في البدء كانت المدرسة
يبدأ اليوم، رسمياً، العام الدراسي 2007-2008. لا نعلم ما إذا كان اليوم الأوّل مترافقاً مع فرحة أم مع ألم. فرحة العودة إلى المقاعد الخشبية، والتلاقي مع رفاق الصف، وملاعب المدرسة، أم ألم الأقساط وأسعار الكتب والحقائب وفاتورة القرطاسية والأوتوكار، في ظلّ أوضاع معيشية تزداد صعوبة، وارتفاع أسعار المحروقات والسلع الغذائية.
يبدأ اليوم، رسمياً، العام الدراسي 2007-2008، وسط انخفاض بات ملحوظاً للمستوى التعليمي في لبنان، ووسط إهمال ما زال يطال المدارس الرسمية بشكل عام، وتلك الموجودة منها في المناطق النائية بشكل خاص.
هل أصبح التعليم لعنة في لبنان؟ وحين يصبح التعليم لعنة، ماذا يبقى لهذا البلد الصغير الذي يعاني التآكل والتفتّت؟
يتناول هذا الملحق بعــض همــوم التــلامــذة والأهــل، وأفراحهم بهذا اليوم ومشاغلهم وتحضيراتهم.
يحاول الملحق أن يسلط الضوء أيضاً على بعض الأسئلة عن كلفة التعليم التي يتحمّلها الأهل في بلدنا، وهي تقريباً الأغلى في العالم، وعن الأقساط المدرسية التي تُدفع «بشق النفس» أحياناً كثيرة.
كيف يتدبر التلامذة والأهل أمورهم، وماذا عن العملية التربوية، ومن يراقب التعليم الحر؟ ولماذا لم تستعد المدرسة الرسمية ثقة اللبنانيين في مراحل التعليم الأولى؟
بل إن السؤال الأهم والأكثر إيلاماً هو التالي: لماذا تراجع التعليم في لبنان حتى فقد المراتب المتقدمة التي كان يحتلها في الشرق الأوسط؟




إنفاق الأسَر اللبنانية الأعلى في العالم محمد زبيب

تنفق الأسر اللبنانية نحو 15 في المئة من ميزانيتها السنوية على تعليم أولادها، وتمثّل إسهاماتها في تمويل كلفة التعليم الاجمالية نحو 7 في المئة من الناتج المحلي القائم، وهذا ما يجعل من إنفاقها في هذا المجال الأعلى في المقارنات الدولية


تتفق الدراسات التي تتناول اقتصاديات التعليم، على أن الأسر اللبنانية قد تكون الأكثر إنفاقاً على التعليم بالمقارنة مع الأسر في بقية دول العالم حيث تؤدي الدولة الدور الرئيسي في تمويل التعليم في مراحله المختلفة... ولا تنحصر المفارقة اللبنانية في هذا الجانب المهم، بل تتجاوزها، بحسب الدراسات نفسها، الى جانب آخر أكثر سلبية في دلالاته ونتائجه يتمثل بالارتفاع المضطرد لكلفة التعليم الاجمالية في لبنان في العقد الأخير، بالتزامن مع الإشارات المتنامية إلى تراجع نوعية التعليم الى حدود مقلقة، وتكريس مظاهر التخصص في وظيفة شبه وحيدة للنظام التعليمي الذي بات موجّهاً لرفد تيارات هجرة الكفاءات الشابة الى الخارج، مع ما يعنيه ذلك من نزف حاد للموارد البشرية التي كوّنت الرأسمال الحقيقي في الاقتصاد اللبناني على مدى العقود الماضية.

الإنفاق على التعليم

يقدّر إجمالي الإنفاق على التعليم في لبنان بنحو 11،4 في المئة من الناتج المحلّي القائم، وتتحمّل الأسر 7 في المئة منه، اما القطاع العام فيتحمّل 4،4 في المئة فقط. وتعدّ مساهمة الأسر، بوصفها نسبة من الناتج المحلّي، من اعلى المساهمات في المقارنات الدولية، اذ لا تتجاوز 0،4 في المئة في فرنسا، و2،2 في المئة في الولايات المتحدة، و2،8 في المئة في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال...
وفي المقابل، يعدّ الانفاق العام على التعليم بوصفه نسبة من الناتج المحلي في لبنان، مرتفعاً او متقارباً مع دول اخرى، باستثناء بعض الدول التي تعطي اولوية مطلقة للتعليم العام على الخاص، مثل نيوزيلاندا حيث يبلغ إنفاقها العام نحو 6 في المئة، او فرنسا حيث يبلغ نحو 5,8 في المئة... لكن، بحسب دراسة للبنك الدولي، فإن اكثرية الدول في العالم تتميز ببنية إنفاق على التعليم ترتكز على وزن نسبي اكبر لإنفاق القطاع العام، على عكس ما هو حاصل في لبنان، حيث يمكن الجزم بأن الأسر اللبنانية تتحمل العبء الرئيسي في تمويل التعليم عبر إنفاقها المباشر من ميزانياتها، و/أو عبر الضرائب والرسوم التي تسددها لتمويل الخزينة العامة. وتشير الدراسات المنجزة حول بنية ميزانية الأسرة في لبنان، الى أن حصة الإنفاق على التعليم بوصفها نسبة من إجمالي إنفاقها، ارتفعت بوتيرة لافتة من نحو 8 في المئة في العام 1966 إلى نحو 15 في المئة حالياً... أي أن الأسرة التي كانت تنفق على تعليم اولادها نحو 80 دولاراً من كل الف دولار شهرياً بأسعار اليوم، باتت تنفق الآن نحو 150 دولاراً، وهو ما يعني أن عبء التعليم الملقى على عاتق الأسر ازداد بنسبة تقارب مئة في المئة في السنوات الأربعين الماضية.
هذه الزيادة في عبء فاتورة التعليم، قابلتها أيضاً زيادة مماثلة لحصة الدّولة من الفاتورة الاجمالية، اذ ارتفع الإنفاق العام على التعليم من نحو 29 في المئة في العام 1973 إلى نحو 35 في المئة حالياً، الا أنّ هذه الزيادة لم تترافق مع زيادة عدد التلاميذ في التعليم الرسمي، بل حصلت في ظل التراجع المستمر في نوعية هذا التعليم، وثقة الأسر به.
وترى دراسات عدة أن تركُّز عبء فاتورة التعليم على الأسر اللبنانية، لا يعني في أي حال من الاحوال أن الإنفاق العام بوصفه نسبة من الناتج المحلي (4,4 في المئة) أو حصةً من الموازنة العامة (نحو 11 في المئة)، هو ضئيل في المقارنات الدولية، إلا انه، مثل كل اوجه الإنفاق العام في لبنان، لا يتمتع بالفاعلية المطلوبة، ولا تنطبق عليه معايير التوزيع العادل، كذلك يتأثّر كثيراً بمَواطن الضعف الخطيرة التي تشوب إدارة الموارد العامة، بالإضافة إلى الضعف في الاستهداف والمراقبة.

