وماذا يستفيد السارقون من هذا الأمر؟
يؤكد نيل برودي مدير مركز «تهريب الآثار» في جامعة كامبريدج سابقاً، بداية رواج سوق الآثار «التي يتهافت عليها هواة اقتناء المجموعات الاثرية، ويجني من خلالها الباعة وأصحاب صالات العرض الثروات». لافتاً إلى أن الخاسر الأكبر في هذه العملية التجارية، على صعيد المال، هو السارق «فهو يجني 1% من سعر القطعة في حين أن التجار والوسطاء يتقاسمون الـ99% الباقية».
لماذا يسرق إذاً إن كان «ربحه» زهيداً لهذه الدرجة؟
يجيب برودي: «لأن سرقة الآثار تحدث غالباً في الدول الفقيرة اقتصادياً والغنية أثرياً والتي تكون غالباً عرضة للحروب. فتصبح سرقة الآثار نمط حياة يتبعه الأهالي، ويأتي مردودها ليشكل مدخولاً إضافياً للعائلة ويسدّ ثمن حاجات قد يعتبرونها ترفاً عليهم وإن كانت في الحقيقة من متطلبات حياتهم»، لافتاً في المقابل أن «قيام السارقين بهذا العمل يسبب لهم خسارة تاريخهم بسعر بخس جداً عليهم».
في العراق مثلاً لم يتوقف نهب المواقع الأثرية السومرية الواقعة في جنوب العراق منذ بداية الاحتلال الاميركي ما قد يؤدي إلى اندثار إحدى أولى وأهم حضارات العالم التي بقيت محافظة على أسرار تطوّر طرق حياة الإنسان منذ بداية التمدّن. ولكن الوضع الأمني والحاجة الماسّة التي يعيشها سكان العراق للأموال حوّلتهم إلى «لصوص» يغزون تاريخهم.
أما في أوروبا وأميركا الشمالية، فتعدّ سرقة الآثار «هواية» مكلفة جداً إذ يبتاع «صيادو الكنوز» (كما يلقبون أنفسهم) معدات حديثة متصلة بآخر التقنيات العلمية والكمبيوتر، فيصبح حينها العثور على قطعة أثرية بمثابة ربح ورقة اليانصيب. وهم يبحثون عن نشوة النصر هذه أكثر من بحثهم عن الأموال التي سيجنونها.
لكن القاسم المشترك بين سرقة الآثار في كلّ أنحاء الأرض يتمثل في بيعها في الأسواق العالمية... أمر كان يمكن الحدّ منه في حال سنّت المنظمات العالمية والدول الكبرى قوانين تحظر عملية البيع. عندها كانت حضارات الماضي ستكون بأمان، ويبقى التاريخ واضحاً للأجيال
القادمة.