خاطب رئيس الجمهورية إميل لحود، المجتمع الدولي، «من موقع المجرِّب»، حاثّاً إياه «كي لا يدع لبنان يهوي لأن سقوطه هو سقوط الاعتدال، وانتصار للذين يؤثرون استخدام القوة». وتوجّه الى أعضاء الأمم المتحدة بالقول: «أحثَكم كي لا تتراجعوا أمام التحديات، وكي تدعموا ما هو حق وعادل. اُنظروا إلى الشرق الأوسط المشتعل، وشاهدوا نار العنف والظلم تأكل الضعفاء والأقوياء معاً. أدعوكم إلى مساندة الحق والعدل وقيم الخير، قبل أن يصبح قراركم متأخراً».وأسِف لحود في الكلمة التي ألقاها أمس أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لأن «لا شيء يتحرك في منطقتنا إلا العنف، واتساع رقعة الظلم، وضجيج المعارك والأحقاد. وتظل كل الدعوات إلى تحريك مسيرة السلام في الشرق الأوسط، بلا أصداء ومفاعيل
واقعية».
وإذ لفت الى الانتظار بترقب وتحفظ، ما ستؤول إليه الدعوة إلى مؤتمر الخريف للسلام، أورد «جملة حقائق لا يمكن تجاهلها في أي تسوية»: إن أي حل لأزمة الشرق الأوسط يجب أن يكون دائماً وعادلاً وشاملاً، لتكتب له الحياة، ولا بد أن يدعو الى تطبيق كل القرارات الدولية التي نصت على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة كلها، إضافةً الى حق الشعب الفلسطيني في عودته إلى أرضه المسلوبة. وحذّر من مخاطر التوطين على لبنان، مكرراً رفض «أي محاولة لإفراغ المبادرة العربية للسلام من مضمونها، عبر إسقاط أحد أبرز بنودها وهو حق العودة للفلسطينيين».
وتطرق الى القرار 1701، مشيراً إلى مسارعة لبنان الى العمل بمندرجاته. وتساءل: «لماذا ما زلنا في مرحلة وقف العمليات العدائية ولم ننتقل بعد إلى مرحلة وقف إطلاق النار كما ينص على ذلك القرار نفسه؟»، معتبراً أن ذلك يطرح علامات استفهام كبيرة «وخصوصاً أن إسرائيل ما زالت تنتهك سيادة لبنان أرضاً وبحراً وجواً، ولقد ناهز عدد الخروق الإسرائيلية منذ بدء تطبيق القرار، الخمسمئة».
ودعا المجتمع الدولي «إلى التنبه لأي نية عدوانية إسرائيلية مبيّتة تجاه لبنان، من شأنها أن تعيد تفجير الأوضاع، وتزيد الاحتقان والتوتر في المنطقة».
وأكد أن الـ1701 «لا يكتمل إلا إذا استعاد لبنان مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر المحتلة من إسرائيل، وكذلك المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، وضَمِن حقه في المياه التي تحاول إسرائيل استغلالها خلافاً للقوانين الدولية، وتسلم خرائط الألغام التي خلّفها الاحتلال الإسرائيلي، والمعلومات المتعلقة بمواقع إلقاء ملايين القنابل العنقودية». وإذ أبدى تقديره لجهود الأمانة العامة للأمم المتحدة «لناحية دراسة المستندات والخرائط المتعلقة بمزارع شبعا»، وارتياحه لـ«التقدم الحاصل لناحية المزيد من التأكد من لبنانية هذه الأراضي»، أعرب عن التطلع «إلى إعطاء هذه الخطوة النتائج العملية التي تنهي الاحتلال الإسرائيلي لها وتعيد الى لبنان حقوقه بالمياه».
وأعلن أن اللبنانيين متمسكون «بعدالة تطبيق القرارات الدولية» الخاصة ببلدهم، لكنهم «يرون أن هذه العدالة لا تستقيم إلا إذا بنيت على معطيات حقيقية وثابتة»، مشيراً إلى «ملابسات» أحاطت بظروف إنشاء «المحكمة الخاصة للبنان»، ومضيفاً «أن ما يمكن أن يتخطى هذه الملابسات»، هو «أن يرتفع أداء هذه المحكمة إلى مستوى رفيع من الموضوعية والشفافية والعدالة يمكّنها من الوصول إلى الحقيقة التي نبتغيها، فتطمئن بذلك مخاوف اللبنانيين ويتأكدوا من أن المحكمة ستكون ساحة
للحق».
وتطرق الى الانتخابات الرئاسية المقبلة، آسفا لـ«أن ثمة جهات ودولاً، تحاول التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، بطرق لا تجيزها الأعراف الدولية، ومن شأنها أن تؤجج الاحتقان والتوتر على الساحة اللبنانية بما ينعكس ليس على الانتخابات الرئاسية المرتقبة فحسب بل أيضاً على أمن اللبنانيين ومستقبلهم».
وفيما رحّب «بكل دعم خارجي في الظروف الصعبة التي عاشها على مدى السنوات الماضية»، شاكراً كل من وقف إلى جانب لبنان، أمل أن يكون أي دعم «موجّهاً إلى جميع اللبنانيين من دون تفرقة أو تمييز، فلا يكون بذلك عنصر تفرقة ونزاع، بل عربون احترام لسيادة لبنان ووحدة أبنائه ودوره المميز في المنطقة
والعالم». ودعا المجتمع الدولي «إلى أن يحول دون أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول، ولا سيما أن اللبنانيين أثبتوا خلال الأحداث المتتالية أنهم قادرون على اتخاذ قراراتهم وتحديد خياراتهم، وأن وحدتهم وتعايشهم وتفاعل جميع مجموعاتهم بعضها مع البعض الآخر، تضمنها مؤسساتهم المدنية والأمنية، وفي مقدمها الجيش الوطني».
وتحدث بعد ذلك عن المواجهات التي خاضها الجيش على مدى الثلاثة أشهر والنصف الأخيرة «مع تنظيم إرهابي خطير حظي بتسليح متطور ونيات تخريبية لا تطاول لبنان وحده، بل لها انعكاسات سلبية وانقلابية على كامل منطقة الشرق الأوسط»، لافتاً الى أن خيار لبنان «بمواجهة الإرهاب والتطرف»، يتطلب «دعماً جدياً لمؤسسة الجيش اللبناني».
وبعد انتهائه، تلقى لحود تهاني عدد من رؤساء الوفود العربية والأجنبية الذين حضروا الجلسة، مع الإشارة الى أن الوفد الإسرائيلي غاب خلال إلقاء كلمةلبنان.
وكان لحود قد لبّى غروب الخميس، دعوة أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الى إفطار أقامه في فندق فورسيزن في نيويورك على شرف رؤساء وفود الدول العربية. وكانت مناسبة تداولا خلالها في عدد من المواضيع الراهنة على الساحتين اللبنانية والعربية. كما التقى لحود الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعرض معه التطورات.
من جهة ثانية، كانت للوزير المستقيل فوزي صلوخ سلسلة لقاءات تناولت التطورات الراهنة، مع الرئيس الفلسطيني، وزراء خارجية: اليمن ابو بكر القربى، البحرين الشيخ خالد آل خليفة، الكويت محمد الصباح، المغرب محمد بن عيسى، ماليزيا حامد بار، ووزراء سلوفينيا وتونس واندونيسيا، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إكمال الدين اوغلو، والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
وشارك صلوخ في العشاء الذي أقامه وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير على شرف وزراء خارجية الدول
الفرنكوفونية.