نوعية التعليم

تكمن المشكلة الكبرى التي يواجهها نظام التعليم في لبنان في التفاوت الحاد في نوعية التعليم بحسب القطاعين الرسمي والخاص، ويتزامن التفاوت مع تقارب في متوسط كلفة التلميذ الواحد في كلا القطاعين، حيث بلغ هذا المتوسط نحو مليوني ليرة في التعليم الخاص، بحسب أسعار عام 2001، في مقابل نحو 1،725 مليون ليرة في التعليم الرسمي. ان هذا التقارب في الأكلاف بين القطاعين في ظل تفاوت عدد التلاميذ لمصلحة التعليم الخاص، يؤكد الاستنتاج بأن حجم الإنفاق العام ليس هو السبب في تراجع نوعية التعليم الرسمي، بل السبب يكمن في سوء ادارة هذا الإنفاق وتوزيعه واستهدافاته وبنية المستفيدين منه، وقبل كل ذلك، في نوعية الطبقة السياسية المسؤولة عن هذا الإنفاق والتي حافظت على توجيهه بما يخدم مصالحها الفئوية والمذهبية التي تتلاقى مع تكريس أرجحية التعليم الخاص ومعظم مؤسساته الطائفية. لقد عملت الحكومات المتعاقبة على ترسيخ الدافع الدائم لإبقاء سيطرة التعليم الخاص على النظام التعليمي في لبنان، واكتفت بمنح التعليم الرسمي ـــــ رغم أنه حقق نجاحات بارزة، كمّاً ونوعاً، في الستينيات والسبعينيات ـــــ دور الرديف... فبات الأول يستقطب نحو 60 في المئة من إجمالي المنتسبين إلى التعليم، فيما التعليم الرسمي لم يعد يستقطب سوى 40 في المئة منهم.
وأدّت سياسة الإهمال المقصود للتعليم الرسمي الى ظهور فروق كبيرة في النوعية، وهذا ما يؤكّده التفاوت الحاد في مؤشرات معدّلات النجاح والسقوط والتسرّب بحسب قطاع التعليم والمناطق وأوضاع الأهل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فمن أصل كلّ فوج من 1000 تلميذ يدخلون السنة الأولى من المرحلة الابتدائية، لا يصل إلى السنة الأخيرة من التعليم العام من دون التعرّض للسقوط إلاّ 75 تلميذاً. ويتفاوت هذا المعدّل بحسب المناطق، إذ يبلغ 161 تلميذاً في مدارس بيروت وينخفض إلى 24 تلميذاً في البقاع. كذلك يتفاوت بحسب الأوضاع الاجتماعية للأهل، إذ يصل إلى 224 تلميذاً في الأسر المنتمية إلى الطبقتين الوسطى والميسورة وينخفض إلى 27 تلميذاً في الأسر الفقيرة... بيد أنّ التفاوت يصل إلى ذروته عندما يتعلّق الأمر بقطاع التعليم، حيث ينحدر المعدّل إلى 9 تلاميذ فقط في التعليم الرسمي مقابل 225 في التعليم الخاص.
لم تكتف الحكومات بمنح التعليم الرسمي دور الرديف فقط، وبكلفة عالية، بل سخّرت سياساتها وقراراتها في خدمة دعم التعليم الخاص، بما في ذلك الدعم المالي المباشر، وتكفي الاشارة في هذا السياق الى أن الموازنة العامة لا زالت تتضمن تحويلات مالية مهمة للدكاكين التعليمية المسماة «المدارس الخاصة المجانية»، يضاف أن جزءاً مهمّاً من فاتورة الأجور في الادارة العامة والأسلاك العسكرية والأمنية والقضائية والتعليمية والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة... هو عبارة عن منح مالية تُعطى للموظفين، بمن فيهم المعلمون والأساتذة، في مساهمة بتمويل الاقساط المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانية، وقد أدّى هذا الدعم المباشر الى مفارقة غريبة، اذ إن 24.2 في المئة فقط من إجمالي عدد أبناء الموظفين في القطاع العام يلتحقون بالمدارس الرسمية، في مقابل 37.3 في المئة من أبناء الموظفين في القطاع الخاص.
كل هذه النفقات تحتسب في إطار الإنفاق العام على التعليم، ورغم ذلك فإن الحكومات عمدت الى توظيف ما تبقى للمدارس الرسمية في خدمة المدارس الخاصة عبر توجيه التعليم الرسمي نحو امتصاص فائض العرض في التعليم الخاص، وهو ما يظهر بوضوح في المعطيات المتصلة بتوزع التلاميذ بين القطاعين بحسب مرحلة التعليم، فالتعليم الرسمي يستوعب نحو 40 في المئة من إجمالي عدد الملتحقين بمراحل التعليم المختلفة. الا أن حصة التعليم الرسمي لا تتعدّى 22.7 في المئة في مرحلة الروضة، ويعود تدني هذه النسبة إلى عدم تعميم هذه المرحلة في المدارس الرسمية كلها، وترتفع حصة التعليم الرسمي إلى 34.2 في المئة من إجمالي عدد الملتحقين في المرحلة الابتدائية ، ثمّ إلى 43.8 في المئة في المرحلة التكميلية، فإلى 53.3 في المئة في المرحلة الثانوية... هذا التوزيع يشير الى وجود هرم مقلوب في لبنان، اذ إنّ ميل التزامات الدولة نحو الارتفاع ـــــ إنتاجاً وتمويلاً للخدمات التربوية ـــــ مع الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى يتعارض مع الاتجاهات المسجّلة على هذا الصعيد في البلدان الاخرى حيث تزيد التزامات الدولة (عبر المدارس الرسمية) في مراحل التعليم الأولى (الروضة، الابتدائي، التكميلي) عليها في المراحل الأخرى. ويُعدّ الهرم المقلوب مظهراً من مظاهر ازمة الثقة في المدرسة الرسمية، ونتيجة من نتائج السياسات الحكومية التي لا تنسجم مع الاهداف التنموية المتعلقة بتعميم التعليم وإلزاميته في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ومجانيته في المرحلتين التمهيدية والابتدائية...
لا تقف السياسات التربوية المعتمدة عند هذه الحدود، فقد جرى أيضاً تعميم الاستخدامات غير المثلى للموارد المتاحة في التعليم الرسمي، وذلك بغرض تبديدها وهدرها. ولعل ابرز مثالين على ذلك، هما: تحويل المدرسة الرسمية الى وعاء كبير لامتصاص البطالة، واعتماد توزيع غير مدروس للبنى التحتية التعليمية.
فبحسب احصاءات العام الدراسي 2004 ـــــ 2005، بلغ عدد التلامذة الملتحقين بالمدارس الرسمية نحو 337 ألف تلميذ وعدد المعلمين نحو 40 ألف معلّم، فيما بلغ عدد التلامذة في المدارس الخاصة نحو 465 ألف تلميذ مع عدد معلّمين يبلغ نحو 39 الف معلم، علماً أن عدد المدارس الرسمية بلغ 1405 مدارس، في مقابل 1027 مدرسة خاصة، وهذا يعني ان هناك نحو 453 تلميذاً في كل مدرسة خاصة، بالمقارنة مع نحو 240 تلميذاً في كل مدرسة رسمية، كذلك هناك أستاذ لكل 11,7 تلميذاً في المدرسة الخاصة، بالمقارنة مع استاذ لكل 8,4 تلاميذ في المدرسة الرسمية... ويُشار إلى أنّ 28.7 في المئة من معلمي القطاع الرسمي هم في الفئة العمرية 51 سنة أو أكثر، فيما تنخفض هذه النسبة إلى 14.8% في القطاع الخاص. بالإضافة إلى أنّ نحو ثلث معلمي القطاع الرسمي هم من حاملي شهادة البكالوريا أو ما دونها.

لبنان ليس الأفضل في التعليم

يتكبّد المجتمع اللبناني نحو 11,4 في المئة من الناتج المحلي، وهي كلفة مرتفعة جدّاً بمختلف المعايير، كذلك فإن متوسط دخل الفرد في لبنان المقدر بنحو 4000 دولار أميركي، هو اعلى من دول اخرى في المنطقة، إلا انه في المقابل، كانت نسبة إكمال المرحلة الابتدائية في لبنان أدنى منها في تونس والأردن وإيران والجزائر ومصر، وجميعها دول ذات دخل للفرد أدنى منه في لبنان. ولم يظهر أي تحسن يذكر على نسبة إكمال المرحلة الابتدائية في لبنان بين سنتي 6/1995 و3/2004 الدراسيتين. وثمة مؤشر آخر لقياس فاعلية النظام التعليمي في لبنان هو نتائج امتحانات تيمس (Trends in International Mathematics and Science Study TIMSS) التي تتوجه لطلاب الصف الثامن في مادتي الرياضيات والعلوم. اذ أتت نتائج الطلاب اللبنانيين بعلامة 393 في العلوم و433 في الرياضيات. وهاتان العلامتان أدنى من المعدلات الدولية أي 474 و467 تباعاً. كذلك لبنان أتى متخلفاً عن كل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المشاركة في قسم العلوم (باستثناء المملكة العربية السعودية). وإذا تم تعديل النتائج لتأخذ مستويات الدخل في الحسبان، يتضح أن أداء لبنان قاصر جدّاً عن التوقعات.




الأقساط «كارثة» مهما سهلت وسائل الدفعثائر غندور

أشهر الصيف التي يرتاح فيها الأهالي عادة من متطلّبات المدرسة ليست كذلك بالنسبة إلى أبي رفعت. فالرجل يدفع قسطاً شهرياً قيمته مئة دولار أميركي لمدرسة القديسة رفقا، وابنه الأصغر رشاد يحضّر نفسه هذا العام للشهادة المتوسّطة. يرى أبو رفعت في هذه الطريقة، التي اتفق مع إدارة المدرسة عليها، الوسيلة الفضلى لدفع القسط السنوي. في المقابل، اتفق أبو جمال سعد مع إدارة ثانوية الشهيد محمّد سعد في منطقة صور على دفع القسط «عندما أحصل على المنحة». فأبو جمال موظّف في القطاع العام، ويحصل بالتالي على منحة سنوية من الدولة لتعليم أولاده. وقد دفع أخيراً أقساط العام الماضي «فقد قبضت المنحة يوم السبت في 22 أيلول ودفعتها يوم الاثنين 24 منه». المعنيون في المدرسة لا يمارسون ضغوطاً على أبي جمال لأنه يلتزم بالدفع بهذه الطريقة منذ سنوات عديدة، «وتعرف المدرسة أن أي تأخير مرتبط بالضرورة بتعاونية موظفي الدولة».
كثيرون هم الموظفون الذين يعتمدون على المنح المدرسية والمساعدات المرضيّة التي يتلقونها من الجهات الضامنة مثل تعاونية موظفي الدولة أو مؤسسة الضمان الاجتماعي. فهذه المساعدات تأتي في «وقت الحشرة» على حدّ وصف أحد الموظفين.
ويُمكن تقسيم المدارس الخاصّة إلى مستويين بحسب قيمة أقساطها. فهناك المدارس ذات الأقساط المرتفعة (أي تزيد عن 3000 دولار عن التلميذ الواحد)، وتلك المتوسّطة الأسعار. ويرتاد النوع الأول من المدارس أناس هم في الغالب مرتاحون اقتصادياً، لكن هذا لا يمنعهم من رفع الصوت عالياً حين تفرض إدارات المدارس إضافات على الأقساط تتمثل في سعر غال للزيّ الموحّد، والطعام، والرحلات المدرسية، وحفلة نهاية العام، والكتاب السنوي، وغير ذلك... فهذه الإضافات التي لا تدخل في صلب القسط، يُضاف إليها، في بعض هذه المدارس، مبلغ من المال عند تسجيل الطالب لأول مرّة وهو يصل في بعضها إلى 1000 دولار أميركي. وفي هذا الإطار، يشير هؤلاء الأهالي إلى أن المدارس تفرض عليهم تسديد القسط على دفعتين أو ثلاث، وتحدّد فترة زمنية للدفع يُمنع تجاوزها «تحت طائلة منع دخول التلامذة إلى المدرسة».
أمّا النوع الثاني من المدارس ـــــ التي تُعتبر أقساطها متوسّطة ـــــ فإنها، تقدّم تسهيلات من نوع آخر للأهالي. فهذه المدارس تحدّد فترات دفع الأقساط على ثلاث مراحل، لكنّها لا تتشدّد في تطبيق نظامها. عندما يتحدّث الأهالي مع المسؤولين في الإدارة «نتفق معهم على آلية الدفع» تقول أم حسين سليمان. تختلف الآليات «من عائلة إلى أخرى» وتتنوّع بين دفعات شهرية طوال العام الدراسي، أو خلال كل شهور العام. وتقدّم هذه المدارس حسومات للأهل الذين يسجلون أكثر من تلميذ في المدرسة. وتستخدم المدارس الخاصة «ورقة» إفادة نهاية العام الدراسي كوسيلة ضغط على الأهالي إذا لم يسدّدوا القسط. وهناك العديد من المدارس الخاصة التابعة لجهات سياسية أو دينية (وما أكثرها) التي تقدّم تسهيلات وحسومات مالية للأهالي الذين يرتبطون معهم بصلات سياسية أو دينية. وقد حصل منذ عدّة سنوات أن اكتشف أحد الطلاب في إحدى الإرساليات المسيحية في منطقة الجنوب أن كلّ الطلاب المسيحيين في هذه المدرسة يحصلون على حسم على الأقساط السنوية تبلغ قيمته خمسين في المئة.
أخيراً يقع الأهالي في معظم الأحيان، ضحايا للمدارس الخاصة التي تزيد أقساطها دون أي رقابة تحت مسمّيات عديدة، يضطرون إلى دفعها «حتى لا يشعر أبناؤهم بأن ما لدى الأطفال الآخرين ينقصهم»، وهذا الأمر لا علاقة له بمستوى هذه المدارس الأكاديمي، أو دورها في بناء شخصية التلميذ.




