القاهرة ـ الأخبار
  • السعودية: من الرفض العنيف إلى الرفض الهادئ


  • عندما تولّى الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز السلطة رسمياً في بلاده بعد وفاة شقيقه الملك الراحل فهد، تساءل الرئيس الأميركي جورج بوش في لقاء مع مسؤول عربي كبير: أيّ رجل هو؟ فكانت الإجابة إنّه ليس غريباً عنكم. قد تصلح هذه القصة ملخّصاً لرواية المشهد السعودي في الحرب التي شنّتها الآلة العسكرية الإسرائيلية على لبنان

    قدم الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى السلطة، وفي ذهنه استعادة دور بلاده النافذ في المنطقة، واستخدام أدواته السياسية والمالية والإعلامية لتكريس مرحلة جدية تؤدّي فيها السعودية دور المتبوع لا التابع.
    وعندما لاحت تباشير الحرب على لبنان، سارعت السعودية إلى الاصطفاف وراء ما رأته ترسانة العقل والمنطق، وهي تعي دروس 11 أيلول الشهيرة. قبل ذلك، كان الملك، وهو بعد ما زال ولياً للعهد، قد طرح فكرة المبادرة العربية للسلام خلال مقابلة مثيرة للجدل مع الصحافي الأميركي توماس فريدمان في محاولة لامتصاص الغضب الأميركي من حالة اللاديموقراطية السعودية التي أوصلت إرهابيين سعوديين إلى مركز التجارة العالمي وإلى مقر البنتاغون في مشهد غير مسبوق.
    كان الملك يعي مسبقاً أنّ استمرار تحسّن العلاقات مع أميركا هو شرط أساسي يجب أن يتزامن مع استخدام جزرة السلام مع إسرائيل، بعدما قرّر العرب منذ عقود، على الأقلّ من الناحية الرسمية، وضع العصا جانباً.
    كان الملك يتصوّر أنّ بإمكانه إنضاج مشروع سياسي للتسوية يحقّق فيه ما فشل فيه الرئيس المصري الراحل أنور السادات. كان الملك يردّد دائماً على مسامع بعض ضيوفه من العرب والأجانب رغبته في الصلاة في المسجد الأقصى بعد حسم الصراع العربي الإسرائيلي.
    لكن جاءت حرب لبنان لتطيح هذه الآمال العريضة. وكان منطقياً أن يكون الملك غاضباً، لا لأنّه أدرك للوهلة الأولى أن مشروع السلام أبعد من الواقع، بل لشعوره بأنّ فكرة الريادة السعودية باتت في خطر.
    لم يكن محض مصادفة أن تكون الرياض هي أول عاصمة عربية تعلن رفضها لسياسات حزب الله وعمليته الفدائية التي استتبعها رد فعل إسرائيلي ضمن مخطط شامليومها ألقت السعودية باللوم على «عناصر» داخل لبنان في ما يخصّ العنف مع إسرائيل. وقال بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) إن السعودية «تودّ أن تعلن بوضوح أنه لا بد من التفرقة بين المقاومة الشرعية والمغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن ورائها، من دون رجوع إلى السلطة الشرعية في دولتها، ودون تشاور أو تنسيق مع الدول العربية، فتوجد بذلك وضعاً بالغ الخطورة، يُعرِّض جميع الدول العربية ومنجزاتها للدمار، من دون أن يكون لهذه الدول أي رأي أو قول».
    وأضاف البيان: «إنّ المملكة ترى أن الوقت قد حان لأن تتحمل هذه العناصر وحدها المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسؤولة، وأن يقع عليها وحدها عبء إنهاء الأزمة التي أوجدتها». وأوضح البيان «أن المملكة ترى أن الوقت قد حان لأن تتحمل هذه العناصر وحدها المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسؤولة، وأن يقع عليها وحدها عبء إنهاء الأزمة التي أوجدتها». واتهم البيان «هذه العناصر» بجر المنطقة إلى «وضع بالغ الخطورة يعرِّض جميع الدول العربية ومنجزاتها للدمار من دون أن يكون لهذه الدول أي رأي أو قول».
    وهكذا كانت السعودية تخلي مسؤوليتها عمّا حدث، وتعلن صراحة أنها في حل من بذل أي مساعٍ لوقف العدوان ما لم يتوقف حزب الله.

