غسان سعود
الحلبي: لبيـــروت العروبـــة لا التي تفتـــح يديهـــا لجعجـــع ورايـــس والـ«بنـــادرة»

لولا «بيروت ثانية»، لكان الانتخاب الفرعي في الدائرة الثانية لبيروت، قد تحول إلى «لا انتخاب»، نسبة إلى السخونة التي تتميز بها معركة انتخابات المتن و«حرب» التحديات التي تواكبها.
فمع إعلان أن «بيروت خط أحمر»، اصطبغت العاصمة فعلاً بالأحمر، لكن لرسم خطوط من نوع آخر، حدّدها شبان توزعوا على الأحياء ليكتبوا بخطوط عريضة أن «الفساد خط أحمر»، وكذلك أمن الناس، الرغيف، الضرائب والرسوم، السلم الأهلي، الأمن الاجتماعي، «الشغل» وكرامة المواطن.
إذن، عادت الأعلام الحمراء لتطوف شوارع العاصمة، معلنة أن اليسار لن يخلي الساحة وينسحب، وأنه حتماً سيعيد إلى المدينة ولو قليلاً من نكهتها، وسيفسح لها مجالاً «لتعبّر عن اشمئزازها من تحالف ميليشيات السلاح مع ميليشيات رأس المال والإقطاع السياسي والرعاع السياسي، ضد أهل بيروت»، كما يقول شاب بعدما فرغ من كتابة عبارة «الشغل خط أحمر».
إنه أحمر يلونه، للمفارقة، «يساريو» الزعيم جمال عبد الناصر والسيّد حسن نصر الله بحماسة «لبيروت ثانية»، غير تلك التي «أُغرقت في الدم، وطمرت تحت الردم، وجرفت حجارتها إلى البحر. بيروت الخير تمنحه لأبنائها وللوطن. لا هذه التي تتفشى فيها البطالة ويعم الفقر». وبانفعال عفوي، يتابع مرشح «حركة الشعب» إبراهيم الحلبي قائلاً: «بيروت العروبة، كرامتها شموخها، تفتح قلبها لجمال عبد الناصر، لا هذه التي تفتح يديها لسمير جعجع وكوندوليزا رايس و«بنادرة» محميات النفط. بيروت التي تصدت لدبابات العدو الصهيوني، لا هذه التي يريدونها أن تصد أبوابها في وجه المقاومة». يتمهل الحلبي قليلاً، ينظر في الوجوه الشابة المتحلقة حوله، ويتابع: «بيروت الثقافة والأدب والفن، لا بيروت المخدرات والخلاعة وعلب الليل».
«بيروت ثانية»، إذن، أبت، في معزل عن النتائج، إلا أن تواجه «الخط الأحمر» بالقاني من خطوط اليساريين والناصريين، والمقاومين على اختلاف مشاربهم، واختارت لذلك مرشحاً شاباً انحاز منذ مطلع صباه إلى الضفة الثائرة، مناصراً للحق الفلسطيني، رافضاً الإقطاع السياسي في بيروت وتسخير الدين لخدمة هذا الإقطاع. وهو الذي حرمته الحرب والظروف المادية إكمال تحصيله العلمي، أصبح اليوم نائب رئيس «حركة الشعب»، بعد أن نشط فترة كبيرة في الحزب الشيوعي اللبناني. ويرى أن دخول الحركة المعركة الحالية «مرده أولاً، إلى إيماننا بأن ثمة من يدفع لبنان إلى أتون الحرب الأهلية». ويعترف بأن فوز مرشحي المعارضة في بيروت والمتن «قد يسبب في أسوإ الأحوال إشكالاً قانونياً يعود بته إلى المراجع القضائية المختصة، لكنه حتماً لا يؤدي إلى أزمة سياسية تدفع البلاد إلى ما يريده أعداء وطننا وشعبنا».
ويستغرب الحلبي «صراخ الذين فرضوا المعركة للمطالبة الآن بتجنيب لبنان هذه المعركة». ويرد على كل ما قيل بحقهم منذ بدأت المواجهة، بالسؤال عمّن كان في مواقع الحكم في زمن الوصاية. وهل انتقل لبنان بعد «ثورة الأرز» إلى «الحرية والسيادة والاستقلال» أم سقط «تحت وطأة احتلال مقنّع يمارس فيه السفير الأميركي دور المفوض السامي؟». وبهدوء لافت، ينتهي إلى دعوة كل مواطن إلى سؤال نفسه قبل التوجه إلى صندوق الاقتراع إذا كانت الأوضاع بعد سنتين من «استيلائهم الكامل على السلطة» أفضل أو أسوأ.
ويتحدى الحلبي تيار «المستقبل» الذي «يتهم كل من يترشح ضده بالشراكة في القتل، أن يسمي مواطناً قتلته «حركة الشعب»، أو اعتدت عليه، أو أرهبته، أو سعت إلى استغلال جوعه وشراء ذمته»، لافتاً إلى أن المواطنين «يتذكرون جيداً أسماءهم وألقابهم ومواقعهم ومجازرهم».
ويرى مرشح «بيروت ثانية» أن وجه الشبه كبير بين المعركتين في المتن وبيروت، وسلاح «استحضار الدم السلطوي» حاضر في الاثنتين، مضيفاً أن «الفريق الحاكم، والمستقبل خصوصاً، هو الأكثر خبرة اليوم بين الأطراف السياسية في حروب الإلغاء منذ عام 1992، وخصوصاً في انتخابات الـ 2000 حيث أقفل أعرق البيوت السياسية البيروتية». وأعلن احترام قرار «حزب الله» وحركة «أمل» المؤثرين في دائرة بيروت الثانية، «اللذين لم يدعوا أبداً مناصريهما إلى المقاطعة»، مشيراً إلى «أن ما حصل في انتخابات 2005 في بيروت، أثناء الحلف الرباعي، واضح الدلالات». ويؤكد من جهة أخرى «أنه ليس المهم عدد الأصوات التي سيحصل عليها، بقدر ما هو الحفاظ على تفاعل أشخاص وطنيين من كل الطوائف تجمعهم قضية مشتركة».
في المكتب المجاور لغرفة الحلبي، يجلس رئيس «حركة الشعب» النائب السابق نجاح واكيم وسط عشرات الصحف، يتابع تفاصيل المعركة «التي لن تتعدى تكلفتها بضعة آلاف الدولارات». فوق طاولته ورقة كتب عليها بخط يده: «لم نكن قبل الثورة أفضل حالاً مما نحن عليه اليوم، بل أسوأ بكثير. ولم تكن الظروف المحيطة بأمتنا أقل صعوبة وتعقيداً، ولا الأعداء أقل شراسة وخطراً. مع ذلك فقد قامت الثورة. نجحت وقاتلت وأعطت لأمتها وللعالم كله... بل نجحنا وقاتلنا وأعطينا بالثورة لأمتنا وللعالم كله. ماذا بقي منها؟ الدليل القاطع على أننا نقدر إذا نحن أردنا، فالنصر عمل، والعمل حركة، والحركة فكر، والفكر فهم وإيمان... وإن كل شيء يبدأ بالإنسان».