الكتب المستعملة سوق مزدهرةنادر فوز

أنهكتها الأيادي ولم تُنهك الجيوب


إنه موسم المكتبات المدرسية، تكثر إعلاناتها وتقديماتها مع بداية كل عام دراسي، بعضها يمنح تجليداً مجانياً لكل كتاب، وثمة مكتبات تقدّم قرطاسية بالمجان مع كل خمسة كتب جديدة يشتريها التلميذ «الزبون». بعض المكتبات يعلن باستمرار عن «أجدد الكتب المستعملة» أو «بدّل قديمك بجديدك»، كأنّ الكتاب المدرسي ليس حاجة ماسة لكل تلميذ، بل سلعة يمكن التفاوض على سعرها. «نريد أن نتعلم أيضاً، هل التعليم حكر على الأغنياء فقط؟» عبارة أطلقها طفل في السابعة من العمر في اعتصام للمطالبة بإلزامية ومجانية التعليم والكتب المدرسية. لم يسمع أحد هذه الصرخة وظلّت الأسعار على حالها. واضطرت كل عائلة إلى أن تعتمد «أسلوبها الخاص» لتخطّي مشكلة تأمين الكتب المدرسية.
تسعى سعاد منذ شهر حزيران الماضي لتوفير بعض المال تحسباً لـ«كارثة» بدء العام الدراسي، رغم أنها سترتاح من «عجقة الأولاد في المنزل»، الكارثة المذكورة تتمثل في ضرورة دفع الأقساط المدرسية وثمن الكتب والثياب الجديدة وكل متطلبات الدراسة. أكثر من مليون ليرة هي «فاتورة الكتب» لأطفالها الثلاثة، أي ما يعادل الراتب الشهري الذي يتقاضاه زوجهاالأهالي الذين سجلوا أولادهم في مدارس خاصة تنتهج نظام التعليم الفرنسي يعانون من التغيير السنوي لهذا المنهج والتعديلات المستمرة على الكتب، إذ تتجدّد معظم الكتب مع بداية كل عام دراسي، فتصبح الكتب المستعملة بلا قيمة ويضطر الأهل لشراء طبعات جديدة. تضم لائحة كتب تلاميذ البكالوريا الفرنسية سبعة كتب مجدّدة، على الأهالي تأمينها جديدة من المكتبات. ويدفع ارتفاع الأسعار عدد كبير من الأهالي إلى شراء أكبر عدد ممكن من الكتب المستعملة، إذ إن أسعار الكتب الجديدة مرتفع جداً ويُباع بعضها بـ 80 ألف ليرة لبنانية. وبعملية حسابية بسيطة يمكن الاستنتاج بأنّ ثمن الكتب يتخطى نسبة 10 بالمئة من القسط السنوي في المدرسة. فيما تكون أسعار الكتب الجديدة في المنهج اللبناني ثابتة إذ يُمنع التجار من التلاعب بها. وتعقد إدارات بعض المدارس الخاصة صفقات مع مكتبات لتقاسم ما يتحقق من أرباح من خلال بيع كتب جديدة.
في المقابل، ثمة مدراس تحرص على مساعدة «أبنائها»، كما هي الحال في مدرسة سيدة الجمهور حيث نظمت الإدارة الـ «scolartec» لتبادل الكتب المستعملة بين التلامذة بإشراف موظفين من «الجمهور». إلا أنّ هذه المبادرة لم تلق الكثير من الإعجاب من قبل الأهالي والتلامذة. فيما يعتبر أنطوان شكر الله، أحد المسؤولين في المدرسة، أنّ هذه المبادرة اتّخذت لمساعدة الأهالي في التخفيف من أسعار الكتب. يجتمع عدد من التلامذة، يحملون بعض الكتب في انتظار مجيء بعض الزبائن. ما إن يطلّ أحدهم حتى يبدأ الصراخ إعلاناً عن المنتجات: «4eme, 3eme, SV»... وغيرها. سجّل عدد من التلامذة هذه «الإعلانات» على هواتفهم الخلوية وراحوا يبثّونها عند مرور الأهالي وباقي الزملاء، «توفيراً للوقت والتعب والبحّة»، يقول أحد تلاميذ البكالوريا: حضر بعض المشترين، فتجمّع التلامذة وراح كل منهم يعرض ما يملك، احتدمت المنافسة إلى أن حسمت إحدى السيّدات خيارها «سآخذ من كل منكم كتاباً». لا يتدخل العاملون في الإدارة بما يقوم به التلامذة، وفق ما يؤكد الأستاذ مارون شكر الله، إذ تُترك لهم حرية الاختيار وتبديل الكتب.
يحاول التلامذة شراء كتبهم الجديدة من خلال بيع ما يملكونه من كتب «أنهكتها» أياديهم خلال العام الدراسي السابق. لكن ثمة من يرى أنّ بيع الكتب المستعملة يمكن أن يدرّ بعض المال للمصروف الشخصي، فيما الأهل «يهتموّن بأنفسهم بتدبير كتب هذا العام».
في «سوق» الجمهور، بعض الأهالي يشكون بدورهم من ارتفاع أسعار الكتب وإضافة طبعات جديدة، فيحاولون بيع كتب أولادهم وشراء ما تيسّر من الكتب الجديدة، «والباقي على الله» يقول جان شوفاني.
على الضفة الأخرى من ضواحي العاصمة، ثمة أحياء تندر فيها المكوّنات الأساسية لحياة عصرية، ثمة من يسأل عن الكتب المدرسية أيضاً، ولكن السؤال ممزوج بألم كبير ورهبة.
في «حيّ السلّم»، بعيداً عن المكتبات الكبيرة، لا يمكن أن يلمح المرء بطاقات ائتمان أو شيكات تدوّن، بل أوراق نقدية من فئة «الألف ليرة» تجمع لتسدّد ثمناً للكتب المدرسية المستعملة بالطبع، كتب من المنهج اللبناني تعاقبت عليها أياد عديدة، وتتعدّد أسماء «مالكيها» المكتوبة على الصفحات الأولى، «إلا أنها تبقى بالنهاية كتباً». في مكتبات حيّ السلم، هناك من يتفحّص الكتب جيداً، يدوّن أسعارها ويقارنها بأسعار المكتبات الأخرى، يساوم بشغف على الثمن، يتحسّر لأنه لا يملك المبلغ الكافي، فيشكو همه لزميل له اقتنص الكتاب نفسه. يحضر طفل لم يتجاوز السنوات العشر من العمر، حاملاً بيده 6 آلاف ليرة وقطعتين معدنيّتين. يطلب كتاب القراءة لصف الخامس أساسي، ويهدّد «أمي قالت أن تعطيني أفضل ما عندك وإلا...!». «يشتهي» هذا الطفل مطرة مياه، ينظر إليها بتمعّن، يسأل عن سعرها ليعود ويخرج جارّاً خيبة أمله إذ عجز عن استقبال الخبر المشؤوم حين أعلن البائع أنها بـ «5000 ليرة».
لم تمتلك زينة إلا 50 ألف ليرة فاشترت لابنها، في صفّ الثامن أساسي، كتابي الرياضيات والعلوم إضافةً إلى كتب اللغة العربية. اقترب العام الدراسي على البدء، ولم تكمل بعد كل الكتب لسامر، فيما «أمّنت كل كتب» ابنها البكر الذي يخوض هذا العام امتحانات البكالوريا.
«نحن من الناس والناس منا» يقول أحمد صاحب مكتبة لبيع وشراء الكتب المستعملة قرب موقف السيارات في حي السلم، مشيراً إلى تعاطفه الكامل مع أبناء منطقته. يتحدث أحمد عن حالات عديدة واجهها خلال هذا الشهر، فمن الأهالي من وقّع تعهداً بتسديد ثمن الكتب بعد شهور، ومنهم من حضر راجياً تبديل كتب العام الماضي دون دفع أي مبلغ إضافي. باختصار «العالم مخنوقة والعلم ضروري للخروج من هذه الرقعة».




«مقعد لكل تلميذ»... والفرص غير متكافئةفاتن الحاج

يحظى العنوان الذي تتبنّاه وزارة التربية والتعليم العالي في استراتيجيتها العامة، «مقعد لكل تلميذ»، باهتمام أطراف العملية التعليمية، لكون «الشعار» يستند إلى حق دستوري وإنساني لكل طفل ألا وهو حق التعلّم. لكنّ الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، فالسؤال الأهم هو: ماذا يفعل هذا التلميذ على هذا المقعد في التعليم الرسمي؟ وما هي نوعية المعرفة التي يتلقاها؟ ولا سيما في الحلقتين الأولى والثانية من مرحلة التعليم الأساسي (حتى السادس الأساسي)، وهل سنّ الالتحاق بالتعليم والخدمات التربوية المتوافرة في المدارس الرسمية توفر لأبناء هذا القطاع تكافؤ الفرص مع أترابهم في التعليم الخاص؟ وماذا عن
كفاءة المعلمين؟


يبدو من خلال خطط الوزارة واستراتيجياتها أنّ المشكلة ليست في نسبة الالتحاق بالتعليم، فوثيقة الرؤية التي أعدتها الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية ولجنة الاستراتيجيا الوطنية للتربية والتعليم في لبنان والتي قُدمت إلى وزارة التربية في 15/3/2007، تشير «إلى أنّ الالتحاق بالمرحلة الابتدائية من التعليم الأساسييكاد يصل إلى حد الإشباع (97%)، لكن مع الانتقال إلى الحلقة الثالثة (المتوسطة سابقاً) تنخفض النسبة إلى (68.5%)، ويلاحظ تدني نسبة المسجّلين في التعليم الأساسي الرسمي (37%)، مقابل (14%) في التعليم الخاص المجاني، (و49%) في التعليم الخاص غير المجاني». ويعاني الطرح المتمحور حول «فرص المتابعة الدراسية»، بحسب الرؤية، ثغرات عدة منها التسرّب المدرسي الذي يبدأ منذ الحلقة الأولى من التعليم الأساسي، ويزيد باطراد في الحلقتين الثانية والثالثة، ليصل إلى (27%) في نهاية المرحلة. وهناك أيضاً مشكلة الرسوب والإعادة التي وصلت إلى (20.3%) في الصف السابع الأساسي. وفي ما يتعلق بالتأخر الدراسي (من هم فوق العمر المقرر لصفوفهم)، فالنسبة طاولت 41% في السابع أيضاً.
وتلحظ الرؤية تفاوتاً بين المناطق الجغرافية في ما يتعلق بمتابعة التلامذة للتعليم، بحيث ترتفع نسب الإعادة والتسرب في الشمال والبقاع والجنوب والنبطية مقارنة مع بيروت وجبل لبنان.
من جهة ثانية، يُظهر مشروع خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع (2005 ـــــــ 2015) الذي أعدته وزارة التربية بالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والإنماء ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) «أنّ ضعف مستويات الالتحاق وتدني معدلات الإشغال في عدد كبير من المدارس الرسمية ليسا ناتجين من عدم توافر الفرص الدراسية بل بسبب عدم الاستفادة منها، ما يشكّل مظهراً من مظاهر أزمة الثقة بالمدرسة الرسمية التي يجب العمل على استعادة صدقيتها. أما المشاركة العالية للقطاع الخاص التي تطال ما يزيد على (63%) من تلامذة التعليم العام فهي تعكس دينامية هذا القطاع الذي عوّض تراجع القطاع الرسمي خلال فترة الأحداث واستثمر بنجاح اهتمام الأهل وحرصهم على تعليم أولادهم على رغم تحمّلهم المباشر كلياً أو جزئياً للأعباء المالية لهذا التعليم». وفيما كشف التسجيل هذا العام إقبالاً على المدرسة الرسمية، لم تتعدّ «هجرة» تلامذة التعليم الأساسي من المدرسة الخاصة الـ(10%)، على حد قول وزير التربية والتعليم العالي خالد قباني.