    الملك الأردني وهاجس الشيعة

    لم يختلف نهج الملك الأردني الملك عبد الله في عمان عن نهج الملك عبد الله في الرياض. بيد أن خلفيات موقفه كانت مختلفة إلى حد ما. فالملك الشاب يدرك خطورة تجاهل نفوذ السعودية، ولا يرغب في رؤية تظاهرات تحمل صور السيد حسن نصر الله في شوارع عمان. للملك وجهة نظر تحذِّر دوماً من خطر الشيعة على السنة في المنطقة، وهي أيضاً مقولة لطالما ردّدها قطاع كبير من الجناح المتشدد في السعودية.
    وبينما فضّل الملك عبد الله البقاء في بلاده ومتابعة الوضع اللبناني عن كثب، قرّر الملك الأردني التوجّه إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري حسني مبارك للاستفادة ممّا يمتلكه من حصيلة معلومات استخبارية في الأساس.
    بعد عشر دقائق من اللقاء الذي تم في قصر الاتحادية في ضاحية مصر الجديدة شرق العاصمة المصرية سأل الملك الأردني مبارك: فخامة الرئيس كيف ترى ما حدث؟ كان رد مبارك الفوري مصيبة حلّت على رأسنا، ولا أحد يعلم إلى أين ستمضي بنا.
    ثمّ أصدر مبارك وعبد الله بياناً مشتركاً حذّرا فيه من «انجراف المنطقة إلى مغامرات لا تخدم المصالح والقضايا العربية، وعبرا عن دعمهما الكامل للحكومة اللبنانية في جهودها للحفاظ على مصالح لبنان وصون سيادته واستقلاله وبسط سلطتها على كامل التراب اللبناني».
    كما أكدا ضرورة التزام جميع الأطراف الإقليمية بأقصى قدر من ضبط النفس والمسؤولية وعدم القيام بأي أعمال تصعيدية غير مسؤولة تستهدف جر المنطقة إلى أوضاع خطيرة وتورطها في مواجهات غير محسوبة تتحمل تبعاتها دول المنطقة وشعوبها».

    تمويل القصف وإعادة الإعمار!

