ساحل المتن - نادر فوز
فرِح الأطفال بحمل أعلام لا يعرفون تاريخها ولا معانيها، حضر العجزة محمّلين على الكراسي، تحمّس الشباب بتوزيع اللوائح والهتاف لأحزابهم، توزّعت وجبات طعام والمأكولات على المناصرين، ضبط الغضب في النفوس وكبت الحقد في القلوب، نجح الجيش في مهمة ضبط أمن «المعركة». هذه هي المشاهد الأوليّة لليوم الانتخابي في ساحل المتن.
في سنّ الفيل، أخلى الزوّار الاعتياديون لـ«كنيسة السيدة» الدار باكراً، فتلوا صلواتهم ودعواتهم وتوّجهوا للمشاركة في المعركة. في مركز الاقتراع في بلدية سنّ الفيل، مقابل «السيدة»، تجمهر أنصار «التيار الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانية» والكتائب. طغت أعلام وأغاني «قوى 14 آذار» المسيحية على الساحة، فَعَلت الأناشيد القواتية من مركزهم الملاصق للبلدية، واحتلّ أنصارها مدخل مركز الاقتراع فيما بدا الدعم العوني خجولاً؛ «الأمور ليست بالبهورة» يقول أحد شبان «التيّار»، معتبراً أنّ وجود الأعلام والأناشيد والحشود لا يعني فعلياً أنّ «الجميّل سيسحق». أما القواتيون، بـ«العزم والإيمان» نفسيهما، فغطّوا عيونهم بـ«نظّارات البشير»، لبسوا بعض الألبسة العسكرية، حملوا راياتهم وتوّزعوا على بعض الزوايا المحيطة بالبلدية متفاعلين مع أناشيدهم محيّين المواكب السيّارة التي جابت مناطق ساحل المتن. سمعوا خطابات «الشيخ بشير»، فأعادتهم أكثر من عشرين عاماً إلى الوراء، فتذكروا بحنين «زحلة عروسة البقاع» و«مقاومة» الجيش السوري.
«وصل الحكيم يا شباب»، فاشتّدت الموجة القواتية قرب البلدية عند الساعة الثانية من بعض الظهر. لكن خيبة أمل «المقاومين» انكشفت مع ظهور عضو كتلة «القوات» النائب أنطوان زهرا ودخوله إلى المركز القواتي في سنّ الفيل.
وليس بعيداً عن المركز البلدي، يتكرّر المشهد في محيط ثانوية سنّ الفيل الرسمية. عند الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً كان الإقبال على صناديق الاقتراع في ذروته، وخف نسبياً مع الساعات اللاحقة، وتجاوزت حتى ساعات قليلة من إقفال الصناديق الخمسين في المئة.
جال نجل المرشّح أمين الجميّل، سامي، في مدرسة سنّ الفيل الرسمية وباقي المراكز الانتخابية في المتن. بدا سامي الذي قوبل بصيحات «بيار حيّ فينا»، من خلال جولته أنه يريد بسط الهدوء والروح الديموقراطية؛ فحيّا الجميع، عونيين وكتائبيين، وقبّل بعضهم، فالمعركة الانتخابية يجب ألّا تعني الخصام والحرب بين المسيحيين، بل على العكس هي مدخل إلى «حوار ووحدة المسيحيين التي ستتجسّد بعد انتهاء النهار الانتخابي» كما قال.
في برج حمّود، «المقاطعة الأرمنية»، شغّل حزب الطاشناق ماكينته الانتخابية ووزّع شبّانه على مراكز الاقتراع، ووفى بما وعد به «الجنرال». يتناقل الشبان ما حدث خلال الساعات الأولى من الصباح مع مرافقي كميل دوري شمعون، الذين أوقف عناصر الجيش اثنين منهم لعدم «رضوخهم للأوامر».
انحصرت المشاركة الأرمنية الجديّة في الساعات الأولى لفتح صناديق الاقتراع وخفّت بشكل ملحوظ بعد الظهر. ووصلت نسبة المقترعين إلى 45 في المئة. وظهر بعض المناصرين لـ«حركة اللبنانيين الأرمن الأحرار»، الذين لا يتعدى عددهم العشرات ولا يشكّلون قوّة تمثيلية فعلية. «إنهم مدعومون من تيار المستقبل»، يقول أحد العونيين، علماً أنّ عدداً من مؤسسي هذه الحركة طردوا سابقاً من الطاشناق. واقترع 10 آلاف ناخب أرمني من أصل حوالى ثلاثين ألفاً، كما تشير لوائح الشطب، وهي نسبة قريبة من المشاركة الأرمنية في انتخابات عام 2005.
وفي محيط المراكز الانتخابية، سرت الشائعات عن وقوع عدد من الإشكالات، فزادت الأجواء تشنّجا وتلبداً. كما أكّد مناصرو الطرفين توزيع لوائح ملغومة، فحملت أسماء كميل مطانيوس الخوري بدلاً من كميل منصور الخوري. وبيار أمين الجميّل بدلاً من أمين بيار الجميّل.
في ثانوية جديدة المتن للبنات، حيث اقترع النائب ابراهيم كنعان، كان الأبرز الحديث عن المقترعين «العرب» الوافدين من البقاع. يرافق كل مجموعة من هؤلاء المقترعين مرافقون لبنانيون يحرصون على عدم تواصل «أمانتهم الانتخابية» مع الصحافيين وأنصار الطرف الآخر. «انتخبوا الجنرال عون»، يقول أحد المرافقين. لكن الاقتراب من بعض «العرب» يوضح الأمر؛ «نحن عرب الفاعور بكل فخر مع الشيخ سعد الحريري والشيخ أمين». وتتوضح الأمور أكثر فأكثر: فانات مكيّفة لنقل المقترعين مزيّنة بصور «الرئيس الشهيد»، ووجبات طعام وزّعت عليهم مزدانة بشعار «القوات اللبنانية». فاكتفى بعض العونيين بالقول «بتحب لبنان حبّ صناعتو»!