إبراهيم الأمين
أصبحت الدعوة الى زيارة البيت الأبيض بمثابة مذكرة جلب. هذه هي الحال مع النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط، علماً بأن ثالثهما غير المقدس سمير جعجع كان يتمنى أن يذهب ولو مخفوراً ولا بأس لو انتظر في حديقة الورود حتى يخرج الحليفان بتعليمات اللحظة الاخيرة. لكن ذلك لا يمنع من الإحساس الآن بأن جنبلاط وجعجع لا يحتاجان الى مثل هذه الزيارة حتى يعرفا طبيعة المهمة الجديدة، باعتبار أن «تكليفهما الشرعي» قائم منذ ما قبل شنّ إسرائيل عدوانها الوحشي في تموز من العام الماضي. وهما يعرفان بطبيعة الحال وبخبرة المجرب، أن المسار الذي تعتمده الإدارة الاميركية في المنطقة لا يستوجب هذه الحماسة نحو تسوية كالتي انقطع نفس نبيه بري وهو يتحدث عنها بإيجابية وتفاؤل وخلاف ذلك من العبارات التي تنتهي عادة بعبارة مكتومة من نوع الله أكبر.
الاكيد بحسب من التقوا بري والحريري والآخرين أن رئيس تيار «المستقبل» راغب فعلياً في التوصل الى تسوية، وهي حال عدد من أعضاء دائرة القرار في السعودية، لكن هؤلاء أنفسهم يعتقدون أن الحريري ومعه قيادات من السعودية يشعرون بضيق اليد والحال إزاء إمكان خلق وقائع جديدة في المعادلة الحالية، وهو الأمر الذي يتلمّسه الخبراء في سلوك السفير السعودي عبد العزيز خوجة الذي صار يكتفي بالكلام العام الذي لا يعبّر عن وحدة قرار متماسكة في بلاده أيضاً.
أما في ما خص لعبة كسب الوقت التي يجري الحديث عنها، فهي بيد فريق 14 آذار، الذي بحسب أحد المعنيين ليس بحاجة الى شراء وقت، لأنه موجود مجاناً، وهم يقدرون على اللجوء الى خيار الانتخاب بالنصف +1 في أي وقت، بينما لا يمكن المعارضة أن تبادر الى خطوة من تلقاء نفسها، أو هي ملزمة بالايام العشرة الاخيرة. وبالتالي فإن هامش المناورة المفتوح أمام المعارضة الآن هو ترك الامور على حالها لناحية تولّي بري المفاوضات وإغراق الفريق الآخر بالمبادرات والكلام الايجابي، ليضطر الحريري ومن معه الى الرد بإيجابية لأن العكس يعني تسريع المواجهة.
في الايام القليلة الماضية، كان هناك من يعد لاقتراح ترتيب لقاءات مفتوحة بقصد ما سمّاه بري «توسيع الخيارات» وهو هنا كان يقصد أن تبادر قوى 14 آذار إلى توسيع لائحة مرشحيها للانتخابات الرئاسية من باب إضافة أسماء ومواصفات تقف في دائرة خارج الفريق نفسه ولا تكون على عداء معه، وأن ذلك يفتح الباب عملياً أمام المعارضة لتقترب بدورها من هذه الدائرة، وهو الامر الذي لم يرفضه الحريري، وإن هو شرح بصدق أن هناك مناخاً داخل فريق 14 آذار يمانع هذا النوع من التسوية، مكرراً حديثه عن مخاوف من دور سوري يهدف الى السيطرة على الرئاسة من خلال بعض المرشحين، وهو الامر الذي يتولى جعجع عادة التعبير عنه مثلما يفعل الآن في حملته المفتوحة على شخصيات مثل العماد ميشال سليمان والوزيرين السابقين ميشال إده وفارس بويز. علماً بأن جنبلاط الذي لا يختلف عنه في هذا الموقف، يكتفي بالحديث عن تمسكه بمرشح من فريق 14 آذار، ويقول في اللحظة الاخيرة إنه لن يكون عقبة أمام أي تسوية، علماً بأن المشكلة انطلقت أساساً من كون بعض أقطاب فريق 14 آذار، من المرشحين أو الذين يرشِّحون، عارضوا فكرة الحوار المفتوح مع المعارضة، وهم لذلك جربوا وضع سقف مسبق للتنازلات، وتولى جعجع أيضاً النطق بكلمة السر: رئاسة المجلس لكم ورئاسة الجمهورية لنا، والملعب المشترك حدوده الحكومة الجديدة.
