strong>تتناول هذه الدراسة دور الجيش اللبناني بعد صدور قرار مجلس الأمن 1701، وإلى أيّ حدّ يستطيع الجيش اللبناني الصمود أمام المهمة المعقدة الموكلة إليه بفرض سلطة الحكومة على حزب الله، وهل يمكن أن تصل الأمور إلى حد تجريد الحزب من سلاحه؟

يرفض حزب الله تجريده من سلاحه طوعاً، أو أي حل خلاق آخر يعرض عليه ويخضعه لإمرة الحكومة، مثل دمج وحداته أو مقاتليه في إطار الجيش اللبناني. وقد طرح قائد حزب الله حسن نصر الله أكثر من مرة شروط هذا التنظيم، غير الممكنة، لمناقشة تجريده من سلاحه:
إزالة الخطر الإسرائيلي عن لبنان، أي ما دامت إسرائيل قائمة، وإقامة دولة قوية ذات جيش قوي يستطيع ردع إسرائيل عن مهاجمة لبنان.
صحيح أن الوضع الذي نجم في الجنوب مع انتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل المعززة يقتضي من حزب الله التكيف مع الظروف الجديدة التي هي أقل راحة له من السابق، ولكن حتى في هذه الظروف، فإن حزب الله لا يرى إمكانية معقولة لأن يعمل الجيش اللبناني، الذراع التنفيذية للحكومة، على تجريده من سلاحه. على العكس، حزب الله، كما يبدو، واثق بأن قدرته الردعية في الساحة الداخلية لم تتضرر، وأن جيش لبنان ليس تهديداً حقيقياً له، بل كل ما في الأمر أنه يعتبره مزعجاً، وأكثر من مرة تناوله نصر الله باستخفاف.
لقد كان هذا هو سبب موافقة نصر الله على نشر الجيش اللبناني في جنوب البلاد في إطار القرار 1701، بعدما كان يعارض ذلك بعد انسحاب إسرائيل من لبنان. فمن ناحيته، وإن عُدّ ذلك مخاطرة، تبقى مخاطرة محسوبة، ويعرف كيف ينظم أموره مع الجيش اللبناني، ولديه وسائل ضغط على حكومة السنيورة إذا ما شذت عن إطار التفاهمات المتعلقة بالتسليم بوجوده في جنوب لبنان.
في مطلع أيلول 2006، حدّد نصر الله قواعد «الأمر والنهي» بينه وبين الجيش اللبناني في الوضع الجديد. فحسب فهمه، تقع على الجيش مسؤولية الرد على أي خرق إسرائيلي، كما تصرف حزب الله إلى الآن. ولكن هناك سمّ في الدسم، فالمقاومة لم تختف وستكون حاضرة، حسب قول نصر الله، بشكل خفي وغير رسمي، لكي تساعد الجيش اللبناني.
في «النهي» وضّح نصر الله أنه يُمنع على الجيش اللبناني تجريد المقاومة من سلاحها أو التجسس عليها أو مداهمة الأماكن التي تحفظ سلاحها فيها. ولاحقاً، ومنعاً لأي شك، فقد وجّه نصر الله «للدولة أيضاً» تهديداً يقول فيه إن ما من جيش في العالم يستطيع نزع سلاح حزب الله.
إلا أن حزب الله، مع ذلك، قلق من اتجاهين خطيرين بالنسبة إليه: زيادة حدة الجدل الداخلي في لبنان حول مسألة مستقبل سلاحه، والتآكل المستمر في شرعية حمله للسلاح، وذلك إلى جانب الإصرار الذي يبديه السنيورة، والعمل على مسارات بواسطة الجيش اللبناني، تهدف إلى سحب شعار حماية لبنان من أيدي حزب
الله.
على هذه الخلفية، أوضح زعماء حزب الله في سلسلة من التصريحات المشاكسة، أن التنظيم سيواصل المحافظة على وجوده غير العلني في الجنوب، وسيجدد أيضاً هجماته على إسرائيل إذا ما خرقت السيادة اللبنانية، بحراً وبراً وجواً.