ضعف الروضات في «الرسمي» ودعت الرابطة إلى توفير تكافؤ الفرص بين الأطفال لجهة سن الالتحاق في مرحلة الروضة بين القطاعين الرسمي والخاص، مؤكدة أهمية توسيع هذه المرحلة من سنتين إلى ثلاث سنوات أسوة بالقطاع الخاص.
وشددت على تعزيز مرحلة الروضة وتعميم صفوف الحضانة في المدارس الرسمية كافة (45.4% من المدارس الرسمية لا يوجد فيها روضات أطفال)، داعية إلى استحداث إدارة أو مصلحة خاصة بالروضات في وزارة التربية، وإجراء مباراة دخول لـ«حادقات» أطفال من متخرجي كلية التربية في الجامعة اللبنانية لتعزيز هذه المرحلة، فضلاً عن إعادة هرم التعليم الرسمي إلى قاعدته الطبيعية لكونه هرماً مقلوباً رأساً على عقب، على حد تعبيرها، حيث 23% للروضة، 34% للابتدائي، 44% للمتوسط، و53% للثانوي.
من هنا، يدعو رئيس الرابطة حنّا غريب إلى إحلال شعار «مقعد لكل طفل» مكان «مقعد لكل تلميذ»، «فالتلميذ لديه مقعد أصلاً لأنّه كان مسجّلاً قبل أن ينتقل من مدرسة إلى أخرى ذات مستوى متدنٍ. أما الأساس فهو توفير مقعد لكل طفل بلغ سن الدخول إلى المدرسة (3 سنوات)، ويؤكد غريب ضرورة التركيز على أعداد الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدرسة ومتابعتهم، و«هنا نتحدث عن قانون إلزامية التعليم ومجانيته الصادر تحت الرقم 686 بتاريخ 16/3/1998، والذي أقرّ إلزامية التعليم حتى سن الـ12 سنة، وبقي من دون تطبيق لعدم إصدار المراسيم التنظيمية حتى اليوم». ويضع غريب شعار «مقعد لكل تلميذ» في خانة الترويج السياسي، معتبراً أنّ الإفقار الذي يتعرض له التعليم الرسمي يؤدي إلى تعميق الهوة بين القطاعين الرسمي والخاص.
وفي هذا المجال، يتحدث رئيس الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية الأستاذ في كلية التربية في الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان الأمين عن ضعف الخدمات التربوية التنافسية في الحلقتين الأولى والثانية من التعليم الأساسي الرسمي (الروضات والابتدائي) إن لجهة أداء إدارات المدارس، وإن لجهة افتقار بعض الأبنية المدرسية إلى أدنى مقومات التعليم وغياب التجهيزات التربوية، إضافة إلى تدريب المعلمين وسوء توزيعهم وعدم تكليفهم بالمهمات المناسبة لكفاءاتهم.
وبالنسبة إلى الروضات، يتوقف الأمين عند إشكاليتين تتمثلان بالمنهج «الخفيف» وسنوات التعليم (سنتين بدلاً من 3 سنوات) من جهة، وعدم لحظ أي ترتيب لتوظيف حملة اختصاص رياض الأطفال، كما يحبذ أن يسميها بدلاً من «حادقات» أطفال. ويخلص الأمين إلى القول: «التدابير لم تكن متكاملة في المنهج والكتاب والمعلم والمدرسة، بل كانت إجراءات مبعثرة أدّت إلى تعثر على مستوى الممارسة الفعلية في المدارس الرسمية»، كذلك يركز الأمين على إلزامية التعليم من دون مجانيته، «فالمجانية ليست مطروحة في الاستراتيجية، ولا نريد أن نكرّر تجربة المدارس الخاصة المجانية».
وهكذا يتبين أنّ وزارة التربية والتعليم العالي، الراعي الأول للتعليم في لبنان، لا تقوم سوى بتوفير التعليم العام لما يقارب 37% من تلامذة التعليم الأساسي فقط، وذلك على رغم الانتشار الواسع للمدارس الرسمية في المناطق اللبنانية كافة.
وعلى رغم هذا الواقع الوزارة ملتزمة، بحسب قباني، توفير مقعد دراسي لكل تلميذ، «فلا أحد يجرؤ على الوقوف في وجه حق التعلم، أياً كانت الظروف والأسباب، والدولة مسؤولة عن توفير المقعد الدراسي اللائق لكل طفل لبناني في كل مرحلة من مراحل التعليم العام ما قبل الجامعي، عبر مدرسة رسمية تتوافر فيها كل المؤهلات والكفاءات والمستلزمات الضرورية التي تسدي تحصيلاً علمياً على المستوى المطلوب».
ويؤكد قباني «أنّ الإدارة التربوية تضع نصب أعينها تحسين نوعية التعليم في لبنان من خلال إعداد الأستاذ والمعلم الكفوء والناجح وتوفير البيئة المدرسية التي توفر المناخ التعليمي المناسب لكل تلميذ».
وتسعى استراتيجية الوزارة، كما يقول قباني، إلى تعميم الروضات وخصوصاً في المناطق النائية التي لا تتوافر فيها هذه المرحلة من مراحل التعليم الأساسي، وكذلك في الأحياء السكنية المكتظة حتى لا يتأخر إسداء التعليم لفئة كبيرة من الأطفال اللبنانيين الذين لا يستطيعون أن يتسجلوا في المدارس الخاصة ذات التكلفة العالية.
ويوضح قباني «أننا نعمل على تأسيس روضات في مختلف المدارس ولا سيما المشيّدة منها حديثاً لأنّ هذه المدارس تراعي توفير المستلزمات لتطبيق المناهج الدراسية الحديثة من توفير قاعات للمختبرات والمعلوماتية والنشاطات اللاصفية وغيرها من المقومات التي تضع المدرسة الرسمية على مسار الحداثة». أما بالنسبة إلى المدارس القديمة فيقول قباني «نحاول أن نبني فيها روضات، لكنّ هذه العملية تتطلب وقتاً وجهداً وإمكانات، وعندما نتكلم على الإمكانات لا نقصد فقط الإمكانات المادية والمال للقاعات والصفوف، بل نحرص أيضاً على مواكبة نوعية التعليم ونعمل على إعداد معلمات متخصصات في تعليم الأطفال، إذ إنّ الحصول على إجازة أو شهادة معينة لا يوفر الكفاءة اللازمة لتعليم هؤلاء الأطفال، ونحن نعتمد في هذا الخصوص على كلية التربية في تخريج «حادقات» أطفال نحاول التعاقد معهن من أجل التدريس في هذه المرحلة».
ويضيف قباني: «ينصبّ عملنا حتى عام 2009 على رفع مستوى المدارس الرسمية وخصوصاً في مرحلة التعليم الأساسي التي تشكو من بعض العثرات والتأخر سواء من حيث البنيان المدرسي أو من حيث البيئة المدرسية أو الكفاءات اللازمة للمدرسة، وهنا لا بد من الحديث عن مشروع التدريب المستمر للمعلمين الذي قطعت به الوزارة شوطاً بعيداً بغية إعداد الكوادر التعليمية ذات الكفاءة العالية التي تستطيع أن تقوم بواجباتها وتنهض بالمدرسة الرسمية، وهذا البرنامج مستمر، وفي كل سنة نخرّج العديد من المعلمين والمديرين، في محاولة لتعزيز تكافؤ الفرص بين المدارس الرسمية والخاصة التي تتوافر لها الإمكانات لتقديم أفضل مستوى من التعليم».
ويردف الوزير قائلاً: «في لبنان لا نشكو من عدد التلامذة الذين يلتحقون سنوياً بالمدارس، فنسبة الالتحاق عالية جداً مقارنة مع العديد من الدول العربية المجاورة، أما الشكوى في هذا المجال فتنحصر بالتسرّب الذي يحصل في الصفوف الثالث والرابع والخامس والسادس الأساسية بسبب الرسوب الناتج من الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تنوء تحتها العائلات وتعجز عن توفير مستلزمات التعليم لأولادها.
من هنا فإن التخلف عن الالتحاق بالمدرسة بهذه النسبة الضئيلة لا يعود إلى عدم توفير مقاعد مدرسية لهذه الفئة من التلامذة، بل يعود إلى ظروف الأهالي، وتوجيهاتنا إلى مديري المدارس في لبنان بأن يوفروا مقعداً دراسياً لكل تلميذ يرغب في الالتحاق بهذه المدرسة أياً كانت الأسباب».
وعن تطبيق إلزامية التعليم ومجانيته، يرى قباني «أنّ الوزارة تسير في خطوات تستوجب وقتاً من الزمن لأنّها تتطلب من الإمكانات المادية وغير المادية التي لا تستطيع الدولة أن توفرها في لحظة معينة بل على مراحل».
نسأل الوزير «لكنّكم تضعون الاستراتيجيات والخطط وعناوين طموحة لا تنفذون منها شيئاً!»، يضحك ثم يقول: «هذا الكلام ليس صحيحاً، فاستراتيجيتنا ليست مجرد عناوين طموحة بل هي عناوين وُضعت لها برامج للتنفيذ خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهذه المشاريع التربوية تدخل ضمن الورقة الإصلاحية الشاملة التي أعدتها الحكومة لتوفير شبكة الحماية الاجتماعية، وقد طُرحت هذه الورقة على الرأي العام، وطالت قطاعات التربية والصحة والشؤون الاجتماعية، ونحن في التربية التزمنا، في استراتيجية إصلاح القطاع التربوي (خطة العام 2007 ـ 2009)، تفعيل إلزامية التعليم الأساسي لسن الخامسة عشرة، وإلغاء رسوم التسجيل في الحلقة الثالثة من الصف السابع حتى التاسع الأساسي، وتوفير تمويل صناديق المدارس، والبيانات للخريطة المدرسية المستقبلية من أجل المساعدة على اتخاذ القرار، وتطوير خطة لتوزيع المعلمين وذلك لضمان فاعلية التوظيف في المدارس كافة، فضلاً عن إصدار النصوص والبدء بتنفيذ برنامج التعليم الأساسي للجميع، وفي الخطة تأكيد على سعي الوزارة إلى القيام باستشارات لبحث سبل وإمكانية مشاركة المجتمع المحلي في تمويل صندوق الأهل، وتوفير الكتب المدرسية لتلامذة المدارس الرسمية من خلال اعتماد برنامج إعارة الكتب، إضافة إلى توفير وسائل نقل مجانية للتلامذة في التعليم الرسمي استناداً إلى خطة إعادة التوزيع».
ويشرح الوزير قباني «أنّ هناك سوء توزيع للمدارس في لبنان ما يدعونا إلى إعادة النظر في الخريطة المدرسية ودراسة المدارس المتعثرة وما يرافقها من مشاكل وهدر، وخصوصاً على الصعيدين التربوي والمالي».
وينفي قباني أن يكون «مقعد لكل تلميذ» شعاراً سياسياً، لأنّ «الشعار طُبّق في العام الماضي ولم يبق أي تلميذ خارج المدرسة حتى التلامذة الذين تركوا المدارس الخاصة ولم يستطيعوا أن يدفعوا الأقساط استقبلناهم من دون إفادات وعالجنا مشاكلهم وخضت شخصياً معركة مع اتحاد المؤسسات الخاصة التي اشترطت دفع الأقساط، فرفضت أن يؤخذ التلامذة رهينة».
ولم ينف قباني لجوء بعض المديرين إلى الاحتفاظ ببعض المقاعد لهذا أو ذاك من السياسيين، لكنّه يؤكد أنّه يطلب من مدير التعليم الثانوي ومدير التعليم الابتدائي إبلاغ هؤلاء المديرين بأنه في حال رفض أي تلميذ أياً كان انتماؤه «سيصدر قرار بيحطّو ببيتو». ويشير إلى «أنني ألبّي كل من يقصدني في مكتبي، وهؤلاء لا أعرفهم من أين ولا إلى أي فئة ينتمون».




