نعمت بدر الدين
العواصم المضيفة ترفض استقبال رؤساء البعثات المعينين من الحكومة لعدم توقيع لحود اعتمادهم

ماذا يحدث في قصر بسترس؟ سؤال يطرح نفسه بقوّة هذه الأيام، في ظل تغلّب حالة الإرباك والبلبلة على ما عداها من الحالات «غير الطبيعية» في مقرّ وزارة الخارجية والمغتربين، ولا سيما في ظلّ ما أثاره قرار تعيين المدراء في الوحدات المركزية في الوزارة، معطوفاً على «التسوية» التي قضت بالتحاق السفراء بمراكزهم في الخارج، من دون توقيع رئيس الجمهورية إميل لحود.
والقضية تنطلق من جملة تساؤلات طرحها أحد السياسيين المتابعين عمّا يقوم به وزير الخارجية بالوكالة طارق متري، ومدى ارتباط القرارات التي يصدرها بمشروع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، والقاضي بـ«الهيمنة على المفاصل الأساسية في الإدارات العامة، ومن ضمنها وزارة الخارجية والمغتربين».
وفي هذا الصدد، يلفت المصدر المذكور إلى «قرارات متري الخاصة التي تنمّ عن قلّة احتراف وخبرة، وعدم معرفته بتسيير شؤون الوزارة»، منتقداً أسلوبه الذي يرى أنه «يفتقد ضرورة التشاور مع المعنيّين، ومن ضمنهم الوزير الأصيل فوزي صلوخ والأمين العام للوزارة السفير هشام دمشقية الأكثر خبرة بقضايا الإدارة».
وإذا كان قرار التحاق السفراء بمراكز تعيينهم في الخارج أولى الخطوات التي عمل متري على إمرارها بـ«تسوية»، فإن الاتصالات التي أجرتها الحكومة بغية التوسّط لدى العديد من «دول الاعتدال العربية» والدول الغربية الداعمة لسياسة الرئيس فؤاد السنيورة لاستقبالهم كـ«سفراء لبنان لدى هذه الدول» لم تؤدِّ إلا إلا إهانة السلك الدبلوماسي وإحراج سفرائه لدى هذه الدول.
وفي هذا الإطار، يوضح مصدر دبلوماسي أن معظم الدول رفضت استقبال السفراء بصفتهم هذه لكونهم «غير مزوّدين بأوراق الاعتماد المطلوبة»، ومنها من «أبلغتهم اعترافها بهم بصفة قائمين بالأعمال»، فيما اشترطت دول أخرى «الامتناع عن التوقيع وحصر النشاط في الحدود الضيقة».
وإذا كانت الحكومة قد اتخذت قرارها بإرسال السفراء، في خرق فاضح للأصول الدبلوماسية الموصوفة في معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية، فإن ردود فعل الدول المضيفة تفاوتت وفقاً لأنظمتها وانسجاماً مع الاتفاقية المذكورة. وفي هذا الشأن، تبيّن أن بعض الدول التي كانت حكوماتها تكيل المديح لحكومة السنيورة لم تشذّ عن هذه القاعدة، رغم مقاطعتها رئيس الجمهورية، فوافقت على اعتماد البعض قائمين بالأعمال برتبة سفير، والبعض الآخر تحت مسمّى «رئيس بعثة».
هذه الظاهرة «المحرجة» كان من الممكن تجنّبها، حسب دبلوماسي عريق، «إذا تمّ تأجيل قرار الالتحاق لأشهر تفصل لبنان عن الاستحقاق الرئاسي»، وأشار إلى أن سفير لبنان لدى السعودية مروان زين، الذي عيّن من خارج الملاك، «انتظر أكثر من خمسة عشر يوماً لأخذ موعد من وزارة الخارجية السعودية، دون الحصول على أي جواب، لا نفياً ولا إيجاباً». وأبدى الدبلوماسي استغرابه من موقف المملكة «الداعمة الأساسية لسياسة السنيورة، التي تدرك جيداً ظروف التحاق السفراء ومحاولة الحكومة الحثيثة لإنجاح خطوتها غير الدستورية»، مؤكداً أن هذا الامر استدعى التدخل لحل المسألة قبل أن يظهر موقف المملكة وعدم موافقتها على استقبال زين بصفته سفيراً للبنان، ما قد يعود سلباً على الحكومة اللبنانية التي تدعمها المملكة في قراراتها، بينما ترفض أن تطبق هذه القرارات وتداعياتها على أراضيها.