على أية حال، في هذه المرحلة، يبدو أن حزب الله يفضل الامتناع عن الاحتكاك بالجيش اللبناني ويوجّه سهام نقده إلى السنيورة ومعسكر 14 آذار، ويتضمّن ذلك المطالبة بحكومة وحدة التي تعد جزءاً من مجمل الضغوط التي يمارسها هذا التنظيم على الحكومة.
الجيش اللبناني ليس وكيل نزع سلاح أو وكيل تغيير
منذ تأسيسه في 1/8/1945. وقد أدّى الجيش اللبناني، أسوة بباقي الأجهزة الأمنية للدولة، دوراً مهماً في المحافظة على الاستقرار الداخلي. وشكلت وضعية الجيش مقياساً لمدى استقرار لبنان وسيادته واستقلاله. ويبدو أنه في أعقاب الحرب الأخيرة، عاد الجيش ليؤدي دوراً ملموساً لكونه جناحاً تنفيذياً للدولة اللبنانية.
في الظروف الحالية، من غير المعقول أن تأمر الحكومة اللبنانية جيشها بتجريد حزب الله من سلاحه. ومن المشكوك فيه أن يعمل الجيش (بمساعدة أو من دون مساعدة من اليونيفيل) على التطبيق الكامل للقرار 1701، بكل ما يتعلق به من نزع الأسلحة غير التابعة للحكومة في منطقة جنوبي نهر الليطاني. ومع ذلك، فإن نشر الجيش في الجنوب يضع أسساً لاتّجاهين متداخلين، سيكون لهما، إذا ما استمرا، انعكاسات إيجابية على أمن إسرائيل، ويتلاءمان مع الأهداف الاستراتيجية لحكومة السنيورة.
فمن جهة، تعد عملية تعزيز وضع الدولة اللبنانية وصلاحياتها في النظام المركزي، تحقيقاً تدريجياً لسيادتها على كل أراضيها، وتحمّل المسؤولية عمّا يجري على أرضها ومن أرضها.
ومن جهة ثانية، تجري عملية استيعاب حزب الله من خلال سحب الصلاحية التي أخذها على عاتقه من دون إذن لإدارة الخلاف مع إسرائيل واستخدام القوة ضدها. وحالياً، بدأت المسألة تأخذ منحى مختلفاً يتميز بتدخل متزايد لحكومة السنيورة في مواضيع مختلف عليها مع إسرائيل: المنطقة المسمّاة مزارع شبعا، الأسرى، وأيضاً الاستعداد للدفاع عن لبنان ضد عمليات إسرائيلية.
الشرط الرئيسي لذلك، أولاً وقبل أي شيء، قيام جيش لبناني قوي ينتشر بشكل فعال إلى جانب قوات اليونيفيل المعززة، على طول الحدود مع إسرائيل، ومن خلال ذلك الاستجابة النظرية للتحدي الذي يثيره نصر الله أمام الحكومة، بشأن إقامة جيش قوي ذي قدرات شرطاً لمناقشة موضوع تجريده من سلاحه. جيش كهذا سيكون عنواناً سياسياً واضحاً أمام إسرائيل لتحمّل مسؤولية أي حادثة تدهور أمني، وسيشكل عنصر ردع في الساحة الداخلية قبالة حزب الله.
إن تحقيق هذين الاتجاهين، لا يتعلق فقط بوظيفة القوة العسكرية مهما كانت متطورة. وهو مرتبط قبل أي شيء بمدى تصميم الحكومة اللبنانية وإصرارها على استخدام الجيش اللبناني لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وقدرتها على التغلب على العقبات المختلفة التي تقف أمامها، من الداخل ومن الخارج.
