div style="padding:6px;border-style:outset">
دراسة
تركّز هذه الدراسة على الإخفاقات الاستخبارية الإسرائيلية، كما ظهرت خلال حرب تمّوز. ننشر هنا الحلقة الثانية والأخيرة منها، التي تركّز على الفجوات الاستخبارية التي نشأت بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000. وكانت الحلقة الأولى، التي نُشرت أمس، قد تناولت الضعف في مجال جمع المعلومات، وتأثير ذلك على الوسائل القتالية والدفاعية للجيش الإسرائيلي
لعلّ إحدى أهم مهمات الاستخبارات، بكل وحداتها المختلفة، تقديم معلومات متجددة وذات قيمة للقوات المقاتلة، بغية خلق تفوق نسبي، والتقليل من مستوى الخطر المتوقع عليها.
مع تجنيد القوات البرية وإدخال وحدات إضافية، ظهر النقص في المعلومات المتجددة. وإذا وجدت معلومات كهذه، فإنها لم تصل إلى القوات التي تحتاج إليها ولم يتم استخدامها. والأمثلة على ذلك كثيرة: الصناديق المختومة التي أُعدّت من قبل الاستخبارات مسبقاً، وفيها المعلومات ذات الصلة بالقوات البرية التي لم تستخدم. وكذلك صور جوية قديمة من عام 2002 التي تصدرت قائمة احتجاجات جنود الاحتياط، ولم تصل المعلومات الموجودة إلى هدفها نظراً لقنوات معلومات غير فاعلة. تزداد هذه الفجوة حدّة، وخصوصاً على خلفية الإنجازات الرائعة للجيش والشاباك في الأعوام الأخيرة في إدارة المعلومات وتحويل وضخّ المعلومات للمستهلك إلى تحويل إلكتروني ومتجدد. وإذا كانت ادعاءات «أمان» صحيحة حول المعرفة المسبقة لمستوى القتال التكتيكي لحزب الله، فإن الأمر، مرة أخرى، يتعلق بفشل في مجال معالجة المعلومات.
الأسباب المحتملة للفجوات الاستخبارية
عاد مصطلحان من الماضي، كالمفهوم والتفضيل، ليُسمعا في الجدل الإسرائيلي. كأنهما قادران على تفسير جوهر أسباب الفشل الاستخباري التكتيكي.
المفهوم: والمقصود المفهوم في السياسة المتعلقة بحرب لبنان الثانية، مع خروج القوات الإسرائيلية من لبنان في أيار 2000. على خلفية الغطاء من دول العالم ومن غالبية الجمهور الإسرائيلي، تم وضع الأسس للسياسة، والتي تبيّن أنها مع الزمن فخ عسل إسرائيلي. فمن جهة، تعهدت إسرائيل علناً أنها من اللحظة التي أخلت فيها الحزام الأمني، لم تعد لديها خصومة مع لبنان، ولذا فإن ما يجري على أراضيه هو شأنه. ومن جهة ثانية، أعلن رئيس الحكومة آنذاك إيهود باراك، أن أي مس بالسيادة الإسرائيلية سيجر في أعقابه رداً عنيفاً لم يعرف له مثيل.
التفضيل: تخصيص الموارد للمهمات الساخنة في الساحة الفلسطينية، وليس لتلك المستقبلية في الساحة اللبنانية. سواء كان خطأً مصدره في الجيش، أو نابعاً من قرار سياسي، فقد ولّد اشتقاقاً مباشراً من سياسة الحكومة التي ترى أنه رغم التهديد المستمر المنتظر من حزب الله، فإن احتمال الاشتعال ضئيل.
لقد قدر صانعو القرار أنه سيكون بالإمكان السيطرة على ارتفاع اللهيب في حالة وقوع مواجهة في الشمال. وفي حالة التدهور سيكون هناك ما يكفي من الوقت لسد النواقص والفجوات التي فتحت بسبب نقل الثقل إلى منطقة غزة.
