div style="padding:6px;border-style:outset">
دراسة
تتناول هذه الدراسة التي ننشرها على حلقتين دور الجيش اللبناني بعد صدور قرار مجلس الأمن 1701، وإلى أيّ حدّ يستطيع الجيش اللبناني الصمود أمام المهمة المعقدة الموكلة إليه بفرض سلطة الحكومة على حزب الله، وهل يمكن أن تصل الأمور إلى حد تجريد الحزب من سلاحه؟
يلقي قرار مجلس الأمن 1701 بشأن انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان، وإخلاء المنطقة من أي سلاح غير حكومي ومنع الأعمال العدائية، يلقي على عاتق الجيش، الجهاز التنفيذي المركزي للحكومة اللبنانية، العبءَ الأساسي في تطبيق القرار، وسط احتمال وقوع احتكاك مع حزب الله، إلا انه منذ إصدار القرار لغاية اتباع خطوات حقيقية لتجريد حزب الله من سلاحه، لا يزال الطريق طويلاً. فالحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة ليس لديها نية العمل في هذا الاتجاه، ومن الواضح أن ذلك سيعرّض الاستقرار الداخلي الهش للخطر.
مع ذلك، يضع انتشار الجيش اللبناني الأسس لتطوّر اتجاهات ستكون لها، إذا ما تحقّقت، انعكاسات إيجابية على أمن إسرائيل، وضمن ذلك تجذير مفهوم الدولة اللبنانية وتعزيز صلاحياتها وسيادتها ومسؤوليتها، وفي المقابل إضعاف تدريجي لحزب الله كتنظيم عسكري.
إنها عملية طويلة ومعقدة، ويجب على إسرائيل أن تدعمها، ويريد حزب الله التخريب عليها، وهذا ليس مرهوناً فقط بقدرات الجيش اللبناني، بل أيضاً بإصرار الحكومة على دفعها قدماً. وعلى أية حال، فإنّ مجرد تحريكها هو أحد إنجازات الحرب الأخيرة.
المعضلة: ماذا يفعلون مع سلاح حزب الله؟في مطلع تشرين الأول 2006، أكمل الجيش اللبناني عملية مغطاة إعلامياً لانتشاره في غالبية مناطق الجنوب اللبناني وفقاً للقرار 1701. وقد ترافقت هذه العملية بتصريحات مسؤولين لبنانيين رفيعي المستوى حول إصرار الجيش اللبناني على مصادرة الأسلحة غير القانونية، ومنع الهجمات من الأراضي اللبنانية وحماية الدولة من الخروق والأعمال العدائية من جانب إسرائيل، ولكن ليس تجريد حزب الله من سلاحه.
تبدو هذه العملية إنجازاً مهمّاً لحكومة السنيورة التي، منذ الانسحاب السوري من لبنان في نيسان 2005، تقف أمام ضغوط متزايدة، سواء من إسرائيل أو من المجتمع الدولي، لتطبيق القرار 1559 المتعلق بنزع سلاح الميليشيات، وكخطوة أولى لنشر الجيش اللبناني في الجنوب، وتحمّل المسؤولية عن عمليات المنظمات الإرهابية من أراضيه.
يبدو أنــــــــه ليس لدى أحد في لبنان، أو خـــــارج حدوده، صيغــــــة واضحة عن كـــــــيفيـــــــــة نزع سلاح حـزب الله من دون إثـــــــــارة مشكلة داخـــــــلية أو تصعيــــــد إقليمي.
والتوقّع المتولّد في إسرائيل وفي الساحة الدولية، ووسط عدد غير قليل من اللبنانيين، أن جيش الدفاع يستطيع فعل ذلك بعملية عسكرية سريعة وحاسمة، تبدّد في أعقاب الحرب الأخيرة.