تناقض بين القانون والواقعوتسجّل الدجاني تناقضاً بين قانون إلزامية التعليم ومجانيته حتى 12 سنة، وقانون العمل الذي يجيز العمل للأولاد بعمر 14 سنة. من هنا، ترى أنّ التعليم ليس من مسؤولية وزارة التربية وحدها، إنما أيضاً من مسؤولية وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية. وتلفت إلى أنّ «اليونسكو» تدعو إلى تغييب التناقض بين القوانين المعتمدة في الدول المختلفة.
وتتطرق الدجاني من جهة ثانية، إلى الرعاية غير الكاملة في لبنان للتلامذة ذوي الحاجات الخاصة، وإن كان هناك حالياً قانون في مجلس النواب بهذا الشأن، وتتحدث عن جهود مكثفة في هذا الإطار، إذ عُقد مؤتمر وطني على هذا المستوى، لكنّ الأمر يحتاج إلى متابعة، على حد تعبيرها. كذلك تتحدث الدجاني عن بؤر في المناطق النائية، حيث الحاجة ملحة إلى تطوير الجهود المبذولة لمحاربة التسرب، عبر تقديم الحوافز للعائلات الفقيرة، كما يحصل في بعض الدول مثل برنامج الغذاء العالمي الذي يقدم وجبات غذائية للتلامذة كحافز للالتحاق بالمدارس.
ومع أنّ لبنان لا يصنّف من ضمن الدول الفقيرة، فهو يضم عدداً لا يستهان به من الجمعيات الأهلية التي تملك القدرة، بحسب الدجاني، على المساهمة في دعم الأهالي ومساعدة التلامذة. فالجمعيات، تقول الدجاني، مطالبة بدور مجتمعي كشريك حقيقي مع الدولة.




هل قلت مدرسة؟تعيش زينب في كنف عائلة مكوّنة من 11 شخصاً، إخوتها «الصبيان» هم أيضاً لم يلتحقوا بأية مدرسة.
وعلى بعد كيلومترات قليلة من منزلها، تلهو فاطمة خزعل (8 سنوات) في أحد الكروم. غادرت فاطمة المدرسة في سن مبكرة، لكنّها تبدي حماسةً لفكرة العودة إليها بعدما تركت التعليم لظروف قاهرة «أنا بحب روح عالمدرسة لكن أهلي لا يملكون المال لتسجيلي في مدرسة رسمية» تقول الفتاة بحسرة.
تقضي فاطمة معظم وقتها مع أمها في المنزل «وإخوتي يذهبون مع أبي إلى المشاحر بالجرد». تحزن لأنها لا تجيد الكتابة جيداً «بس اسمي وبعض الأحرف» فالكتب تغيب بالطبع عن منزلها ولا أحد في عائلتها يجيد القراءة والكتابة لتعليمها.
لا تختلف ظروف رواد ياسين (9 سنوات) عن فاطمة خزعل، فرواد التحق بالمدرسة حتى صف الابتدائي الأول، «ورجعنا طلعنا أنا وإخواتي الثلاثة لأّنو ما معنا 50 ألف كل سنة لنتسجّل، وهلق منشتغل مع بيي، أنا برعى الغنمات وإخواتي بيزرعوا، وأوقات منروح على المشاحر ومنبقى 15 يوم». لا يتذكر رواد الكثير عن عالم المدرسة، فقد مضى وقت طويل منذ زار مدرسته للمرة الأخيرة، لكنه يؤكد «بس بحب شوف كيف بيدرسوا وبيقروا قصص».
في المقابل، يتحدث الأستاذان البقاعيان مالك دندش وعلي ناصر الدين عن ضعف ارتباط الأهالي بالمدرسة، فهم ينتظرون مبادرات رسمية أو مساعدات خارجية لتعليم أولادهم، وغالباً ما يتلكّؤون ويتأخّرون عن مواعيد التسجيل، ما يؤدي إلى تأخير السنة الدراسية كل عام شهراً كاملاً عن الموعد الرسمي. وعن الخدمات التربوية في مدرسة الزيرة الرسمية، يقول دندش: «تبعد المدرسة على مسافة 3 كلم من الطريق العام، وتعاني نقصاً في وسائل الإيضاح، لكنّ بناءها جيّد نسبياً، وهي تضم 50 تلميذاً و10
أساتذة».
ويؤكد دندش أهمية بناء مجمع المدارس في البقاع لدمج «المدارس المتعثرة»، وخاصة أنّ بعض المناطق تعاني نقصاً في عدد المدارس وتشكو أخرى من فائض، ففي عرسال، مثلاً، هناك 6 «تكميليات» تضم الواحدة منها بين 200 و300 تلميذ. ويتوقف دندش عند أزمة التعاقد، ورفض الأساتذة في الملاك الانتقال إلى مدرسة جديدة على رغم عدم الحاجة إليهم في مدارسهم، «لكنّهم محميون سياسياً».
على صعيد آخر، يوضح دندش «أننا لا نستفيد من الدورات التدريبية للمعلمين لعدم إمكانية تطبيق ما نتعلمه في مدارسنا، فضلاً عن ترهل الكادر التعليمي».




مدرسة الولد الأول واسطة واختبارراجانا حمية

التوازن الطائفي و«البرستيج» هما من شروط تفرضها مدارس تتمتع بسمعة ممتازة وتفرض أقساطاً «خيالية» لقبول التلامذة في صفوف الروضة الأولى، فكلّما كانت الواسطة على «قد المقام»، كان حظّ الطفل في الدخول إليها كبيراً. وتنص القاعدة على أن يأتي الأهل بواسطة من زعيم طائفتهم أو من مسؤول في إحدى السفارات الغربية الفاعلة في لبنان


المشهد يتكرّر... والسؤال «اليتيم» أيضاً، فمع بداية كلّ عامٍ دراسي، يُمسك محمّد عزيز سمّاعة الهاتف للاطمئنان على صديقه الإعلامي، ثمّ يزجّ بسؤاله المعتاد «دخلك كيف فينا نوصل للرئيس نبيه برّي من شان هالبنت؟». وهو يحلم بأن يتوسط أحدهم لدى برّي لأن «من يملكون الواسطة في البلاد» قالوا له إنها الوسيلة الوحيدة ليسجل ابنته في الـ«كوليج بروتستانت» أو الـ «I C»، ولو وصل الأمر به إلى دفع أضعاف ما قد تطلبه أيّة مدرسة أخرى. محمّدلا يمل من تكرار «سؤاله السنوي» رغم أنّ ابنته قد دخلت منذ سنتين مدرسة «محترمة». في أحد الأيّام، كانت إحدى المدارس العريقة في حاجةٍ إلى استكمال تلامذتها... وصودف في ذاك اليوم أن تقدّم زكريّا زويني بطلب تسجيل ابنته في المدرسة. يومها لم تحتج الابنة إلى الخضوع لاختبار خضع له الكثير من الأطفال، فإدارة المدرسة أرادت أن تكون الطفلة مسجّلة في خانة «الطائفة الفلانية»... والباقي «بيتعوّض»! ولعلّ التوجّه بتلك الحقائق إلى إدارات تلك المدارس يدفعها إلى التمسّك بخيارين لا ثالث لهما، فإمّا يتهرّب المسؤولون فيها من الإجابة، أو يصرّون على تأجيل الرد أسابيع بحجة انهماك الطاقم الإداري بـ«مشاغل» تسجيل التلامذة، وقد تجيب إحدى المديرات «Please ممكن تتركي رقمك وبنرجع نحنا نتّصل، لأنّه كتير مضغوطين»، لكن الاتصال يتأخر.
إذاً يبقى اختيار المدرسة العريقة هاجس الأهالي أملاً بأن ينال الطفل الأول شرف الانضمام إلى المؤسسة «الحلم». البعض يفكّر بالمدرسة «النموذجيّة» قبل ولادة «صاحب العلاقة» في بعض الأحيان، والشروط صارت تتضمن إضافة إلى المستوى التعليمي، «المستوى الطائفي» والنشاطات اللاصفية الرديفة واللغة الأجنبيّة والنظام... والغريب في الأمر أن السيدات الشابات هن اللواتي يخضن في أغلب الأحيان غمار الحديث في هذا الموضوع.
اختلطت مشاعر ميرنا التي تبحث لطفلها الأوّل عن مدرسةٍ تناسب مستقبله. تقدّمت إلى «الليسيه عبد القادر» متأبّطة كل مستندات الصبي البالغ من العمر 3 سنوات، وشعرت بالرهبة خلال المقابلة التي أجرتها مندوبة المدرسة معها ومع الوالد بشأن عملهما و«مدارسها»، إضافة إلى أسئلة عن سلوك طفلهما واللغات التي يتقنها (!) لكن الصبي لم ينجح في الاختبار
كندة الريس لم تشعّب خياراتها، اختارت الـ«الكوليج بروتستانت» لكونها «الأقرب إلى نموذج المدرسة التي تعلّمت فيها في فرنسا». إلاّ أنّها شكت من «شويّة defaut» بالنسبة إلى اللغة العربية، فقد بات الولد يكتب كلماته العربية بأحرفٍ لاتينيّة. يمنى ناصر الدين من جهتها، أرادت مدرسة خاصة علمانيّة «يعني ما بتدرّس دين»، وتراعي التوازن بين اللغة العربية واللغات الأجنبيّة.
أما هبة المصري فجلّ ما يهمّها «توفير مواصلات جيدة من المدرسة وإليها، ووجود عناية كافية بالطالب وتوفّر التدفئة، والاهتمام بالأنشطة المختلفة إلى جانب الاهتمام بالمستوى التعليمي المتميز». جارتها ليالي، اتفقت مع زوجها على تسجيل أول أبنائها في مدرسةٍ «معروفة بارتفاع أقساطها»، حتّى لو اضطرّا لاقتراض مبلغ لتغطية أقساط المدرسة ومصاريفها، فـ«كلّما دفعنا أكثر بيعطوهن دروس ونشاطات أكثر». مدرسة خاصّة «على قد الحال» هي ما يفكر به بعض الأهالي «تكون مريحة بأقساطها ومستواها التعليمي... ومن دون نشاطات رديفة». وقد يبرّر البعض اختيار مدارس «متوسّطة المستوى والمصاريف بأنّها تعوّد الطفل على التواضع، وتعلّمه أيضاً أن لا تتكوّن ثقته بنفسه من خلال أغراضه».
أمّا رانيا بو ناصيف، فقد رأت أنّ الأقساط ليست بالضرورة مؤشراً إلى المستوى التعليمي في المدارس، وفضّلت أن تسجّل ابنتها في المدرسة التي تعلّمت فيها لأنّها خبرت مستواها التعليمي وأقساطها وتوجّهها «اللاطائفي ».
العامل «الديني» لم يغب كلّياً عن خيارات بعض الأهالي، أمّهات كثيرات يعتبرن وجود مادة «لتدريس الدين ضمانة لتصرّفات أطفالهنّ». هكذا اختارت منال لابنها مدرسة معروفة بتوجّهها الديني، وإن كانت تبعد عن منزلها آلاف الأمتار، فبرأيها «من الأفضل لطفلي أن يتعرّف إلى دينه منذ الصغر، وأن يتمسّك به كي يستطيع مواجهة صعاب الحياة».




