نهر البارد ـ نزيه الصديق دير عمار ـ عبد الكافي الصمد

الصواريـــخ تعطّـــل محطّـــة ديـــر عمار والتقنيــن لـــن يستثني بيـــروت

بعد ثلاثة أيام من الهدوء الحذر، شهد مخيم نهر البارد أمس اشتباكات عنيفة جداً بمختلف أنواع الأسلحة، واكبت مرحلة جديدة من المعارك أشارت مصادر عسكرية إلى أنها تأتي مواكبة لتضييق الخناق من جانب الجيش اللبناني على مسلحي تنظيم فتح الإسلام، المتحصنين في مربع امني عند الطرف الجنوبي الغربي من المخيم.
وأدّت المواجهات الشرسة والعنيفة التي دارت على مختلف محاور القتال، إلى إحراز الجيش تقدماً في أكثر من نقطة، موقعاً في صفوف المسلحين قتلى وجرحى لم يُعرف عددهم لوقوعهم داخل المخيم، فيما أشارت مصادر عسكرية إلى استشهاد ضابط وثلاثة عسكريين من الجيش أمس، إضافة إلى ضابط آخر متأثراً بجروحه، وإصابة 25 آخرين بجروح.
وشيّع أمس بمشاركة رسمية عسكرية وشعبية، الملازم الشهيد حسام محمد أديب أبو عرم من البرجين ــــــ الشوف، والملازم الشهيد جورج ميشال فهد من القبيات ــــــ عكار، والعريف الشهيد عبد الله مصطفى عويك من برج اليهودية ـــــ المنية. حيث احتضنوا من جانب الأهالي ورفاق السلاح بمواكب شعبية حاشدة، ثم أقيمت الصلاة على راحة أنفسهم الطاهرة.
وكانت الاشتباكات العنيفة قد اندلعت قرابة السادسة من صباح أمس، بعدما شن الجيش هجوماً كبيراً على خمسة محاور باتجاه المعقل الأخير للمسلحين، الذي تقدر مساحته حسب مصادر عسكرية بنحو 15 ألف متر مربع تقريباً، والذي تنتشر فيه الملاجئ المحصنة بكثرة.
وتركزت الاشتباكات العنيفة والمتواصلة طوال يوم امس، والتي استخدمت فيها مختلف انواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، على المحور الشمالي الغربي، حيث أفيد عن تمركز المسلحين في خمسة مبان محصنة تحصيناً جيداً، ودارت حولها معارك عنيفة وشرسة، إثر محاولة المسلحين القيام بعملية تسلل والتفاف على مواقع الجيش الذي أحبطها، موقعاً في صفوف المسلحين ما لا يقل عن 7 قتلى.
وشهد المحور الشرقي عند تقاطع مثلث مركز ناجي العلي الطبي والتعاونية ومركز الشفاء الطبي اشتباكات ومناوشات متقطعة، حيث ركّز الجيش قصفه على هذا المحور وصولاً إلى عمق المخيم القديم، وتحديداً وسط السوق العام الذي أصبح تحت سيطرة الجيش عليه بالنار.
أما المحور الجنوبي فشهد حماوة لافتة، إذ عمد الجيش على تمديد رقعة الخرق الذي أحدثه في السوق العام، وصولاً إلى سوقي الخضر والسمك وسط حي سعسع، ومحاولة توسعة هذا الجيب من اجل الوصول به غرباً إلى البحر، حيث تربض مواقعه على شاطئ البحر، من اجل شق المربع الأمني نصفين، وعزل المسلحين داخل احدهما، بعد أن يكون الخناق قد ضاق عليهم بدرجة كبيرة.
وتزامنت اشتباكات أمس مع اندلاع حرائق كبيرة وسط المخيم القديم من غير أن تعرف أسبابها، حيث شوهد الدخان الأسود يتصاعد بكثافة في سماء المخيم، بينما حلّقت مروحيتان للجيش مرات عدة فوق المخيم، قبل ظهر أمس وبعده.
ومع أن فترات الهدوء النسبي كانت قليلة نسبياً، فقد عمد المسلحون خلالها إلى إطلاق الصواريخ عشوائياً، فسقط بعضها على محطة دير عمار لإنتاج الطاقة الكهربائية، فيما أفيد عن سقوط صاروخ آخر على بلدة ببنين في عكار، واقتصرت الأضرار على الماديات.