هناك إمكانية لقيام حزب الله وعرّابيه في دمشق وطهران، بمقاومة محاولات إضعاف مكانة هذا التنظيم في لبنان وسحب حق النضال المشروع ضد إسرائيل من يده. وبدأت تلوح بوادر محاولة كهذه لإضعاف حكومة السنيورة وتقويض الاستقرار الداخلي في لبنان.
إضافة إلى ذلك، هناك أهمية كبيرة لمدى الالتزام والدعم الدوليين لمساعدة حكومة السنيورة، ومن ضمن ذلك زيادة حجم المساعدات لتطوير الجيش اللبناني وتعزيز قدراته على القيام بمهماته المعقدة، سواء في الساحة الداخلية أو على طول الحدود مع سوريا لمنع التهريب، ومع إسرائيل أيضاً. ولكن الامتحانات الحقيقية للحكومة اللبنانية ما زالت أمامها، وإصرارها على تطبيق تصريحاتها سيقف أمام الاختبار في أول عمل إرهابي ينفذ من الأراضي اللبنانية.
صحيح أنه ليس في هذه العملية الطويلة والمعقدة ما يجرد حزب الله من سلاحه بالإكراه، أو بإقناعه بالتخلي عن سلاحه طوعاً، إلا أن هذه العملية قد تقلص مع الوقت، مجال ومساحة مناورة هذا
التنظيم.
بالنسبة إلى إسرائيل، وتحديداً أمام الصعوبة في توافر رد عسكري وفعال على مشكلة سلاح حزب الله، يجب أن تكون لها مصلحة واضحة في تشجيع هذه العمليات التي يقف الجيش اللبناني في مركزها.
صحيح أن فكرة جيش لبناني مزود بوسائل متطورة ومنتشر على طول الحدود قد تثير تحفظات إسرائيلية، في ضوء السابقة غير الناجحة لمساعدة السلطة الفلسطينية بوسائل قتالية، مع أن هناك فارقاً جوهرياً بين الحالتين، لكن على إسرائيل أن لا تقامر على الجيش اللبناني الموجود نظرياً تحت إشراف القوات الدولية، وعدم معارضة نقل وسائل قتالية متطورة إليه، مع دراسة كل حالة على حدة. ربما كان عليها توجيه دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا اللتين تشاركان في خطة تطوير الجيش اللبناني، من أجل توسيع المساعدات. فالبديل من شأنه أن يكون جيشاً لبنانياً ضعيفاً وغير فاعل في ظل وجود قوات يونيفيل تفتقر إلى الحوافز، وفي ظل وجود حزب الله الذي يعزز موقعه في الجنوب أيضاً، كحام للبنان ومفرّغ للقرار 1701 من مضمونه.
على أية حال، لا يكفي الوجود المادّي للجيش اللبناني في الجنوب، وعلى الدولة أن تضع برامج جديدة لترميم مكانتها وموقفها وفرض سيادة فعلية، وأن تكون بديلاًَ جذاباً لحزب الله، من دون أن يقتصر ذلك على الجانب الأمني، بل يتعداه إلى المستوى الاجتماعي. على سبيل المثال، يمكن تحويل المؤسسات الحكومية إلى عنوان ذي صلة يحشر موقع مؤسسات حزب الله أمام سكان الجنوب ومتطلباتهم الاجتماعية. ومهما كان عليه الأمر، وإن كان هذا الاتجاه في بدايته، فبالإمكان أن نرى من خلال العمل عليه، أنه أحد الإنجازات المهمة للحرب الأخيرة على لبنان.




الكاتب
داني بيركوفيتش
(باحث زائر في معهد بحوث الأمن القومي ـــــ جامعة تل أبيب)

المصدر
معهد أبحاث الأمن القومي (جافي سابقاً) التابع لجامعة تل أبيب

العنوان الأصلي
وكيل التغيير الأساسي ضد حزب الله ـــــ دور الجيش اللبناني




الجزء الأول | الجزء الثاني