    يوم الثلاثاء 25 تموز، أي بعد 13 يوماً من الهجمات الإسرائيلية، حدث تطور نوعي في الموقف السعودي تحت تأثير التململ الشعبي من الموقف الرسمي المهادن. فخرج الملك ليطلق تحذيرات قوية من تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان، ومن حرب محتملة في المنطقة، إذا لم يرغم المجتمع الدولي إسرائيل على إيقاف الحربوجاء في بيان الديوان الملكي السعودي: «إن السعودية وإلى جانب تحركها السياسي تشعر بأن المأساة الإنسانية في لبنان وفلسطين تتطلب دعماً سخياً من كل عربي وكل مسلم وكل إنسان شريف». وأضاف البيان أن «المملكة قامت بدورها الذي يفرضه عليها واجبها الديني والقومي بشأن الأوضاع في المنطقة وتداعيات الأحداث في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، فحذّرت وأنذرت ونصحت ولم تأبه بمزايدات المزايدين. ولم تكتفِ بذلك، بل سعت منذ اللحظة الأولى لوقف العدوان وتحرّكت على أكثر من صعيد وبأكثر من وسيلة لحثّ المجتمع الدولي على إرغام إسرائيل على وقف إطلاق النار».
    وأوفد الملك عبد الله وزير الخارجية سعود الفيصل على عجل لمقابلة الرئيس الأميركي في واشنطن وإبلاغه وجهة نظرها في النتائج الخطيرة التي تترتب على استمرار العدوان، والتي لا يمكن أحداً أن يتنبأ بعواقبها إذا خرجت الأمور عن السيطرة. كما كلفت المندوبين الشخصيين بزيارة عواصم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لإبلاغ الرسالة نفسها.
    وخصص الملك منحة مقدارها خمسمئة مليون دولار للشعب اللبناني لتكون نواة صندوق عربي دولي لإعمار لبنان. كما وجه أمراً بإيداع وديعة بألف مليون دولار في المصرف اللبناني المركزي دعماً للاقتصاد اللبناني، بالإضافة إلى تخصيص منحة مقدارها مئتان وخمسون مليون دولار للشعب الفلسطيني لتكون بدورها نواة لصندوق عربي دولي لإعمار فلسطين.
    ومع ذلك، رفض السعوديون أية محاولة لعقد قمة عربية طارئة. وجرت اتصالات بين القاهرة وعمان مع الرياض أبلغت خلالها الأخيرة أن القمة لن تكون في صالح أنظمة الحكم، وأنها قد تخلق انطباعاً أميركياً وإسرائيلياً بأن العرب يؤيدون ما فعله حزب الله.
    وجهة النظر السعودية، وفقاً لمصادر عملت على مقربة من القصر الملكي السعودي، هي أنّ الحرب ابتدأها فصيل لبناني هو حزب الله بمعزل عن الدولة اللبنانية. لذلك لا يصح أن تتورط الأنظمة والحكومات، وإلا كان هذا مدعاة لسابقة تاريخية.
    في ما بعد، سيتبنى الملك الأردني الرؤية نفسها، ويبلغ الصحف الإنكليزية في تشرين الثاني 2006، أن الحرب الإسرائيلية على لبنان أضعفت الأنظمة العربية المعتدلة في المنطقة.
    وخلافاً لما هو متوقع، لم تحدث انشقاقات كبيرة في القصر الملكي، وبدت العائلة الحاكمة في الرياض متماسكة وذات موقف واحد حتى بين الأمراء المعروفين بتوجهاتهم الإصلاحية، مثل الأمير طلال المقيم منذ سنوات في القاهرة أو جيل الأمراء الشباب المتأثر بالنزعة القومية وتوجهات الشارع العربي.
    يقول المستشار طارق البشري، المفكر والقاضي والمؤرخ المصري المعروف، أن السعودية كانت رائدة الموقف الموالي للموقف الأميركي الصهيوني ضد لبنان، بعبارات لم يكن لها سوابق في أدبيات التعبير السعودي عن المواقف السياسية. ثم تلت ذلك بما تواجهت به حملات الإعلام المنتمي إليها من الدعاية إلى الموقف المعادي ذاته، والمخاصم للمقاومة الوطنية اللبنانية، سواء في الصحف أو الفضائيات أو تصريحات المسؤولين. ثم أتبعت ذلك بإثارة الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة وإحياء فتاوى من شيوخها تحرم الوقوف مع الشيعة، كما لو أن الصهاينة أقرب للمسلمين من الشيعة الموحدين بالله والمؤمنين برسوله.
    الأهم من ذلك كله أن وسائل الإعلام نقلت خبراً خلال العمليات العسكرية للعدوان الإسرائيلي على لبنان، مفاده أن السعودية والإمارات عقدتا اتفاقيات شراء أسلحة من الولايات المتحدة مع تحديث أسلحة قيمتها 4.2 مليارات دولار، منها 2.9 مليار دولار تمثل نصيب السعودية في هذه الصفقات.
    يقول البشري معقباً: «تركت وكالات الأخبار لنا أن نستنتج أن حكومة الرياض تمد مصانع السلاح الأميركي بمبلغ 2.9 مليار دولار، في الوقت الذي تمد به هذه المصانع إسرائيل بالأسلحة والذخيرة لتدمير لبنان ولتقتيل شعبه ولهزيمة حزب الله المقاوم. وهكذا كان الدعم لإسرائيل بالموقف السياسي وبالفتاوى الشرعية وبالإذاعة الإعلامية، وفوق ذلك وقبل ذلك وبعده بتمويل السلاح».
    وإلى جانب الموقف الرسمي والإعلامي، تحرّكت السعودية لخلق أجواء مؤيّدة لوجهة نظرها عبر الاستعانة بمؤسساتها الدينية ذات التأثير الروحي على ملايين السنّة في العالم العربي وخارجه. وأثارت فتوى للشيخ عبد الله بن جبرين، وهو عالم سعودي متشدّد، تحرّم على المسلمين نصرة حزب الله اللبناني لأنه شيعي جدلاً عنيفاً، بعدما وصف بن جبرين، وهو عضو سابق في هيئة كبار العلماء، أعلى هيئة دينية في السعودية، حزب الله بأنه «حزب رافضي»، وهو تعبير سلبي يستخدمه بعض المتعصبين السنة في إشارة إلى الشيعة.
    وهكذا تصاعد جدل مقيت كانت وجهة النظر الأبرز فيه هو أنه لا يجوز للسنّة دعم حزب الله الشيعي «الرافضي»، إلى آخر تلك الكلاسيكيات المعروفة بين غلاة السنّة والشيعة من أدب الردح وتبادل الشتائم.