صبوبا الرسميّة على هامش الحياة

بين اللبوة والهرمل في البقاع، في مكان ما بعيد عن الرؤية ثمّة حياة تتناقض مع إيقاع حياتنا اليومية، وثمة أشخاص آخرون يعيشون بصمتٍ حياة موغلة في الماضي، لم يختاروها ولكنهم وجدوا أنفسهم منسيين داخلها، يستقلّون ببقعةٍ صغيرة «آخر ما عمّر الله»، تحاصرهم الطبيعة وحدها. إنهم أبناء «صبوبا» التي لا يعرفها سوى من وُلد وأُجبر على العيش فيها.
بيوت قليلة وبسيطة «منثورة» وسط التلال، أصحابها فقراء بل معدمون تؤرقهم لقمة العيش التي تعتمد على ما يجنونه من الزراعة وتربية المواشي وصناعة الفحم. اختار كثيرون أن يهجروا تلك القرية التي لم يعد يتجاوز عدد سكّانها اليوم حوالى 150 نسمة، بينهم أطفالٌ يشغلهم مستقبل محسوم قبل أن يولدوا، فهم سيعملون حتماً في الزراعة أو في «المشاحر». مدرسة القرية الوحيدة غارقة في الحرمان، تبعد 9 كيلومترات عن «الطريق العام».
يأتي أفراد الهيئتين الإدارية والتعليميّة من البلدات المجاورة لكن معظمهم لا يملكون سيارة. فـ«السواد الأعظم» من أعضاء الهيئة متعاقدون بالساعة ولا يقبضون «إلا عندما تأذن الدولة بذلك... إن أذنت».
حكاية «صبوبا» الرسميّة بدأت في الثمانينيات من القرن الماضي، وكانت في بداياتها مؤلفة من غرف صغيرة متفرّقة بين بيوت الضيعة توجب على المدرّس التنقّل بين البيوت لتكملة ساعات تدريسه. بعد سنوات قليلة أي في أواخر الثمانينيات تم استئجار غرفتين لتلامذتها الذين لم يتعدّ عددهم الخمسة عشر تلميذاً، وبقيت على حالها حتى عام 1994 حين قامت لجنة التنسيق في البقاع الشمالي ببناء أربع غرفٍ تستوعب التلامذة الثلاثين. في العام الدراسي 2001 _ 2002، أعيد افتتاحها لتحضن خمسين تلميذاً وعشرة أساتذة، اثنان منهم فقط في الملاك. هذا العام لم يتغير الكادر التعليمي والإداري وكذلك عدد التلامذة، لكن ورشة ترميمٍ و«تجميعٍ»، واليوم سينتهي العمل في غرفتين تمت إضافتهما إلى «مجمع» المدرسة، وسيتم تجهيزهما بطاولاتٍ وكراسٍ. وكان سفير النوايا الحسنة في الأمم المتّحدة اليونيسف الممثّل محمود قابيل قدم دعماً لتشييد غرفة للروضة الأولى، ويلفت مدير المدرسة نوّاف المولى إلى «أنّ منظّمة اليونيسف وعدتنا بتقديم مكتبة ومولّد كهربائي وعدد من أجهزة الكومبيوتر وجهازي تلفزيون وفيديو». أخيراً ستُنقل إدارة صبوبا الرسميّة من غرفة صغيرة جانبيّة مسقوفة بألواح «التوتيا».
غرف الصفوف لا تتعدّى مساحتها أربعة أمتار مربعة، ولا تتسع إلا لعشرة تلامذة. وبسبب «الحاجة إلى الغرف وقلّة التلامذة» يعمد المولى إلى دمج بعض الصفوف في غرفة واحدة، على أن يدرّس تلامذة كل صف من الصفوف المدموجة برنامجهم الدراسي على حدة. وفي هذا الإطار ينتقد المولى، كما الكثيرون من الأساتذة، نموذج الكتاب الموحّد الذي تقدّمه وزارة التربية والتعليم العالي، إذ إنّ قدرة استيعاب هؤلاء التلامذة «بسيطة مقارنة بتلامذة آخرين»، كما إنّ «وقتهم» لا يسمح للأساتذة باستكمال المنهاج كاملاًً، والمساحة الضيّقة والتجهيزات المتواضعة لا تسمح لهم بتطبيق عمل المجموعات، الأمر الذي يجعل من تطبيق المنهجية الجديدة في صبوبا تحديداً بدعة يجب إيجاد بديلٍ لها.
الأساتذة المتعاقدون لا يتقاضون راتباً شهريّاً لا يملكون المال الكافي ليستقلّوا سيّارة أجرة يومياً «خمسة آلاف بالطلعة وخمسة أخرى بالنزلة!»، في الوقت الذي تحتسب فيه وزارة التربية الساعة بستّة آلاف ليرة. هكذا يصير «السير على الأقدام» هو وسيلة النقل الأوفر لقطع تسعة كيلومترات والوصول إلى المدرسة، وقد يصل الأستاذ عندما يقرع الجرس مؤذناً بانتهاء ساعة الدرس، أو قد لا يأتي هؤلاء الأساتذة إلى المدرسة. المشكلة الثانية تتمثل بغياب الصفوف الثانوية، والانتقال إلى بلدة أخرى لاستكمال التعليم أمر «مستحيل» بالنسبة إلى غالبية التلامذة.
أبناء صبوبا لا يقدرون على دفع رسوم مجالس الأهل التي تتراوح بين 10 آلاف و50 ألف ليرة لبنانيّة، والتي تخصص لشراء مازوت التدفئة، ومصاريف «شطف المدرسة من الوحل في الشتاء» وغير ذلك . وقد يلجأ بعض الأهالي إلى تقسيط المبلغ «ريثما يحين موسم بيع الغلّة». ويلفت المولى إلى أنّ صندوق المدرسة لم يشهد «ازدهاراً» طوال فترة وجوده، وقد نضطر في بعض الأحيان إلى تسديد النقص من «جيوب الأساتذة». الموسم الدراسي هو الأقصر موسم بين كل مدارس المنطقة. تلامذة صبوبا يتوقفون عن الدراسة مع موسم «المشاحر» وقطف المواسم. وتضطر الفتيات مع بداية آذار إلى ترك المدرسة لفتراتٍ كثيرة قد تمتدّ حتى نهاية العام، فخلال هذه الفترة، يرحل الوالدان إلى مشاحر الفحم وقد يقضيان ما يزيد على خمسة عشر يوماً، تتكفل خلالها الفتاة بتنظيف المنزل والطبخ و«حلب البقرات». ويشرح المولى معادلة صبوبا الرسميّة «الغريبة»، إذ إنّ النجاح فيها يقتصر على الفتيان خلافاً لما هو متعارف عليه... الفتيات في صبوبا «معفيّات» من النجاح.
راجانا...