كما لفت المصدر الدبلوماسي إلى أن ألمانيا طلبت من السفير الملتحِق «عدم توقيع أية أوراق، وحصر نشاطاته وممارسته في أضيق الحدود»، كذلك رفضت بلجيكا استقبال السفير المعين لديها بهذه الصفة، حتى أنها رفضت إعطاءه تأشيرة دخول على جواز مروره، لأن عنوان الجواز يحمل «سفير لبنان لدى بلجيكا»، وطالبته بتغيير الجواز لاستقباله بصفته دبلوماسياً. بدورها، رفضت مصر استقبال السفير المعين لديها، بل اعتمدته «قائماً بالأعمال برتبة سفير»، طالبة منه حصر نشاطاته وحركته قدر الإمكان، ولم تسمح له بمقابلة رئيس الدولة حتى يتمّ توقيع أوراق اعتماده. وأوضح المصدر أن جميع السفراء استُقبلوا بوصفهم دبلوماسيين، وقد «باشر عدد منهم مهامهم بوصفهم قائمين بالأعمال برتبة سفير، مراعاة لظروف السنيورة السياسية، ما أشعر السفراء بالإهانة الكبرى»، مضيفاً: «إن هناك مشاورات تمّت بين السفراء لتبادل الاستفسارات عن طرق التعاطي».
هذه الأجواء دفعت بأحد السفراء إلى القول: «إن التحاقنا بهذه الطريقة أهان السلك، حيث فضّلنا لقمة العيش على الكرامة»، وإن «همّ السنيورة الأساسي انحصر في إمرار السفراء السنّة من خارج الملاك قبل مجيء رئيس جديد للبلاد»، محمّلاً قطباً أساسياً في المعارضة مسؤولية «تفضيل مصلحة ضيقة على خيار في معركة وطن».
بدوره، وصف دبلوماسي غربي موقف بلاده بـ«الموضوعي»، لكونها «احترمت اتفاقية فيينا الدولية، ولو أدّى هذا الموقف إلى إحراج موقف السنيورة الحليف».
وبالعودة إلى قرار متري القاضي بتعيين المدراء في الوحدات المركزية في وزارة الخارجية، دون أي تشاور وتوافق مع المعنيين في الوزراة، ومن ضمنهم الوزير صلّوخ، فإن مصدراً دبلوماسياً وصف قرار تعيين السفير وليام حبيب مديراً للشؤون السياسية بـ«الكارثي»، متهماً إياه «بتخطّي الأمين العام للوزارة هشام دمشقية في العديد من القضايا، ودون أي احترام للهرمية الإدارية، ويتصرّف في كل الأمور كأنه الآمر والناهي»، مشيراً إلى أن القرار البديل لقرار متري الذي أصدره صلّوخ «سيزيد الأمور تعقيداً، لكونه صادراً عن وزير لم تقبل استقالته، ولقراراته قيمة قانونية أعلى من قرارات الوزير الوكيل».
وفي هذا الشأن، يلفت مصدر دبلوماسي إلى أن المخرج الوحيد لحل الأزمة القائمة في ملف التعيينات هو بـ«تكليف المسؤول الإداري الأول في الوزارة، الأمين العام السفير هشام دمشقية، بتحضير اقتراح ثالث»، ما «يؤدي إلى تخطّي الخلافات القائمة، لكونه يستطيع التشاور والتواصل مع الفرقاء كافة، وتخطي العقدة الأساسية، وفي صلبها اختيار سفيرين جديدين للشؤون السياسية والمالية والإدارية»، مشيراً إلى أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الوزارة ظروفاً مماثلة.
