ثائر غندور
... وكأن الانتخابات تجري في مكان بعيد جداً عن شوارع بيروت. وكأن مواطني العاصمة من الطائفة السنية وحدهم المعنيون بهذه المعركة. فالشيعة والمسيحيون التزموا قرار أحزابهم بالمقاطعة، ولم يشاركوا. اعتبروا أنفسهم غير معنيين في «معركة حُسمت نتيجتها سابقاً» على حد تعبير أحد مناصري «حزب الله» الذي وقف يراقب الانتخابات أمام ثانوية الشهيد حسن خالد ـــــ حوض الولاية في برج أبي حيدر، أو أنهم لا يريدون أن «يثيروا فتنة إسلامية ـــــ مسيحية». في المحصّلة لم ينزل هؤلاء إلى أقلام الاقتراع. فجلس رؤساء الأقلام والمندوبون في الغرف، يتابعون معركة المتن.
في أحد أقلام الاقتراع في مدرسة الحكمة، أخبر كل واحد عن أطفاله. وحدها تلك الصبية المندوبة عن تيار «المستقبل» جلست تراقب الحديث من دون أن تتدخل والسبب: «أنا غير متزوجة، عن مين بدي إحكيبرز منذ الصباح الباكر الفتور في الأقلام غير السنية. ففي متوسطة المستقبل المختلطة وعند العاشرة والثلث صباحاً، كان أحد صناديق طائفة «اللاتين» مقفلاً، لأن الهيئة الناخبة لم تكتمل بعد. ومن المعروف أن قانون الانتخاب يشترط وجود أربعة أشخاص غير رئيس القلم والكاتب، لفتح الصندوق. دفع هذا الأمر رئيس القلم إلى تكرار طلبه لمندوبة مرشح «المستقبل» محمد الامين عيتاني من أجل أن تطلب من تيارها «إرسال ثلاثة مندوبين حتى نقفل الصندوق». وكان لافتاً وجود مندوبين باسم المرشحين عيتاني وصالح فروخ رغم إعلان الأخير انسحابه.
في المركز ذاته، تصعد إحدى الناخبات الدرج راكضةً. ينهمك مندوبو تيار المستقبل في البحث عن غرفتها، فهي الناخبة الرقم تسعة في القلم الشيعي. وعند سؤالها عن سرّ القدوم المبكر تردّ: «مثل ما قال الشيخ سعد: استيقظنا، قرأت الفاتحة وغسّلت ثم شربت القهوة وأتيت لأنزل الورقة زي ما هيي».
وعند دخول أي قلم، يسأل رئيسه فوراً عن حال بقية الأقلام. ثم يسأل عن المتن. «ماذا يجري هناك؟ هل حصلت إشكالات؟...». يشعر «الأساتذة» بأن لا دور لهم، رغم أنهم لا يخفون فرحهم بهذا الواقع، «لأننا سنعود باكراً إلى المنازل».
اضطر المندوبون في هذه المراكز إلى التعايش. لا شيء يقومون به. عليهم أن يتسلّوا، وخصوصاً أن بعض مندوبي «المستقبل» يعملون من أجل المقابل المادي، حسب ما تقول مندوبة للتيار، وحالما تعرف أننا نعمل في جريدة «الأخبار» تسحب كلامها وتقول: «كنت عم امزح وأهلاً وسهلاً فيكم نحنا منحترم كل الإعلام». في مقابل ماكينة فقيرة لحركة الشعب، يعمل متطوعوها على «فيول» رفض هيمنة «آل الحريري» على بيروت. هم مقتنعون بأن السياسة الاقتصادية لهذا الفريق ستودي بالبلد إلى الهاوية.
عند الثانية والربع تبدأ مباراة النهائي في كرة السلة بين منتخبي لبنان وإيران. يسكت الجميع في مدرسة الحكمة ليتابع المباراة. يجلس عناصر قوى الأمن الداخلي مع المندوبين ورئيس القلم، صامتين على أمل أن يفوز منتخب بلادهم. أحد عناصر الدرك فرح لهذه الحال، وخصوصاً أنه متابع دائم لكرة السلّة. يصل أحد الناخبين ليعكّر صفو متابعة المعركة. هو الناخب الخامس والعشرون في هذا الصندوق. لا يختلف حال المركزين الآخرين في الرميل عن هذه الحال. مناصرو حركة تأملوا خيراً من العونيين، لكن هؤلاء كانوا مشغولين في معركة المتن. وكان لافتاً ارتداء مناصري القوات اللبنانية «قميص» تيار المستقبل، ورفضت واحدة منهم اعتبارها جزءاً من ماكينة «القوات اللبنانية» رغم «الصليب المشطوب» الذي زيّنت عنقها به. وبالمحصلة لم تتعدّ نسبة المشاركة في انتخابات بيروت العشرين في المئة.

حملة حقي

وفي ظلّ كثافة المندوبين في الأقلام السنية وضآلة المقترعين في اقلام الطوائف الأخرى، كان شباب «اتحاد المقعدين اللبنانيين» و«جمعية الشبيبة للمكفوفين» نسمة الهواء العليل. لم يميّزوا بين قلم طائفة أو أخرى. ولم يميّزوا بين انتماء أي مواطن. أغلبهم متطوعون، بعضهم معوّق، وغالبيتهم ليسوا كذلك، بل هم أشخاص مؤمنون بأن كل المواطنين يجب أن يكونوا سواسية في الحقوق والواجبات.
همهم الأساسي، رفع قضيتهم إلى مستوى الاهتمام. قضية المعوّقين الذين يعطيهم القانون حق الاقتراع أسوة ببقية المواطنين، لكن واقع المراكز يمنعهم من ذلك. فلا وجود لأي تجهيزات لانتقالهم من طابق الى آخر، وخصوصاً مع وجود أغلب الأقلام في الطوابق العليا، إضافة إلى مداخل المراكز غير المجهّزة أبداً لهم. وأشارت الحملة في بيانٍ لها الى أن هناك 1305 مواطنين لبنانيين حصلوا على بطاقة انتخابية في المتن و1336 مواطناً في دائرة بيروت الثانية. ولفتت إلى عدم وجود أي مركز مجهّز بما يضمن وصول الأشخاص المعوقين حركياً.