وتسبب استهداف محطة دير عمار الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية، للمرة الثانية في غضون أقلّ من أسبوعين، بتوقف المحطة عن الإنتاج، وإحداث حالة هلع وخوف في صفوف الموظفين والمواطنين الذين يسكنون بجوارها.
وإذا كانت المحطة قد نجت من وقوع أيّ أضرار فيها في المرّة السابقة، فإنّ ما حدث أمس أدّى إلى إصابة منشآتها إصابات مباشرة، ووقوع أضرار في قساطل التمديدات الرئيسية داخلها، متسبّبة بحريق سارعت فرق الإطفاء إلى إخماده، وأدّت إلى توقف المحطة عن العمل فوراً نتيجة نظام الحماية الذاتي الموجود داخلها، والذي يجعلها تتوقف أوتوماتيكياً عن العمل عند أول عطل، وهو ما أدّى إلى انقطاع التيّار الكهربائي تلقائياً.
فقبل ظهر أمس، فوجئ عمّال وموظفو المحطة، بسقوط خمسة صواريخ داخلها وعلى أطرافها، الأمر الذي أدّى إلى خروجهم منها، ولا سيما الإداريون منهم، بشكل هستيري وجماعي، قبل أن يضرب عناصر الجيش الموجودون في نقطة عسكرية قريبة منها، طوقاً أمنياً حولها، ويمنعوا الصحافيين والمواطنين من الاقتراب منها.
وأفاد موظفون وعاملون داخل المحطة أنّ أحد الصواريخ أصاب ثلاثة قساطل بخارية تصل إحدى محطات الإنتاج الثلاث بمحطة التحلية التي تعمل على فصل المياه المالحة عن المياه العادية، محدثاً فيها أضراراً كبيرة، وأنّ صاروخاً ثانياً أصاب أحد الأرصفة الداخلية قرب خزانات الفيول أويل، فنتج حريق بسيط تمكّنت فرق الإطفاء في المحطة من إخماده على الفور.
أمّا الصاروخ الثالث فسقط قرب المبنى الإداري الواقع بمحاذاة المحطة على شاطئ البحر، فيما سقط الرابع في عرض البحر، وذلك قبل أن يسقط صاروخ خامس، بعد نحو ساعة، في أطراف البلدة ناحية جبل تربل، من غير أن ينفجر.
وفيما بقي داخل المحطة الموظفون الفنّيون والتقنيون والعاملون في حقل العمليات فقط، أعيد التيار الكهربائي إلى داخل المحطة، قبل أن يعقد المسؤولون فيها اجتماعاً عاجلاً تدارسوا فيه إمكان إعادة تشغيل المحطة وتزويد المواطنين بالكهرباء، أو إبقائه مقفلاً، نظراً للتطورات الأمنية.
في موازاة ذلك، أكّد رئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، أنّ «أكثر من صاروخ سقط على محطة دير عمار الحرارية، وهو ما أدّى إلى أضرار مباشرة فيها، وإلى توقفها كلياً عن الإنتاج الذي هو في حدود الـ 400 ميغاوات».
وأكّد الحايك أنّ «انفصال محطة دير عمار عن الشبكة، سيؤدّي إلى زيادة التقنين، وخصوصاً أنّ المؤسسة أخذت على عاتقها تسيير العمل في المحطة، ضمن إطار القوّة القاهرة، من أجل تلبية حاجات المواطنين، وتخفيف التقنين الكهربائي ما أمكن، لكنّ سقوط الصواريخ سيعيد النّظر في التدابير التي اتخذت حتى الآن».
من ناحيته، أشار وزير الطاقة والمياه بالوكالة محمّد الصفدي، في حديث تلفزيوني، إلى أنّ «فرق الصيانة ستبدأ بالكشف فوراً عن الأضرار التي لحقت بالمحطة تمهيداً لإصلاحها»، لافتاً إلى أنّ «خطّة بديلة سيبدأ تطبيقها الأسبوع المقبل من أجل تزويد المناطق اللبنانية بالتيّار الكهربائي، وأنّ العاصمة بيروت لن تكون مستثناة من التقنين فيها حسبما كان سائداً سابقاً».