عرفات حجازي
رئيس المجلس يتّهم الأكثرية بإقفال باب الحلول ويضع اللمسات الأخيرة على خطة تحركه باتجاه الاستحقاق الرئاسي

مع انتهاء معركة الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي وبيروت، يتهيأ رئيس المجلس النيابي للقيام باتصالات مكثفة مع المعنيين من مختلف الاتجاهات، وهو يضع الآن اللمسات الأخيرة على جدول هذه اللقاءات والخطة التي سيعرضها بهدف تأمين الاستحقاق الرئاسي بالتوافق وعلى أساس نصاب الثلثين، مراهناً على وعي وطني لدى القيادات اللبنانية نظراً الى خطورة استمرار الدوران في الحلقة المفرغة.
ويؤكد الرئيس نبيه بري في مجالسه الخاصة أن الاستحقاق الرئاسي «مفصليّ، ولا بد من العمل الجاد لإنجازه، لأنه سيشكّل بوابة الخلاص من الأزمة ويطلق دينامية متحركة في الأزمة الداخلية ويضع لها ضوابطها لمنعها من التمادي». وإذ يشدد على خطورة التطورات التي تعصف بالمنطقة في ضوء عمليات الفرز التي تجريها الولايات المتحدة للعرب، بين معتدلين ومتطرفين، وتعمّق خط الانقسامات بينهم، يحذر القيادات اللبنانية من الاستمرار في سياسة الكيد والمكابرة فيما تعقيدات الوضع الإقليمي والدولي تستدعي أن يحسموا أمرهم والعمل بجدية لتجاوز قطوع استحقاقات المرحلة بتوافق وتفاهم لنقل البلاد إلى مرحلة أخرى، منبّهاً من مغبّة جعل الانتخابات الرئاسية ورقة على طاولة الصراع بين المحاور المفتوحة في المنطقة وعليها. ولفت إلى أن المساعي والوساطات العربية والصديقة تواصل مساعيها وتسعى إلى توافق لبناني ــ لبناني لإبعاد شبح الفراغ الرئاسي والتوصل إلى حكومة شراكة وطنية تشكل حافزاً مسهّلاً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية برضا الفريقين، لأن تجاوز الدستور والمضي في خيار انتخاب رئيس يحظى برضا طرف واحد سيُرَدُّ عليه بخيار تصعيدي مماثل، وهو ما يجب العمل على تفاديه مهما كانت الصعوبات، لأنه يشكل مقتلاً لوحدة لبنان وعيشه المشترك.
والرئيس بري، رغم وفرة التصريحات التي يطلقها بعض قادة الأكثرية والتراجع عن بعض النقاط التي حسمت في المفاوضات التي تولاها الوسطاء والعودة إلى الحديث عن نصاب النصف زائداً واحداً ومعادلة حكومة 19 ـــــ 10 ـــــ 1، لا يزال يأمل بتأليف حكومة وحدة وطنية على قاعدة 19 ـــــ 11، مذكّراً بالاقتراح الذي عرضه على الوزيرين الفرنسي برنار كوشنير وميغيل انخيل موراتينوس اللذين أشادا بموضوعيته، واعتبراه مبادرة متوازنة يمكن بلورتها في صيغة حل منصف للجميع. ويتضمن الاقتراح احترام المهل الدستورية والاتفاق على رئيس ينتخب بنصاب ثلثي النواب الأحياء كما ينص الدستور وتقضي الأعراف، مع تأليف لجنة متابعة تضم اثنين من الموالاة واثنين من المعارضة، لوضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ. كما ينص الاقتراح على ضمانات متوازنة ومطمئنة لفريقي الموالاة والمعارضة. لكن هذا الاقتراح، وفق مصادر بري، اصطدم بتعديل من الموالاة شمل عدد أعضاء اللجنة والفترة الزمنية المحددة لمهمتها من أسبوع إلى أسبوعين، على أن تعمل هذه اللجنة على تأليف حكومة الوحدة الوطنية. لكن الفريق نفسه عاد واشترط التزامن بين الحكومة والرئاسة، وهذا ما نرفضه، لأن لكل استحقاق معطياته وضماناته. وهنا أدرك الرئيس بري أن فريق الأكثرية لا يريد حلاً، بل يريد الاستمرار في سياسة التحكّم والاستئثار وأنه ماضٍ في خيارات ستدمر البلد نتيجة تعطيله لكل المبادرات والوساطات والتفاهمات بما يدحض الافتراءات التي تسوّق بأن المعارضة هي من يعطل الحلول والتسويات، وأن الموالاة بتكرارها الدعوة إلى الحوار عبر أقطابها من الصقور تستبطن الرغبة في إضاعة الوقت إلى حين حلول موعد الاستحقاق وتعذّر انتخاب الرئيس، ما يعني بكل بساطة انتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى حكومة فؤاد السنيورة القائمة حالياً. وهذا ما يفسّر قول رئيس كتلة «المستقبل» أن الحكومة خط أحمر، وتأكيد قائد «القوات اللبنانية» إنه لا يمكن مجرد التفكير في إعطاء الثلث المعطل للمعارضة. وقد جاراهما الرئيس أمين الجميل والنائب وليد جنبلاط بأن الأكثرية ليست في وارد الاستجابة لمطالب المعارضة، لأنها ستضرب آخر ضمانات الحكومة المركزية، وهو ما يتوافق مع الأجندة الأميركية. وما القرار المفاجئ، في توقيته ومضمونه، للرئيس جورج بوش بتجميد الأصول المالية «للأشخاص الذين يعملون على إسقاط الحكومة الشرعية ومساعدة التدخل السوري في لبنان»، سوى دليل على أن فريق الأكثرية لا يمتلك قراره وأنه أصبح رهين السياسة الأميركية التي أعدّت الترتيبات المطلوبة لانتخاب رئيس جديد بنصاب النصف زائداً واحداً أو بمَن حضر كما قال أحد أعضاء فريق 14 آذار.
ويثني بري، في مجلسه الخاص، على الجهود التي يبذلها الفرنسيون لمساعدة اللبنانيين على تجاوز أزمتهم السياسية، ويقول إنهم أكثر حماسة وصدقاً في العمل والمثابرة من بعض العرب، وإن كوشنير أبلغه أنه سيمضي في مهمته مهما كانت المتاعب والتعقيدات وأنه مصرّ على النجاح حتى لو اضطر إلى البقاء في لبنان إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية.
ومع انتهاء معركة الانتخابات الفرعية، تعود الأزمة السياسية إلى الواجهة، ومعها ينتظر أن تعود الحركة المرتبطة بالمبادرتين العربية والفرنسية، والرئيس بري وعد الوسيطين عمرو موسى وبرنار كوشنير بإبقاء الاتصالات معهما مفتوحة، حتى إذا لاحت في الأفق معطيات مشجّعة فسيبلغهم بها على الفور لاستئناف وساطتهما بين الأطراف للوصول إلى تسوية عادلة تراعي مطالب الجميع وتضع لبنان على طريق الخلاص.