لا حماسة في الساحة الدولية للحلّ بالقوة، وليس هناك من يرى في قوة اليونيفيل المعززة التي أرسلت لمساعدة الجيش اللبناني على تطبيق القرار 1701 جهازاً يعمل على تجريد حزب الله من سلاحه. بالعكس، فقد عاد المجتمع الدولي إلى موقفه الذي كان قبل الحرب، والقائل بأنّ نزع سلاح حزب الله هو شأن لبناني داخلي يعالج من خلال عملية سياسية من دون الولوج إلى حل عسكري. هذا الموقف سائد أيضاً في لبنان في إطار الحوار العام الداخلي الواسع، الذي بدأ قبل الحرب حول مستقبل سلاح حزب الله. ويعكس هذا الحوار مواجهة أيديولوجية بين مفهومين متناقضين: مفهوم المقاومة الذي يقوده حزب الله الطامح إلى تدمير إسرائيل، والذي يتركّز على المواجهة المستمرة معها، مقابل المفهوم الذي يقوده معسكر 14 آذار العامل على إقامة نظام جديد في لبنان مرتكز على حل الصراعات الداخلية والخارجية بالوسائل السياسية.
في الواقع الجديد الذي نشأ في لبنان على أثر تبنّي القرار 1701، من الواضح لحكومة السنيورة أن معالجة موضوع سلاح حزب الله انتقلت من المرحلة النظرية إلى المرحلة التي تلزمها بالعمل، وإن كان هذا ينطوي على احتكاك مع حزب الله.
يفترض بالأجهزة الأمنية اللبنانية أن تضع الخطط العملية للقرار 1701 وفرض سلطة الحكومة على حزب الله. وعلى رأس هذه الأجهزة يقف الجيش اللبناني الذي قام بخطوته الأولى في هذا الاتجاه، عبر انتشاره في الجنوب.
هل يستطيع الجيش اللبناني أداء المهمة؟
الوضع الذي تقف فيه حكومة سيادية أمام تنظيم «دويلة» مسلحة تعمل على أرضها ولا تقبل بسلطتها، موجود في أماكن كثيرة في العالم، وليس غريباً عن لبنان. عملياً، كان هذا هو الوضع الراهن منذ السبعينيات وخاصة في الجنوب، من «فتح لاند» حتى «حزب الله لاند». لكن الظروف التي مكّنت إيجاد وضع كهذا، تغيرت. فسوريا لم تعد تدير شؤون لبنان، والجيش اللبناني منتشر فعلياً في كل مناطق الدولة تقريباً. ولبنان كدولة سيادية يظهر تصميماً على التغيير، والمجتمع الدولي مستعد لمساعدة الحكومة اللبنانية على تطبيق وممارسة مسؤولياتها.
هل يقدر الجيش اللبناني في هذه الظروف على الصمود أمام هذه المهمة المعقدة لفرض سلطة الحكومة على حزب الله، إلى حد تجريده من سلاحه؟
بغية دراسة هذا الموضوع، تجب الإشارة إلى بعض الأوجه التي تجسّد تعقيد هذا الوضع:
نسب القوى ــــ تفوّق بالعدد لا بالنوعيةالجيش اللبناني الذي خضع تحت رعاية سوريا لإعادة تأهيل بعد انتهاء الحرب الأهلية، وتوقيع اتفاق الطائف عام 1989، يزيد عديده عن «جيش» حزب الله. فهو يعد حوالى 50 ألف جندي، وتتوافر لديه نظريّاً وسائل ليست متوافرة لحزب الله، كالآليات المدرّعة والمروحيات وسفن دورية، وأيضاً وحدة كوماندوس تعد نخبة الجيش اللبناني.
في المقابل، يعد حزب الله بضعة آلاف مقاتل، مسلحين ومدربين جيداً على حرب العصابات، ولديه قدرة مثبتة على مواجهة جيوش أقوى من الجيش اللبناني. أضف إلى ذلك، أن مستوى كفاءة الجيش اللبناني متدنٍّ وتجهيزاته ليست على ما يرام، وما زال حتى الآن ينتظر المساعدات السخية التي وعدته بها دول مختلفة. لذا، فليس بمقدور الجيش اللبناني المفتقر إلى التجربة القتالية الفعلية، العامل حتى الآن في مهام أمن عام، أن يمثل تحدياً لا يستطيع حزب الله الصمود أمامه.
