strong>وفاء عواد
بهدوء تام لم تخرقه سوى هتافات «استعراضية» كان يطلقها مندوبو تيار «المستقبل» الذين احتشدوا أمام مراكز الاقتراع، دعماً لـ«الشيخ سعد»، قال البيارتة كلمتهم في صندوق الاقتراع، مختارين أحد الشعارين: إما لـ«بيروت خط أحمر» وهي «لن تموت» أو لـ«بيروت ثانية»

منذ ساعات الصباح الأولى، كان كل شيء في دائرة بيروت الثانية يشير إلى أن «المعركة» الانتخابية انتهت قبل أن تبدأ، وأنها «محسومة» لمصلحة مرشّح تيار «المستقبل» محمد الأمين عيتاني، في مواجهة الخصم السياسي القديم والدائم «حركة الشعب» بمرشحها إبراهيم الحلبي، في ظل الانتشار الكثيف للمكاتب الانتخابية، التي شهدت «ولادات جديدة» مفاجئة قبل بدء عملية الاقتراع بساعات، إلى حدّ ضاق معه شارع البربير ـــــ البسطة بـ 14 مركزاً متلاصقاً، وهو ما أشار إلى «استنفار» اقتضته مخاوف ما. وذلك، بعد مضي ساعات معدودة على تلقّي أهالي بيروت، وتحديداً السنّة منهم، رسالتين على هواتفهم المحمولة: الأولى تنصّ على: «قم باكراً واشرب القهوة واقرأ الفاتحة عن روح الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، واتّكل على الله، وانزل صوّت.. مع تحيات سعد الحريري». أما الثانية فنصّت على: «صباح الخير يا بيروت. صباح الخير يا أهلنا. ناطرينكم، بكّروا بالنزلة، والله يحميكم.. مع تحيات سعد الحريري».
وفيما كانت نحو 2200 سيارة تجوب شوارع العاصمة حاملة اللافتات وصور الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب الحريري، وبعض صور النائب الشهيد وليد عيدو، على وقع أناشيد حماسية، كانت الماكينة الانتخابية المتواضعة جداً بإمكاناتها المادية لـ«حركة الشعب» تخطّط، على طريقتها، لـ«كسب المعركة» معنوياً، من أجل «كسر الأغلال ونزع الأقنعة عن عقل بيروت وقلبها هي التي تحتاج لممثلين لا لموظفين»، على حدّ تعبير أحد ناشطي الحركة.
ولـ«الاستنفار» الذي عبّر عنه مناصرو «المستقبل» في الشوارع وأمام مراكز الاقتراع تفسيراته لدى رئيس الماكينة الانتخابية للحركة رأفت زبداوي، إذ إنهم «أحسّوا بحجم حركتنا المتواضعة»، فـ«قاموا منذ 3 أيام بتوزيع الحصص الغذائية على أهالي بيروت»، بما «تناغم مع كثافة فتح المكاتب الانتخابية وحجز السيارات».
ومهما كانت النتيجة، يختصر زبداوي لـ«الأخبار» الرسالة التي أرادت الحركة توجيهها بقوله: «أردنا بيروت ثانية، لا بيروت جديدة. بيروت التي تعرف أهلها وشوارعها، حيث لا مكان مغلقاً أمام أحد، لا بيروت العلب الليلية التي يحاولون إعطاءها للغير»، مرفقة بضرورة إثبات أن بيروت «لا يحتكر تمثيلها طرف أو شخص أو عائلة أو تيار»، و«لا أحد يستطيع إلغاء آخر».
وإذا كانت ضرورات المنافسة «غير المتكافئة»، وتحديداً في الإمكانات المادية، لم تعفِ لوائح الشطب من بعض الأخطاء «المعتادة»، الأمر الذي حرم بعض الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، فإن ما كان لافتاً هو الحديث «العلني» عن أموال كانت تغدق على المندوبين، مثل إعطاء إحداهنّ مبلغ 250 دولاراً مقابل تركها ماكينة الحركة. وفي المشهد العام الذي كان ملبّداً بالغيوم المذهبية «المخيفة»، كانت اللافتات والصور والشعارات تلفّ الأمكنة المحيطة بمراكز الاقتراع الـ21 المنتشرة في مناطق المصيطبة والباشورة والرميل، ولم يوحّد المندوبين سوى لون القبعات و«التيشرتات» البيضاء.
