strong> جوان فرشخ بجالي
767،226 الف دولار أميركي هو المبلغ الذي وهبته منظمة اليونسكو الى وزارة الثقافة لبناء الموارد البشرية في مجال التوثيق الرقمي لمواقع التراث العالمي (بعلبك وصور). وقد وقّع البارحة في السرايا الحكومية الاتفاق كل من وزير الثقافة، الدكتور طارق متري ومدير المكتب الإقليمي لمنظمة اليونسكو في بيروت الدكتور عبد المنعم عثمان وذلك بحضور المديرالعام للآثار فريدريك الحسيني وحشد من العاملين في قطاعي الآثار والثقافة.
وسبقت التوقيع كلمة للوزير متري قال فيها: «يسعدني أن أرى بين الحضور عدداً كبيراً من الأثريين وسواهم من العاملين في المديرية العامة للآثار، لأن الاتفاق الذي سنوقّعه اليوم يفتح آفاقاً جديدة أمام عملنا في مديرية الآثار. فالاتفاق يهدف إلى بناء القدرات البشرية في المديرية والقدرات الفنية لجهة التوثيق الرقمي وتحديد المخاطر وفق الوسائل الأكثر تطوراً. وهمنا الأول في هذا المشروع هو العمل على دراسة موقعين في لبنان مصنفين على لائحة التراث العالمي ،عنيت بهما بعلبك وصور».
وأشار وزير الثقافة إلى أن السبب الذي أدّى الى اختيار هذين الموقعين يرتبط بالعدوان الإسرائيلي العام الماضي على لبنان. حيث جرى نقاش في الصحافة اللبنانية وبين المهتمين حول الضرر الذي ألحقه القصف على هذين الموقعين. لكن تبيّن لاحقاً أنه لم يكن هناك من أضرار تُذكر في الموقعين إلّا حجراً سقط من أحد جدران قلعة بعلبك ولم يحدّد حتى إن كان قد جاء سقوطه من جراء القصف أم نتيجة لتآكل الحجر بسبب العوامل الطبيعية.
لكن، يبدو أن عدم تحديد سبب السقوط كان كافياً لإدراج فكرة مشروع ـــــ على لائحة المشاريع التي قدمت في مؤتمر ستكهولم ــــــ يتعلق بتعزيز القدرات البشرية والتقنية والفنية في التوثيق الرقمي الرسمي: خرائط ثلاثية الأبعاد لموقعين تراثيين مدرجين على لائحة التراث العالمي. وهذه التوثيق الرقمي يمكّن من إجراء دراسات لتحديد النقاط في المواقع تظهر أي تغير يطرأ عليها.
وقد أقرّ تمويل هذا المشروع من جانب مصادر مختلفة تتجمع في صندوق الأمم المتحدة لإنعاش لبنان. أما الوكالة التي ستنفذ المشروع فهي المكتب الإقليمي لليونسكو في بيروت وبالطبع الشريك المعني وزارة الثقافة ــــــ المديرية العامة للآثار.
مما لا شك فيه أن مشروعاً توثيقياً كهذا بأحدث التقنيات إنما هو نقطة إيجابية للبنان لو أتى في غير هذا التوقيت ومن دون حجة الحرب الإسرائيلية على لبنان. فقد رصدت مبالغ خيالية لمواقع أثرية لم تتضرر قط من العدوان، لكنها مصنفة على لائحة التراث العالمي. وهل أتى المشروع لأنه «يجب» أن يكون للبنان مشروع في إعادة الأعمار يتعلق بالآثار. فإن كانت تلك هي الحال، فلماذا ترصد الأموال لموقع صور غير المتضرر في حين أن الصواريخ الإسرائيلية أحدثت فجوات بعمق 17 متراً في واجهة قلعة شمع الشمالية التي تشرف على مدينة صور وسهلها؟ والجدير بالذكر أن كلفة ترميم قلعة شمع لا تتخطى 400.000 ألف دولار أمريكي، لماذا لم تحظَ هذه القلعة بفلس واحد من كل مشاريع إعادة الإعمار؟ وخاصة أن موسم الشتاء على الأبواب والمطر لن يرحم أسوار القلعة المهدمة والمتناثرة حجارتها في كل أرجائها.
أمّا من الناحية الثانية، فتم اختيار مشروع علمي متطور لهذه الدرجة كالتدرب على التوثيق الرقمي لموقعين أثرين في حين أن المديرية العامة للآثار لا تملك خارطة أثرية للبنان. ولم يتم حتى الآن في لبنان أي مسح أثري للتحديد الهندسي البسيط للمواقع الأثرية. ولا تزال لوائح المواقع في المديرية تعود إلى فترة ما قبل حرب 1975. والسؤال الأخير هو أن تراث الجنوب تضرر بشكل مباشر من العدوان الإسرائيلي ويعيش الجنوب اليوم خطر زوال هويته التاريخية، فلم لا تقوم وزارة الثقافة أو مكتب اليونسكو بأي مشروع توثيقي لذلك التاريخ المهدد؟ أو ليس ذلك ضرورياً؟
وكان الوزير متري قد وقّع مشروعاً ثانياً أيضاً برعاية منظمة اليونسكو وبتمويل من الصندوق النروجي يتعلق بالحوار الثقافي بين الشباب اللبناني بقصد المصالحة. وقال متري إن المشروع «أتى بُعيد العدوان الإسرائيلي على لبنان حيث كان التباعد والحذر المتبادل بين اللبنانيين». أمّا الآن وبفضل التمويل النروجي الذي يبلغ 211,489 ألف دولاراً أميركياً، فسيسمح لمكتب اليونسكو في بيروت بإطلاق برنامج حواري بين 300 طالب وطالبة.