العنصر الشيعي في الجيشبُذلت الجهود لتذويب اللون الطائفي السائد في لبنان، منذ اتفاق الطائف. وعلى عكس الاتجاهات التي كانت سائدة في الماضي، بُذل جهد خاص للمحافظة على التوازن الطائفي في الأطر المختلفة للجيش. مع ذلك، هناك في الجيش نسبة عالية جداً من أبناء الطائفة الشيعية، حوالى 30 ـــــ 40 في المئة، نسبة تعكس بكثير أو بقليل حصتهم النسبية بين السكان. وهذا لا يعني أنه أثناء المواجهة مع حزب الله سيكون هناك هروب جماعي للجنود الشيعة، مثلما يريد حزب الله طبعاً، ولكن هناك شك كبير في ما إذا كانت قيادة الجيش تريد أن تضع نفسها أمام هذا الامتحان.
علاقات الجيش ـــ حزب الله: تعايش وتقاسم عمل
منذ اتفاق الطائف، تولّد في لبنان، برعاية السوريين، أمر واقع يتضمن جيشين. الجيش اللبناني كجيش رسمي مسؤول عن الأمن والاستقرار الداخلي، وفي هذا الإطار عمل على نزع سلاح الميليشيات الطائفية مطلع التسعينيات، وحزب الله الذي استمر في كونه مسؤولاً عن المواجهة مع إسرائيل حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.
وعلى مدار السنين، راكم حزب الله قوة كبيرة بمساعدة سوريا وإيران. واضطرت الحكومة اللبنانية الضعيفة إلى التسليم بمكانته الخاصة في الجنوب اللبناني وجنوب بيروت.
تبلورت بين الطرفين منظومة تفاهمات وتنسيقات تقضي بأن الدولة التي كانت ممثلة في الجنوب بقوة رمزية، لا تقوم بمصادرة سلاح حزب الله ولا تعتقل أعضاءه وتغض الطرف عن تسلحه.
بعد انتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل جنوبي الليطاني في إطار تطبيق القرار 1701، تولدت منظومة تفاهمات جديدة بين الجيش اللبناني وحزب الله، تستند إلى عنصر المظهر ـــــ الرؤية، بأن يحافظ مقاتلو حزب الله على بروفيل منخفض ولا يتجولون بملابسهم العسكرية ولا يحملون أسلحتهم علناً. في المقابل يظهر الجيش اللبناني حضوره، وهو مخوّل مصادرة أية أسلحة ظاهرة علناً وتوقيف من يرتدي الزي العسكري. لغاية الآن، وعدا حالات قليلة، تمت المحافظة على الوضع الراهن.
الجيش اللبناني رمزاً لوحدة هشّةفي الروحية الوطنية اللبنانية، يُنظر إلى الجيش اللبناني على أنه مؤسسة رسمية فوق كل الخلافات الطائفية، وذلك على خلفية التمزقات السياسية والطائفية العميقة التي يعاني منها لبنان وصدمة الحرب الأهلية. وقد حظي بهذه المكانة بسبب حرص مسؤولي الجيش منذ انتهاء الحرب الأهلية على الامتناع عن التدخل في الخلافات السياسية الطائفية الداخلية، في منظومة التوازنات الهشة للبنان، وسط إظهار الحساسية في أوقات التوترات السياسية.
المكانة المركزية لحزب الله في المنظومة السياسية اللبنانية
يتمتع حزب الله بقوة سياسية لا بأس بها في لبنان، بسبب كونه الحزب الشيعي الأكبر، وسط منافسة لحركة أمل، وبحكم قوته العسكرية، والدعم الذي يحظى به من الرئيس المؤيّد لسوريا، إميل لحود، ودعم سوريا وإيران، كما جعل من حزب الله شريكاً كاملاً يجب أخذ موافقته على عملية اتخاذ القرارات، بما يشمل القرارات في مواضيع مركزية بما فيها قرار ذهاب الجيش إلى الجنوب.
الكاتب داني بيركوفيتش
(باحث زائر في معهد بحوث الأمن القومي ـــــ جامعة تل أبيب)
المصدرمعهد أبحاث الأمن القومي (جافي سابقاً) التابع لجامعة تل أبيب
العنوان الأصليوكيل التغيير الأساسي ضد حزب الله ـــــ دور الجيش اللبناني
الجزء الأول |
الجزء الثاني