وفي جولة لـ«الأخبار» على بعض مراكز الاقتراع، لا سيما المخصّصة منها للناخبين السنّة، بدا المشهد واحداً برمزيته، وإن اختلفت الأسماء وتبدّلت الأمكنة. فـ«كرمى للحريري» و«كرمى للشهيد»، لم يتردّد الناخبون في منح دمائهم للحريري، و«معو للموت»، ولو كان المرشح عيتاني «مجهولاً» بالنسبة للجميع.
ففي «ثانوية خديجة الكبرى ـــــ عائشة بكّار»، حيث كان الإقبال على الاقتراع «قوياً تخطّى الـ40 بالمائة»، حسبما أشار أحد رؤساء الأقلام وليد أبو بكري، وحيث صوّت مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني لـ«الحرية والسيادة والاستقلال»، جاء محيي الدين قطنجي ليمنح صوته للمرشّح «بهاء الدين عيتاني»، لأن «الشيخ سعد هيك بدّو»، نافياً معرفته بالمرشح، إذ «لا يهمّني برنامجه الانتخابي»، على غرار مصطفى عليوان الذي اقترع للمرشح عيتاني الذي لا يعرفه بل يعرف «تحالفاته السياسية»، و«بكّير عالبرنامج الانتخابي».
في المقابل، اقترع وسام بغدادي للحلبي رفضاً لـ«الصبّة الواحدة»، فيما عبّر وليد جبلاوي عن تأييده للحلبي لأنه «ضد الإقطاعية السياسية التي انتقلت من الأجداد الى الآباء فالأبناء».
وبين الاتجاهين، اختار أحد الناخبين الذي رفض التعريف عن نفسه، مع أن مظهره يوحي بتشدّده الديني، أن يوجّه رسالة لـ«المستقبل»، مفادها: «الانتباه لما يريده البيروتيون».
أما المفارقة الأهم، فعبّرت عنها إحدى المندوبات التي كانت ترتدي «تيشرت» تحمل صورة المرشح زهير الخطيب، وهو ما يفترض أن تكون قد صوّتت له، إلا أن الـ«350 دولاراً كانت كافية لأن أغيّر رأيي خلال دقائق معدودة بعد أن فكّرت بأولادي، فانتخبت عيتاني».
وفي «مدرسة وطى المصيطبة الثانية» التي ضمّت أقلام اقتراع قليلة للناخبين السنّة، أعطى إحسان رمضان وزوجته ابتهاج الدمشقيي الأصل صوتهما لمرشح «المستقبل»، ردّاً لجميل من منحهما الجنسية اللبنانية عام 1994. أما أيمن شعلان فلم يكن أمامه سوى خيار التصويت لعيتاني «لأن الشيخ سعد أمّن لي الوظيفة».
و«كرمى لعيون سعد»، لبّت زينة محمد الدعوة إلى انتخاب عيتاني و«زيّ ما هيّي»، مثلما رأت درويشة دوغان أن هذا هو «خيار بيروت»، الأمر الذي دفعها الى أن تأتي بسيارتها الخاصة و«من دون قبض مصاري».
وفي مدرستي «عمر فاخوري الابتدائية المختلطة» و«ابتهاج قدّورة» المتلاصقتين، منح علاء أبو زيد صوته لـ«استقلال لبنان»، معرباً عن أسفه لكون «الآخرين» ترشّحوا في وجه مرشّح «المستقبل»، من دون «أدنى احترام للدماء التي سالت». بدورها، صوّتت لمى علي، مثل والديها، لـ«14 آذار والشهيد الحريري الذي عمّر البلد». أما باسمة الكوسى، فلم تخفِ سرورها لكونها «أول من أسقطت الورقة في الصندوق»، و«لعيون الشهيد الحريري».
ولدى سؤال هدى قطنجي، التي تنتخب للمرة الأولى، عن الدوافع التي جعلتها تصوّت لعيتاني، تقول: «أحسن ما يطلع غيرو»، والأهم أنها لا تعرف شيئاً عن مرشحها والغير. وبذلك، لا تختلف حالها عن حال بشرى خيرو التي انتخبت الخطيب لأنه «حيادي» لا أكثر. في المقابل، صوّت محمد الجبيلي لـ«الرأي الآخر»، فيما منح خالد مومنة صوته للحلبي «الداعم للمقاومة».