نقولا ناصيف
أجرى دبلوماسي أوروبي رفيع قراءة للبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الخميس الفائت وتوقيته، وأورد بضع ملاحظات، من شأنها أن تكون في الوقت ذاته رداً على الانتقاد الذي وجّهه رئيس المجلس نبيه بري إلى البيان. وأدرج الدبلوماسي الأوروبي الرفيع ملاحظاته في الآتي:
1ـــــ أن إصدار البيان الرئاسي جاء بمبادرة فرنسية وإجماع الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن. وأراد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، بصفته رئيساً لمجلس الأمن لهذا الشهر، أن يستكمل به اهتمام الدبلوماسية الفرنسية بلبنان، من خلاله أو عبر موفده الخاص السفير جان كلود كوسران، وكي يؤكد مجدداً استمرار مسؤولية مجلس الأمن حيال مراقبة الوضع اللبناني وعنايته به. كما جاء توقيت البيان الرئاسي في المدة الفاصلة ما بين جلستي 25 أيلول و23 تشرين الأول من أجل مخاطبة الزعماء اللبنانيين وحضّهم على التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق المهلة الزمنية التي يحددها الدستور اللبناني.
إلا أن ذلك يقتضي، يضيف الدبلوماسي الأوروبي، ألّا يحمّل اللبنانيون مجلس الأمن ما لا يريد أن يحمله، وهو التدخّل المباشر في الانتخابات الرئاسية، أو تسمية الرئيس الجديد للجمهورية. وإذا بدا أن بعض هؤلاء يعوّل على هذا الهدف، إذا أخفقت الجهود المحلية في التوصّل إلى تسوية، فإن أملهم سيخيب حتماً. لن يتعدّى دور المجتمع الدولي، بالنسبة إليه، التركيز على معايير إدارة الانتخابات الرئاسية والإصرار على احترام المواعيد والأصول الدستورية. يحدوه ذلك إلى القول إن الأميركيين، حتى، لن يعرضوا أي اسم للرئاسة اللبنانية. ويبدو، بحسب ترجيحه كذلك، أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون الأولى للبنان منذ عام 1970 التي لا يشهد فيها تدخلاً خارجياً ويلقى دعماً دولياً عاماً.
2 ـــــ رغم اعتقاد المجتمع الدولي، في ضوء المعطيات التي يتلقاها عن مسار التفاوض بين الأفرقاء اللبنانيين، بأن فرص التوصّل إلى توافق على انتخاب رئيس لبناني جديد أكبر من فرص تعذّره، فإن توقيت البيان الرئاسي جاء أيضاً ليعبّر عن القلق من التحدّي الأمني واستمرار مسلسل الاغتيالات الذي يواجهه اللبنانيون. وتندرج في هذا الإطار أهمية الرسالة المزدوجة: إلى اللبنانيين بدعم الحوار الجاري في ما بينهم والعمل على اختيار رئيس لهم بالتفاهم والتوافق، وإلى السوريين عبر توجيه الانتباه إلى رفض الاغتيالات ومسلسل الجرائم من خلال ربط القرار 1559 بالقرار 1680، الأول إذ يطلب ضمناً إلى دمشق كفّ تدخّلها السياسي في الشؤون اللبنانية وانتخابات الرئاسة في هذا البلد خصوصاً، والآخر بتنبيهها إلى مسار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري على نحو أكده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مراراً، وفي الأيام الأخيرة، عن عدم إفلات أحد من العقاب.