العملية التربوية ليست على ما يرامبيسان طي

تطوير المدرسة الرسمية وملاءمة المنهج مع المتطلبات اليومية


ركزت حطيط في لقاء مع «الأخبار» على مرحلة الأولى من عمر الطفل في المدرسة، مستندة إلى ما أثبتته دراسات لبنانية وعربية ودولية.
«مدرستنا لا تسير كما ينبغي» تؤكد حطيط، رغم الإيجابيات التي نتلسمها من خلال تدنّي نسبة الأمية وبعض المبادرات الخلاقة في الميدان التربوي والاهتمام بذوي الحاجات الخاصة وغير ذلك، لكن هذا لا يعني «أن العملية التربوية تسير دائماً في الطريق السليم».
لفتت الأستاذة الجامعية إلى أننا إذا قارنّا تحصيل أولادنا مع تحصيل الأولاد في الدول العربية فإن التلامذة اللبنانيين ليسوا في المراتب الأولى، بل يحتلّون مراتب متأخرة في بعض المواد مثلما هي الحال في مواد العلوم مثلاً حسبما بيّنت دراسات أجريت قبل سنتين.
الحديث عن التعليم يجب أن يشمل المدارس الرسمية والخاصة، ورغم أن ثمة ميلاً واضحاً لدى اللبنانيين إلى النظر إلى التعليم الخاص باعتباره أفضل شأناً من التعليم الرسمي، يجب التوقف عند أمر غاية في الأهمية والتفريق بين المدارس الخاصة، إذ هناك مدارس جدية ومدارس سيئة جداً وهي لا تبغي سوى الربح، في هذه المدارس تتم الاستعانة بأساتذة غير مدربين أو غير مؤهلين للتعليم.
هذه الحالات لا يمكن أن نصادفها في المدارس الرسمية، حيث كل أساتذة القطاع العام من المؤهلين وحمَلة الشهادات، لكن حطيط ترى ضرورة تأهيلهم بشكل أفضل، وإلى ضرورة تطوير المدرسة الرسمية وتحسينها.
وفي هذا الإطار لفتت إلى أن كلية التربية في الجامعة اللبنانية تخرّج معلمين ومعلمات معَدّات أفضل إعداد لتأدية الدور التعليمي والتربوي المميز، لكن المدرسة الرسمية لا تستعين بهن رغم أنهن قادرات على إحداث تغيير جيد وخاصة في مرحلة رياض الأطفال، فانطلاقة جيدة للطفل في حياته المدرسية ستوفر عليه بالتأكيد مشاكل الرسوب أو التأقلم في مراحل لاحقة. وبما أن إمكانات المدرسة الرسمية محدودة فإن هؤلاء الخريجين مؤهلون لتكييف أدائهم مع هذا الوضع الخاص.
وقد لفتت حطيط في إطار الحديث عن المدرسة الرسمية إلى أن دور المعلمة يزداد أهمية في المدارس التي تغيب فيها
التجهيزات.
وتسأل حطيط هل نعرف ماذا يُعلَّم في كل المدارس؟ هل الدولة تعرف؟ من يضبط هذا الأمر؟ من يُراقب؟ إنه التعليم الحر حيث تبدو كل مدرسة كأنها تغنّي على ليلاها.
وشددت حطيط إلى خطورة هذا الأمر في إطار الوضع اللبناني حيث الانقسام حادّ بين أبناء الوطن وعلى المدرسة أن تكون المؤسسة التي تحمل مشروعاً وطنياً جامعاً.
إنه الواقع السياسي المتقلّب الذي يشغل اللبنانيين، وعندما يكثر تداول ما يُسمى العناوين الكبيرة يغيب الاهتمام بالعناوين الأخرى الأكثر ملامسة لحياتنا اليومية.
هنا تسأل حطيط عن غياب التفكير بخطوات تغييرية فعلية وتقول: في خضم الانهماكات السياسية نتهلّى بأمور خلافاتنا، مذكّرةً بتوجه عالمي يزداد انتشاراً وتأثيراً، إذ لم تعد العملية التربوية حكراً على المدرسة، بل تشارك فيها بلديات مثلاً من خلال افتتاح مراكز ثقافية ومكتبات وإقامة نشاطات مرتبطة بالتعليم.
وتضيف الدكتورة حطيط خلال حديثها عن العمل التربوي في لبنان يجري التركيز على الكبار «لا نولي اهتماماً كافياً للأطفال، لا نهتم لأمر توفير بيئة مريحة لهم، ننسى أنهم يتلقّون الصدمات مثلنا وانعكاسات البيئة السياسية الضاغطة».
حطيط ركّزت في كلامها على الواقع السياسي والأمني المتقلب في لبنان، إنه الواقع الذي نعانيه منذ الحرب الأهلية التي انطلقت شرارتها عام 1975، «اللااستقرار» طبع حياتنا لفترات طويلة منذ ذلك التاريخ، وفي هذا الإطار تسأل حطيط لماذا لا نبحث في «منهج رديف» يُعطى للتلامذة في حالة العدوان أو الاضطراب الأمني، يتضمن كل الأمور الأساسية التي يجب تدريسها للتلامذة كيلا ينتهي العام وقد فاتت التلامذة دروس كثيرة.
وبعيداً عن الوضع الأمني دعت حطيط إلى تطوير الرؤية والممارسات التعليمية بما يتلاءم مع الحاجات اليومية التي نلمسها من خلال ما يعيشه التلامذة.
ودعت حطيط إلى العمل من أجل أن يشعر الطفل بأن المدرسة مكان يحبه. وتوقفت عند أهمية توثيق علاقة الأهل بالمدرسة، لافتة في هذا الإطار إلى أن توثيق هذه العلاقة من الاتجاهات الجديدة في العالم، إذ صار للأهل دور إيجابي في متابعة العملية التربوية والمشاركة فيها. كذلك ركزت على أهمية أن تفتح المدرسة الرسمية بشكل خاص قنوات اتصال مع ذوي التلامذة.
المسألة الأهم هي كيف ننسج علاقة مميزة بين الطفل ومدرسته، فلنجعل العملية التعليمية تمتد إلى خارج جدران المدرسة، وليصرْ إلى التركيز على المواد التي تنمّي شخصية الطفل وهي من الأدوات التي يعبّر بها، مثل الرسم والموسيقى والمسرح وغيرها من دروس الفنون.
حطيط دعت أيضاً إلى اعتماد حصص أسبوعية للمطالعة، دون أن تنتهي هذه الحصص بامتحانات أو اختبارات قاسية، هكذا ننمّي علاقة الطفل مع المطالعة. وقالت أيضاً «فلنعد الاعتبار إلى فكرة اللعب في المدرسة» أي الدرس أحياناً من خلال اللعب «هكذا سيتعلم صغارنا بشكل أفضل وهم يلعبون».




«مون لاسال»

حَرَمٌ «نموذجيّ»؟يتنقل التلامذة بين الأشجار، وقد تجدهم يبتعدون خلال الفرصة عن مبناهم، والسبب أنّ الإدارة لا تحصرهم في ملعب واحد، وإن كانوا يفضلون الجلوس في مجموعات قرب مكان التدريس كي يسمعوا قرع الجرس فقط. هكذا يريح تلميذ «المون لا سال» نظره وجسده، ليعود مرتاحاً إلى قاعة الدراسة.
تبدأ الجولة من مبنى الإدارة، برفقة مدير المدرسة جورج غانم الذي يصرّ على أن تكون سيراً على الأقدام، لنتمكن من اكتشاف البيئة التي يعيش فيها التلامذة.
يحرص غانم في البداية على التأكيد «أنّ حرم المدرسة ومقوماتها لا يعنيان أنّها مدرسة للأغنياء، لأنّ شعارنا هو تعليم المعوزين»، مشيراً إلى أنّ الأقساط مدروسة والمساعدات تصل إلى مئات الملايين من الليرات.
يبدو كل قسم دراسي بهيكليته الإدارية وتجهيزاته مدرسة بحد ذاتها، وإن كانت كل مرحلة من مراحل التعليم العام والمهني والتقني (إلكترونيك ـــــ محاسبة ومعلوماتية) مرتبطة بالإدارة المركزية.
نتوقف قليلاً عند قسم الروضات، باعتباره المرحلة الأهم في التعليم الأساسي. تشرح مسؤولة القسم ديزيريه غانم «كيف أنّ المدرسة تضع قسمنا ضمن أولوياتها». وتقول: «تدرّب معلماتنا المتخصصات بحضانة الأطفال تلامذتنا على النشاط الجسدي الذي يساعدهم على اكتساب مهارات الكتابة والقراءة في المستقبل، على أنّ حصص المحادثة الشفوية تكون باللغة الفرنسية التي تطغى على اللغة العربية». وعما إذا كان الأمر مُشابهاً في كل المراحل، يوضح جورج غانم «أننا مؤسسة فرنسية، واللغة الفرنسية هي لغة التخاطب اليومية مع تلامذتنا، من دون أن يكون الأمر على حساب اللغة العربية الأم التي تأخذ حيّزاً من اهتمامنا، وإن بدرجة أقل».
وبالنسبة إلى التعليم الديني، يوضح غانم «أنّ ما نعلّمه ليس تعصباً بل مكملاً للتربية الوطنية، ونقدّم لتلامذتنا بعض القيم الأخلاقية في الديانات». يذكر أنّ هناك مبنىً مخصصاً للنشاطات الروحانية والاجتماعات الدينية.
أما في ما يتعلق بالرسم والموسيقى، فيندرجان ضمن المنهج الدراسي، ويجري تقويم التلامذة بعلامات محسوبة. غير أنّ ما يميّز «مون لاسال»، بحسب مسؤولة مدرسة الرسم كلود الزغبي، هو أنّ التلامذة لا يخضعون لهذه المواد في قاعاتهم الدراسية، بل في محترفات خاصة مجهّزة بكل المستلزمات الضرورية التي تؤهلهم للإبداع ونيل الجوائز في مسابقات خارجية.
تقرن «مون لاسال» تحصيل الطلاب التعليمي بالأبحاث العملية التي يجرونها في مركز التوثيق والمعلومات، وفيه يتوافر إمكان الإبحار في شبكة الإنترنت، وفيه أيضاً غرفة تحتوي على التجهيزات السمعية والبصرية لمناقشة الأفلام. وتؤكد مسؤولة المركز، غيلدا رعد «أنّ زيارة المركز إجبارية، وتحسب ضمن النشاطات المقررة في المنهج». وقد استحدثت «مون لاسال» في العام الماضي مركزاً للإرشاد النفسي، يضم متخصصة نفسية، تساعد التلامذة الذين يعانون من صعوبات في النطق، وتدربهم على مهارات الكتابة، فضلاً عن مرشدة نفسية ومعالجة نفسية، وممرضة تداوم على مدار الساعة.
على صعيد آخر، تؤدي «مون لاسال» دوراً رياضياً تاريخياً، وتحرز البطولات المدرسية والاتحادية، عبر سياسة رياضية يتحدث عنها مدير القسم الرياضي جهاد سلامة، فيلفت إلى «أنّنا نطلب من كل تلميذ اختيار لعبة من 18 لعبة اتحادية في نادي «مون لاسال»، ويتدرب عليها طوال سنوات دراسته، تحت إشراف أساتذة متخصصين، ويشير سلامة إلى «أننا ننظم نشاطات لاصفيّة بعد الدوام، بمساهمات رمزية، ونؤمن وسائل النقل».
وإذا كان التلامذة يحظون بكل المقومات التي تجعلهم يعززون تحصيلهم التعليمي وأبحاثهم، فالأساتذة، كما يقول رئيس رابطة المعلمين في المدرسة وأستاذ اللغة العربية أنطوان مدوّر، يخضعون لكل الدورات التدريبية التي تنظمها وزارة التربية والتعليم العالي، والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، والمركز الثقافي الفرنسي، والمكتب التربوي في المدرسة، الذي يأخذ على عاتقه التأهيل الداخلي والخارجي.
فاتن...




اليوم الأول: حماسة وخوف... وورشة المقالب انطلقت ليال حداد

Back to School، ملأت هذه العبارة مجدداً مسامعنا من خلال الإعلانات، واستعدادات الأهل. المعنيون بهذه العبارة، أي التلامذة يتعاطون معها بأساليب وانطباعات مختلفة. حماسة للعودة إلى الدروس أو خوف من الأمر، الحديث مع «العائدين» إلى المدرسة يكشف «كمّاً» كبيراً من المخاوف والاهتمامات التي تعكس بالطبع تنوعاً في شخصيات أصحابها


تقف لين (4 سنوات) أمام مجموعة الحقائب المدرسية في المكتبة المجاورة لبيتها في الزلقا. انتقال الفتاة الصغيرة الى الصف الاول ابتدائي أمر مهم بالنسبة إليها وعليها أن تشتري حقيبة ترافقها تسعة أشهر. تبدو لين متحمسة جداً للعودة إلى المدرسة: «بدي شوف دوموازيل كاتيا ومدام ماري»، وحين تخبرها أمها أن معلمتها ستتغير تجهش الصغيرة بالبكاء وهي تردد: «انا بدي دوموازيل كاتيا او ما بروح على المدرسة».
مطلب لين يتكرر على ألسنة كثيرين من تلامذة الصفوف الابتدائية. معظمهم يريدون معلمة السنة السابقة. زياد ماضي سينتقل إلى الصف الرابع الابتدائي في مدرسة «مون لا سال» في عين سعادة، وهو يتمنى أن تكون معلمته او استاذه «مهضومين» ويشرح: «انا كتير شيطان والاساتذة ينهرونني ويصرخون في وجهي»، إلا ان مشكلة «الاساتذة» لا تلغي حماسته للعودة الى المدرسة ورؤية رفاقه: «رفيقي جاد سافر إلى فرنسا وقال إنه يحمل لي هدية، وسيعطيني إياها حين نعود إلى المدرسة».
«قم للمعلم وفّه التبجيلا» قال الشاعر، لكن يبدو أن تلامذة الصفوف الأولى وحدهم مقتنعون بالأمر، الأكبر سناً مشغولون بأمور أخرى. محمد ابراهيم (8 سنوات) لا يبدي أية حماسة للمدرسة: «لا احب الدرس ولا احب الفروض التي نحلها في البيت، كأن ثماني ساعات في المدرسة غير كافية». يواجَه حديث محمد بتصفيق رفيقيه في مدرسة المقاصد في بيروت حسن وربيع، الأخيران يعدّان خططاً بهدف إقناع اهلهما بالعدول عن إرسالهما الى المدرسة في يومها الأول. يقول ربيع: «سأضع بصلًا تحت إبطي وأطلب من امي أن تقيس حرارة جسدي، فأخي علمني ان البصل تحت الابط يرفع الحرارة». تعجب هذه الفكرة حسن، ويقرر هو أيضاً اتباعها.
الشبان والفتيات الاكبر سناً لهم رأيهم المختلف في العودة الى المدرسة. سابين ونينا تلميذتان في مدرسة القلبين الاقدسين تبلغان من العمر 16 عاماً. تجلس الفتاتان في مقهى في الحمرا وتتحدثان عن اليوم الاول للمدرسة: «هذه السنة سأرتدي الجينز، وإن لم يعجب الامر الراهبة المسؤولة فلتتصل بأهلي» تقول سابين التي لا يعجبها زي المدرسة، فالسروال «مشابه لما يرتديه الرجال، ولن أرتديه مهما كان الثمن»، تكمل رفيقتها نينا بشيء من الاستفزاز: «سابين لديها حبيب جديد وتخاف أن يراها وهي عائدة من المدرسة بالـ «كوستوم» البشع».
نينا من جهتها، متحمسة للعودة الى المدرسة بأسرع وقت ممكن، وتقول: «البرونزاج ما زال ظاهراً عليّ، وإذا تأخرنا فلن يلحظ التلامذة بشرتي السمراء، هذا هو الامر الوحيد الذي يجعلني متحمسة للعودة الى المدرسة، والأمور الأخرى مملة ومتعبة، خصوصاً الدروس والفروض المنزلية».
لشباب الصف الثالث ثانوي مشاكلهم الخاصة. عمر جبور، القاطن في جبيل، تعوّد التدخين في الصيف بعدما عمل في مطعم، وتبدو العودة الى مقاعد الدراسة والبقاء لساعات طويلة دون تدخين أمراً صعباً بالنسبة إليه «قد أدخّن في الحمام، بس اذا لقطوني بيخربولي بيتي». يتابع عمر اللعب بعلبة السجائر، تلمع في رأسه فكرة «بريئة» ويتساءل «لماذا لا أخبر الناظر أنّي أدخّن؟ فهو أيضاً يدخن وقد يتفهمني».
إلا أن العودة الى المدرسة «ليست كلها سيئات»، فهناك من يرغب بالرجوع اليها بعدما ملّ الصيف والبحر أو اشتاق الى رفاقه. مصطفى حمية (13 عاماً) ينتظر أيضاً بفارغ الصبر أن تفتح المدرسة أبوابها ليترك قريته البقاعية ويقفل عائداً إلى بيروت والى مدرسته في الشويفات. وفيما يجهد الأهالي للبحث عن سبيل لدفع اقساط المدارس، يفكر بعض الاولاد بـ «الطريقة المثلى للتعرض للطرد من المدرسة لعشرة ايام منذ الاسبوع الدراسي الأول». رافي توفنكجيان وهاغوب ساسيان قرّرا حمل ثعبان أليف ليضعاه في مكتب مديرة المدرسة الرسمية في الفنار «فكارثة بهذا الحجم ستسبب حتماً طرداً طويلًا من المدرسة».
أحمد مرتضى (9 أعوام) خائف من العودة الى ثانوية «مار الياس بطينا» في بيروت، فهو رسب العام الماضي، وعليه هذا العام أن «يختلط» مع اولاد اصغر منه، ويقول «اصدقائي كلهم نجحوا، لذلك عليّ الآن أن اتعرف إلى اولاد جدد أصغر مني، افت!».
وفيما الصغيرة لين مهتمة بشكل الحقيبة، فإن التربويون مشغولون منذ سنوات طويلة بحجم الحقائب. لا أحد يهتم باختيار حقيبة «صحية» حسبما تقول طبيبة الاطفال غادة قرانوح، وتضيف: «اكثر من 30 في المئة من طلاب المدارس يعانون من آلام مبرحة في الظهر لا تظهر الا خلال فترة المراهقة، وتكون نتيجة لتراكم حمل الحقائب الثقيلة طوال فترة الطفولة».
تضيف قرانوح: «في الدول الاوروبية والاميركية توضع خزائن خاصة للطلاب في المدارس ليتركوا فيها كتبهم، أما في لبنان فعلى الطالب حمل الكتب كلما اتى الى المدرسة وعاد الى البيت».




سبايدرمان ودورا ثنائي العام

جيزيل خلف

إنهم نجوم من كرتون ولكنهم أبطال الصغار، لا يقهرهم أحد ولا يغيبون عن التفاصيل الصغيرة في حياة الأطفال. التلفزيون روّج لهم، فتلقفتهم الشركات لتحوّلهم إلى Logo تزيد من خلالها مبيعاتها وأسعار منتجاتها.
يصرّ أحمد (5 أعوام) على شراء حقيبة «سوبر مان»، يقف أمام الرفوف في متجر BHV في محلة الجناح ويبدأ الصراخ، تحاول والدته إقناعه بشيء آخر، بصورة «أقل عنفاً» ومحفظة أقل سعراً، لكن الصبي ينفجر باكياً ويهدّد والدته «سوبرمان أو لا أحد»، لم يُحلّ الخلاف بينهما فغادرا المتجر دون شراء مستلزمات المدرسة. موسم العودة إلى المدرسة مناسبة سعيدة بالنسبة إلى التلامذة لأنه موسم تسوّق جديد: أقلام ودفاتر وكتب، والأهم محفظة المدرسة التي تُعلق عليها الآمال العظيمة، فهي واجهة التلميذ الحالم باجتذاب كل الأنظار إليه وتلَقّي كل الإطراء، وقد تجعله «مميزاً» بين الأقارب والرفاق، فيزيد بذلك عدد المعجبين به.
لكل موسم «أبطال» يقفزون من شاشات التلفزة ليتربعوا على عرش اهتمامات الأطفال وقرطاسيتهم. «سبايدر مان» هو بطل الفتيان لهذا العام، فهو يغزو المكتبات ومراكز البيع ومقتنيات الأطفال، حسبما أكد عمّال البيع في مكتبات الأحياء الكبرى في بيروت. ويأتي «سوبر مان» في المرتبة الثانية ومعه فريق السلاحف «نينجا تارتلز»، يحالف الحظ «إكس مان» و«باور راينجيرز» و«يو غو أو» الذين يحلّون في المراتب اللاحقة، ويسَجل حضور خجول لكل من فريق الجرذان «راتاتوي» وفريقي «ترانسفورمرز» و«ونكس». للفتيات مزاجهن الخاص، واللافت أن اللعبة الشقراء «باربي» التي تفقد مكانتها العالمية منذ سنوات، لم تعد تستحوذ على الاهتمام في لبنان أيضاً، وذلك رغم أنها تمتعت لسنوات طويلة بحضور قوي على أغلفة القرطاسية، وكانت تتبادل المراتب الأولى مع الثنائي «ميني وميكي ماوس».
السمراء «براتز» تحتل مرتبة متقدمة هذا العام، فهي تطغى بحضورها على أحاديث الأطفال ومقتنياتهم وكذلك على دفاتر الحسابات لدى البائعين. وصار من السهل أن يسمع المرء أينما توجه فتيات يؤكدن أن «باربي حلوة لكن براتز أحلى». وتأتي «دورا» لترضي الفتيات اللواتي تقلّ أعمارهن عن 7 سنوات، فكاريزما المستكشفة الصغيرة (بطلة برنامج على محطة «تيجي» للصغار) تسحق عظمة الأبطال، ومهما طال البحث وتنقل الأطفال بين رف وآخر، غالباً ما تخرج الفتيات وعلى وجوههن ابتسامة وفي أيديهن حقيبة «دورا». ويفرض «ويني دبدوب» ومجموعة «الجنيات فايريز» نفسيهما إنما على الرفوف فقط، فما تجده على الرفوف بكثرة تجده في المنازل بقلة، حسبما يقول موظفون في مراكز عديدة لبيع القرطاسية.
لكل مجموعة سعرها، وذلك وفقاً لجماهيرية البطل، فحقيبة «سبايدرمان» أو «دورا» قد يصل سعرها إلى 70 ألف ليرة، فيما تُباع حقيبة أخرى من نفس القماشة والحجم والنوعية بـ 23 ألف ليرة إذا كان «بطلها» شخصية كرتونية ثانوية. ويجمع أصحاب المكتبات ومراكز بيع القرطاسية والألبسة الرياضية على أن الماركات المهمة هي الصديق الأفضل للتلامذة في سن المراهقة، فلا تزال شنط «جانسبورت» و«إيست باغ» و«إكسبورت» الحاضر الدائم بالرغم من تغيّر أبطال هذه الشركات.




ما قل ودل

وزن الحقيبة ومحتواها يجب ألا
يتعدى 15 بالمئة من وزن الطفل حدّاً
أقصى، كذلك يجب ان يحمل الطالب
الحقيبة بالحمالتين اي على الكتفين لا
على كتف واحدة لأن ذلك يؤدي الى تضرر
الكتف والعنق كثيراً، كما يجب شد
الحمالات كيلا تصل الحقيبة الى
اسفل الظهر