وإذا كان جنبلاط يكثر من هواجسه حيال «الدور المقرر لحزب الله» وهو يحتج على أن الحزب يعمل ليل نهار على تقويض قاعدته الدرزية، ويحمّله مسؤولية النشاط المتنامي للوزير السابق وئام وهاب وتوفير مستلزمات العمل الأهلي والمدني لآخرين من الدروز في الجبل والبقاع، فإن جعجع يظهر احتجاجاً كبيراً على محاولة منح العماد ميشال عون دوراً إضافياً، وهو يستند في موقفه هذا الى تحالف قوي يجمعه بكل الفريق المسيحي في 14 آذار وبنافذين في الكنيسة أيضاً. ولذلك خرج من فريق 14 آذار من حاول أن يشترط أي بحث مع عون أن يتخلى الاخير عن تحالفاته القائمة حالياً، وهو جوهر الطرح الذي يحمله الحريري الى عون في لقاء لم يعقد بعد، ويبدو أن هناك صعوبات جدية في عقده قريباً، حتى إن موفد الحريري الى الرابية النائب السابق غطاس الخوري وإن فشل في انتزاع استقبال عون له، فإنه حاول الإيحاء بأن فريق 14 آذار لا يريد أن يترك ملف التفاوض بيد الرئيس نبيه بري وحده، وتحدث بلغة ملتوية عن الاستحقاق. ولم يدخل مباشرة في الموضوع لمعرفته أن طلب تخلي عون عن ترشّحه امر غير منطقي، ولصعوبة إقراره بإمكان التخلي عن المرشحين الاساسيين نسيب لحود وبطرس حرب، لكن الطبيب المرشح غير المعلن للرئاسة، أراد الوصول مع جبران باسيل الى صيغة سؤال: ماذا لو كانت هناك فرصة لرئيس من خارج 14 آذار، هل بمقدوره أن يكون مع برنامجنا السياسي، ولا يأخذ خوري كما غيره الوقت الطويل حتى يطرح السؤال ـــــ المهمة عن مصير تحالف عون مع حزب الله.
الامر الآخر يتعلق بالفكرة الإضافية التي تتعلق بالحكومة، لأن فريق 14 آذار يسير على الطريق نفسه الذي فتحه الاميركيون أمام إسرائيل لتعبيده في حرب تموز والذي يصر على موقف من ملف المقاومة ومن العلاقات مع سوريا، وهو الأمر الذي يعيد الجميع الى السؤال عن هدف الاجتماعات المقررة في الولايات المتحدة الاميركية الأسبوع الطالع. وتكفي مراقبة المشهد الاقليمي حتى يقدر المرء على تخيّل ما هو مطلوب من فريق 14 آذار لبنانياً:
في الملف العراقي هناك سعي الى مزيد من التشدد دون فتح آفاق التسوية الداخلية التي تتطلب انسحاباً أميركياً سريعاً، وفي الملف الايراني هناك بحث متقدم في تشديد العقوبات وإعادة تظهير صورة الحصار على ليبيا أو العراق، وفي الملف السوري هناك تشجيع إميركي لإسرائيل على المضي في خطوات استفزازية ولو قادت الى حرب مفتوحة، وفي الملف الفلسطيني هناك حاجة الى الضغط لإنتاج فتنة من النوع الذي يسقط المقاومة في حرب أهلية لا فائدة منها، وفي دول «الاعتدال» العربي هناك جهد لمكافأة إيهود أولمرت على جرائمه في لبنان وفلسطين وفشله الداخلي، بإنعاشه من خلال مشروع تسوية يمنحه حق السيطرة على كل فلسطين وملفاتها... فلماذا نتوقع من الولايات المتحدة، ومعها الغرب، أن تدفع باتجاه تسوية لبنانية لا يمكن أن تحصل من دون فتح باب الشراكة الفعلية مع خصومها في لبنان والمنطقة؟