وإذ يلاحظ الدبلوماسي الأوروبي الرفيع أن توجيه اتهام مباشر إلى سوريا بمسؤوليتها عن الاغتيالات السياسية أمر شائك ومعقّد، وهو يلمس بحسب المعطيات المتوافرة لديه عن الأحاديث الخاصة غير الإعلامية أو الرسمية التي يتداولها أعضاء مجلس الأمن، أن لهؤلاء «شكوكاً» في دور سوري ما، بل إن سوريا هي وراء كل ما يحدث في لبنان، من غير أن يتخطى ذلك التشكيك، على أن أحداً منهم ليس مستعداً لتوجيه الاتهام إليها أو تسميتها حتى. لا بل إنهم ـــــ يقول الدبلوماسي الأوروبي الرفيع ـــــ لا يعرفون «مَن في سوريا» يقف وراء هذه الاغتيالات، وأن استمرار مسلسل الاغتيالات سيؤثر في طريقة نظرة المجتمع الدولي إلى سوريا كما لو أن هذه، من خلال استمرار هذا المسلسل، تتعمّد تحدي مجلس الأمن. وإذ يستشهد الدبلوماسي الاوروبي الرفيع بردّ فعل كوشنير على أثر اغتيال النائب اللبناني أنطوان غانم وإلغاء اجتماعه بنظيره السوري وليد المعلم ترجمة لهذا السخط، فإن كوشنير والمجتمع الدولي يعيان تماماً أن ليس للمعلم علاقة بالقتل. لكن بدا للوزير الفرنسي أن من الصعب الاجتماع بالوزير السوري على مرأى من مشهد جريمة الاغتيال. كل ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن باريس كانت في صدد فتح صفحة جديدة من العلاقات مع دمشق.
3 ـــ خلافاً لوجهة نظر رئيس البرلمان اللبناني إذ رأى أن البيان الرئاسي لمجلس الأمن تدخّل في اختصاصات مجلس النواب في انتخابات الرئاسة اللبنانية، لا ينطوي البيان على مثل هذا التدخّل. وكان قريبون من بري، قد اتصلوا بالمنسق العام للأمم المتحدة في لبنان غير بيدرسون أمس، وشرحوا له مبررات موقف رئيس المجلس، وأن موقفه يقتضي ألّا تحسبه الأمم المتحدة «هجوماً» عليها. إلا أن جواب بيدرسون على محاوريه أنه كان يأمل لو أن ردّ الفعل على البيان الرئاسي كان إيجابياً لأسباب يتضمنها نص البيان بالذات، وهي أنه ساوى بين الأفرقاء اللبنانيين بحضّهم على التوافق في ما بينهم. وهو لم يدعم فريقاً لبنانياً ضد آخر. فضلاً عن أن بيدرسون الذي كان قد التقى البارحة الرئيس ميشال عون سمع منه موقفاً «إيجابياً جداً» بإزاء ما ورد في البيان الرئاسي، على نحو عبّر عن فهم أوضح لمقاصده والغاية المتوخاة منه. وقد سعى إلى منح التوافق دعماً دولياً واسعاً، فضلاً عن دعم جهود بري بالذات في هذا الإطار.
ويعزو الدبلوماسي الأوروبي موقف رئيس المجلس إلى شكوك تثيرها المعارضة في مجلس الأمن أكثر منها رفضها مضمون البيان، ولا يكتم ـــــ وهو يصف بري باللاعب السياسي البارع ـــــ بأن لاستيائه أسباباً أخرى مختلفة داخلية، ربما، أكثر مما هي تتصل بمضمون البيان الرئاسي.
4 ــــ على نقيض ما لفت انتباه مسؤولين وسياسيين لبنانيين في بيان مجلس الأمن، فإن عودته إلى التذكير بثلاثة قرارات كان قد أصدرها في أوقات متفاوتة هي 1559 و1680 و1701، تدخل في نطاقين، شكلي، هو اتباع مجلس الأمن الطريقة نفسها في بياناته التي يتناول فيها موضوعاً قيد اهتمامه بالتذكير بالقرارات السابقة المتخذة حيال الموضوع المذكور، وعملي، هو أن تذكيره بالقرار 1559 لا يرمي إلى استذكار كل بنوده، بل فقط الشق المتعلق بانتخابات الرئاسة اللبنانية التي كان القرار 1559 قد حدّد إرادته حيالها لدى إصداره في 2 أيلول 2004 بدعوته إلى إجراء انتخابات رئاسية لبنانية في حرية دون تدخّل خارجي، ووفق أحكام الدستور اللبناني. وتالياً، يضيف الدبلوماسي الأوروبي الرفيع، تناول البيان الرئاسي لمجلس الأمن هذا الشق دون سواه من القرار 1559. ولم يتوخّ توجيه أي إشارة إلى سلاح حزب الله ولا إدخاله في سياق إعادة الجدل راهناً في معرض توجيه الانتباه إلى إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية.