نهر البارد ـ نزيه الصديق البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

تحضيـــرات واسعـــة لبـــناء منـــازل مؤقتـــة قبـــل انطـــلاق العـــام الدراســـي

ساد هدوء لافت وغير مسبوق يوم أمس في مخيم نهر البارد، ولم تتعد الاشتباكات التي دارت أمس بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم فتح الإسلام حدود المناوشات الخفيفة.
وفي موازاة ذلك، توقف المسلحون عن إطلاق الصواريخ باتجاه الأماكن المجاورة للمخيم، ولم يخض الجيش اللبناني بدوره معارك عنيفة وضارية معهم، وتقلصت الاشتباكات إلى حدود حصول اشتباكات محدودة ومتقطعة في محيط السوق وسط المخيم القديم، وعلى أطراف المربع الأمني الذي يتحصن المسلحون ضمنه، وفي اشتباكات أخرى وقعت في محيط مقر التنظيم، وعلى المحور الشمالي، وتحديداً عند مثلث مركز ناجي العلي الطبي ـ التعاونية ومركز الشفاء.
لكن معلومات أمنية أفادت بأن وحدات الجيش حاولت تحقيق اختراق في حي المهجرين الواقع على تخوم المخيم القديم من ناحية المحور الشمالي، الذي لا يزال المسلحون متمركزين فيه، لكونه محاطاً بسلسلة طويلة من الأبنية المحصنة والمتجاورة، ودارت حوله اشتباكات استخدمت فيه الأسلحة المتوسطة والخفيفة.
وعند المحور الجنوبي دكت مدفعية الميدان التابعة للجيش أحياء البروة والغوارنة ومحيط مسجد الحاووظ ومسجد الشيخ علي بالقذائف لبعض الوقت قبل ظهر أمس، كما سجل قصف مدفعي متقطع واشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة على المحور الشرقي.
إلا أن التطور الأبرز في اشتباكات أمس، الذي خرق حال الاسترخاء التي خيمت على مختلف الجبهات، تمثل في اشتباكات وقعت قرب التعاونية بعد محاولة المسلحين التسلل إلى خارج مواقعهم، ما أدى إلى سقوط ستة جرحى في صفوف الجيش، اثنان منهما جروحهما بالغة.
وكانت قيادة الجيش قد نعت أول من أمس الرقيب الشهيد جورج بطرس تنوري من بلدة قاع الريم ـــــ زحلة الذي استشهد بتاريخ 3/8/2007.
وشيعت قيادة الجيش كلاً من الرقيب تنوري والرقيب الشهيد بيار أمين بو ضلع من كفرحبو ـــــ الضنية والعريف الشهيد راجح جميل وردة من الدورة ـــــ عكار حيث احتضنهم الأهالي ورفاق السلاح بمواكب شعبية حاشدة. ثم أقيمت الصلاة عن راحة أنفسهم الطاهرة. وألقيت كلمات لممثلين عن العماد قائد الجيش.
في الوقت ذاته، استكمل الجيش عملية تمشيط الأحياء والأبنية والمواقع التي يسيطر عليها، وهو وضع يده على عدد من الملاجئ والتحصينات والمواقع التي كان المسلحون يستخدمونها، وعثر فيها على أجهزة عسكرية ومعدات وذخائر فصادرها.
وفي البداوي، بات نازحو مخيم نهر البارد على اقتناع بأن عودتهم إلى بيوتهم وأرزاقهم ومدارسهم أصبحت مستبعدة بشكل كلي، بعد الدمار الواسع الذي لحق بالمخيم منذ اندلاع الاشتباكات.
وترسخت هذا الاقتناع لدى النازحين بعد مشاهدتهم الصور التي بثتها محطات التلفزة والصحف من داخل المخيم، والتي أوضحت حجم تغيير المعالم الذي طال شوارع المخيم وأحياءه وأزقته وبيوته التي تحولت إلى ركام، وكوّنت انطباعاً عاماً من أن «إزالة هذا الركام تزيد تكلفته على تكلفة إعادة إعمار المخيم وبنائه من جديد»، حسب ما أوضح لـ«الأخبار» مسؤول فلسطيني في مخيم البداوي.
وتوازياً مع هذا اليأس غير المعلن من النازحين حيال احتمال العودة مجدداً إلى مخيم نهر البارد، الذين بدأ قسم كبير منهم يتعايش على مضض مع محنته الحالية، والبدء بتنظيم حياته مجدداً انطلاقاً من نقطة الصفر، إذ «علينا الالتفات إلى تأمين معيشة عائلاتنا، فلا اتهام الفصائل الفلسطينية بالتقاعس يجدي، ولا مقتل جميع أفراد «فتح الإسلام» الذين احتلوا مخيمنا وأدخلونا في هذه الورطة سيعيدنا إليه، ولا الجيش اللبناني الذي وُرّط في هذه الحرب سيقبل بعودة المخيم إلى ما كان عليه في السابق»، حسب ما يشير أبو سالم فراس، الرجل الخمسيني الذي نزح وعائلته من المخيم عند اندلاع المعارك، واضطر للمبيت أياماً عند أقارب له في مخيم البداوي، قبل أن يستأجر بيتاً في ضواحيه.
وإذا كان أبو سالم فراس قد وجد حلاً مؤقتاً لمشكلته، فإن نحو ستة آلاف عائلة نازحة ينتظرها مصير غامض، وخصوصاً المقيمين في المدارس داخل المخيم وخارجه، الذين لا يقلون عن ألف عائلة على أقل تقدير.
ففي هذا المجال أوضح عاملون في هيئة الإغاثة الفلسطينية أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «الأونروا»، تتفاوض مع جهات لبنانية من أجل استئجار عقار يقع جنوبي مخيم نهر البارد حالياً، وتبلغ مساحته قرابة 200 ألف متر مربع، من أجل وضع منازل مؤقتة فيه لإيواء العائلات النازحة بأسرع وقت، وتحديداً قبل بدء العام الدراسي منتصف شهر أيلول المقبل، ومقدم فصل الشتاء.
وكانت مناقشات ولقاءات عدة قد عقدت وتناولت موضوع بناء المساكن المؤقتة، وإذا كان الأفضل بناؤها من خشب أو خفان وإسمنت، وقد استقر الرأي على استبعاد الخشب، رغم أنه أسرع لناحية الإنجاز والتسليم، إلا أن عدم الاستعانة بالخشب المضاد للحريق، نظراً لتكلفته المرتفعة، أدى إلى استبعاد الموضوع من أساسه.
ولفت العاملون إلى أن الاونروا استأجرت للغاية نفسها عقارات أخرى في محيط مخيم البداوي، وجرى التوافق على بناء نوعين من المنازل، الأول للعائلة التي تتكون من خمسة أفراد وما دون، وتكون مساحته أقل من النوع الثاني المخصص للعائلات المكونة من ستة أفراد وما فوق، الأمر الذي يعني أن كل ألف متر مربع سيتسع لنحو 50 وحدة سكنية كمعدل وسطي.
واستباقاً لانطلاق العام الدراسي، جرى التوافق في جلسات عمل الأونروا على أن ينطلق العمل بزخم كبير، وأن يشارك ما لا يقل عن مئة متعهد ومئات الورش في عملية البناء المرتقبة.
وكان قد عرض على الأونروا استئجار شقق في مجمعات سكنية تقع في منطقة أبي سمراء، إلا أنه جرى استبعادها لبعدها عن مخيم البداوي.
وفي سياق متصل شرعت الأونروا في دفع بدل إيجار لألف عائلة نازحة ولمدة ثلاثة أشهر، شرط أن تكون هذه العائلات مقيمة عند عائلات أخرى. وتطرح الأونروا في هذا الإطار إعطاء الأولوية لهذه العائلات على أن تليها العائلات القاطنة في المخازن والكاراجات، وذلك بعد الشروع بإخلاء المدارس قبيل انطلاق العام الدراسي المقبل.