عملياً، بعد أشهر معدودة على الانسحاب من لبنان في أيار 2000، اكتشفت «أمان»، بأن إيران وسوريا بدأتا بإرسال كميات كبيرة من الوسائل القتالية والمدربين إلى حزب الله، وبأن وجهة تنظيم حرب العصابات الذي تعلم الجيش كيف يواجهه في الأعوام التي مكث فيها في الجنوب، ستتغير. وعلى الرغم من أن باراك وشارون عرفا بذلك، لم يتم القيام بأي عمل في هذا الشأن.
كان سيواجه الهجوم الإسرائيلي على لبنان بغية إحباط عملية التسليح بشجب دولي، والتمجيد الذي لقيته إسرائيل بعد الانسحاب، كان سيتضرر بشكل كبير. ويمكن أن نضيف إلى ذلك، عاملاً آخر، هو الجبهة الفلسطينية التي فتحت في تشرين الأول 2000، واستوجبت جهوداً إسرائيلية كبيرة سواء في المجال العسكري، أو في المجال الدبلوماسي.
ويمكن القول والافتراض إن الامتناع عن رد عسكري، نبع من تفضيل سياسة الصبر، لا لعدم فهم المخاطر الكامنة في التسلح المنفلت العقال لحزب الله.
ولكن في اتباع موقف «اجلس ولا تعمل»، كان يكمن «خطر الراحة والسهولة»، الذي يقود ببطء زاحف، من خط سياسي مع عقلانية واضحة، إلى خط تجاهل وغض طرف.
المشكلة الحقيقية لمفهوم هذه السياسة التي ترى وجوب النوم في الشمال مع أعين مفتوحة، ولّد تأثيراً مضرّاً على المستوى العسكري وعلى «أمان».
فمن منطلق الرغبة في عدم تسخين الحدود، وعدم القيام باستفزازات والانتظار بصبر، تقلّصت طلعات التصوير المنخفضة من أجل جمع المعلومات، إضافة إلى عمليات وحدات جمع المعلومات، والعمليات الأخرى، التي كان سينظر إليها كعمليات
عدائية.
صحيح أنه أعلن في «أمان» عام 2005 بأنه «عام لبنان»، بل تم وضع خطة متعددة الأعوام ضد حزب الله، إنما من ناحية عملية واصل الجيش تحويل غالبية اهتمامه للتهديد المباشر الماثل أمامه في الجبهة الفلسطينية.
أشار تقرير مراقب المؤسسة الأمنية الذي صدر في آذار عام 2006، في فترة بدت الحدود الشمالية هادئة، أشار إلى ثغر كبيرة في الاستخبارات القتالية على الجبهة الشمالية. وطالب التقرير بملاءمة جدول زمني واضح لسد تلك الثغر. لكن على غرار معالجة نقاط ضعف أخرى، فقد سبق الواقع تطبيق التقرير المذكور.
خاتمةمن جهة، نجحت إسرائيل في الفهم لاحقاً للصورة الاستراتيجية الواسعة، وحوّلتها فعلاً إلى صانعي القرارات. لكن، من جهة ثانية، ظهرت فجوات بين ما كان معروفاً وما تبيّن في الواقع. والاستخبارات التكتيكية هي التي تحمل على عاتقها عبء المسؤولية عن ذلك. هذه الفجوات أثّرت على أداء الجيش، وربما أيضاً على قرارات المستوى السياسي.
إذا كان تقدير نجاح الحرب يستوجب منظوراً زمنياً، فإنّ تقدير نقاط الضعف في أداء الاستخبارات التكتيكية يستوجب درساً فورياً، وذلك بغية إصلاح الأخطاء بشكل سريع قدر الإمكان. وفي هذا السياق يجب التحقق بأن التفضيل العسكري الداخلي الذي كان متّبعاً لغاية عشية الحرب سيتغيّر، وأن يجري تنفيذ تخصيص الموارد المطلوبة لأمان. كذلك يجب التحقق من التطبيق الفوري لسلّة القدرات الموجودة في أجهزة الاستخبارات في لبنان أيضاً.
الكاتب
يوعاز هندل
(باحث في الشؤون العسكرية، رائد احتياط في وحدة الشييطت (13) التابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي)
المصدر
معهد أبحاث الأمن القومي (جافي سابقاً) التابع لجامعة تل أبيب
اجزاء ملف "إخفاقات الاستخبارات التكتيكيّة في حرب لبنان":
الجزء الأول |
الجزء الثاني