تجدر الإشارة إلى أن من أبرز التعديلات التي شملها قرار صلوخ الجديد هي: استبدال مدير الشؤون السياسية والقنصلية السفير وليام حبيب بالسفير ريمون بعقليني المعيّن مديراً للشؤون الإدارية والمالية، تعيين السفير حسن برّو مديراً للشؤون الإدارية والمالية، تعيين السفير حبيب مديراً لشؤون المنظمات الدولية بديلاً من السفير جورج صيام الذي سيعيّن بديلاً من السفير مصطفى حمدان مديراً للبروتوكول، وتعيين السفير غرامي أيوب مديراً لوحدة الرموز، بعدما كان نائباً لمدير الشؤون المالية والإدارية.
وإزاء هاتين المسألتين الخلافيتين، يرى مصدر دبلوماسي أنه إذا كان من الممكن أن تحتمل مسألة إعادة النظر بمسألة تعيين السفراء في الخارج التأجيل، إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، لتوقيع أوراق اعتماد تقدم إلى رؤساء الدول، والإبقاء على السفراء الستة من خارج الملاك أو استبدالهم، فإن من الضروري «تصحيح مسألة تعيين المدراء، في أقرب وقت، كي يستقيم عمل الإدارة»، مشيراً إلى أن عدم اتخاذ المعارضة الموقف المناسب حيال قرارات متري «أسهم في تماديه بدوره وزيراً وكيلاً»، وأن عدداً كبيراً من الدبلوماسيين «يراوده إحساس بالغبن، جرّاء ممارسات متري التفرديّة والانتقائية في التعاطي وتخطّيه العادات والأصول الدبلوماسية».




سجال بين المستقيل والوكيل حول قراري «تسيير العمل»

...وأمس تساجل وزير الخارجية الأصيل ــــــ المستقيل فوزي صلوخ، والوزير بالوكالة طارق متري، حول التكليفات، فذكر الثاني أنه طلب من السفراء الالتحاق بمراكز عملهم في الخارج «لترؤس البعثات الدبلوماسية، ريثما يتسلّمون أوراق اعتمادهم حسب الأصول»، وأنّه «حرصاً على حسن سير العمل في الوزارة»، ومع مراعاة «الخبرة والتوازنات المعروفة»، وزّع المسؤوليات على الملتحقين بالوزارة منذ سبعة أشهر «ليحلوا بالتكليف مكان الذين غادروا لبنان أو الذين يستعدون لذلك». وقال إنه استطلع جميع المعنيين بمَن فيهم المقرّبون من صلوخ «الذين اعتبروا قيامي بهذه المهمة أمراً طبيعياً».
واستغرب متري ما رأى أنه إحجام صلوخ «عن ممارسة مسؤولياته حيناً وممارسة بعضها حيناً آخر»، وقال: «إما أن تكون مستقيلاً أو أن تمارس مهماتك. لا تستطيع أن تمارس يوماً في الحكومة، وتقول يوماً آخر هذه الحكومة «باطلة الوجود» و«فاقدة للشرعية»، ثم تطالبها باتخاذ قرارات تؤيد القرارات الصادرة عنك».
ورد المكتب الإعلامي لصلوخ مشيراً الى أنه «كان قد أصدر قراراً كلّف بموجبه عدداً من الدبلوماسيين بمهمات المديريات والدوائر في الإدارة المركزية، بغية تسيير العمل، وهذا من حقه كوزير لم تقبل استقالته ويصرف الأعمال». وقال إنه راعى في التكليفات «التقاليد والأعراف المتبعة في الوزارة منذ 1943»، معتبراً أن قرار متري «خرق هذه الثوابت»، وأن من يقرأ هذا القرار «يتبين له بوضوح أن التوقيع هو الرابط الوحيد الذي يربطه (متري) بوزارة الخارجية والمغتربين».
(الأخبار، مركزية)