    أولمرت والفرصة السانحة

    سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت للقاء الملك السعودي عقب الحرب، واستعان بوساطات مصرية وأردنية أكثر من مرة، وأوروبية وأميركية في أحيان أخرى. لكنه كان دائماً يواجه برد مقتضب: نأسف، الوقت لا يسمح.
    تصوّر أولمرت أن موقف الرياض من الحرب على لبنان يمكن أن يمثل بداية لعلاقات مفتوحة بين تل أبيب والرياض. لكنّ الملك السعودي كان يدرك خطورة الاقتراب من إسرائيل دون أن تقدم له جائزة سياسية ضخمة يستطيع بها تبرير سياسته أمام الرأي العام المحلي والعربي.
    أبدى أولمرت علانية، وبتشجيع أميركي ونصيحة أردنية غربية مشتركة، إعجابه بأداء وسياسية الملك السعودي. ورأى أن القتال في لبنان كشف عن مصالح مشتركة بين إسرائيل و«بعض الدول العربية المعتدلة».
    كان أولمرت يعتقد أن هناك دراسة أوسع للوضع في المنطقة وفهماً أفضل لبعض القيود التي على إسرائيل التعامل معها، وإدراكاً بأن إيران و«محور الشر المكوّن منها وسوريا وحزب الله وحماس لا يشكل في نهاية الأمر خطراً على إسرائيل وحسب، بل أيضاً على بعض الدول العربية المعتدلة».
    في ما بعد، انفتح السعوديون على حزب الله، وبدأوا في مراجعة مواقفهم السلبية منه. وقد تجلى هذا في اللقاء الذي عقده وفد من حزب الله ضمّ نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم والوزير محمد فنيش مع الملك عبد الله لأكثر من ساعتين.
    في كل الأحوال، رغم حديث التصالح والإيجابية، لم يزر السيّد حسن نصر الله الرياض ولم يحطّ الملك السعودي في بيروت. وبينما ينظر السعوديون بمرارة إلى ما حدث، فإنّه لا أحد يمكنه أن يكون ملكياً أكثر من الملك.




    الموت السريريّ للدفاع العربي المشترك

    كلّما تعرّضت إحدى الدول الأعضاء في الجامعة العربية لعدوان خارجي كالذي شنّته إسرائيل على لبنان صيف العام الفائت، اتّجهت الأنظار إلى دار المحفوظات حيث تقبع نسخة من معاهدة الدفاع العربي المشترك، ويجري التساؤل: لماذا لا تُنفذ
    المعاهدة.
    ومثلت هذه الحرب فرصة أخرى لكي تدخل الأوساط السياسية والدبلوماسية في جدل كلاسيكي حول شروط تنفيذ المعاهدة والأطر المحيطة بهافي خضم الحرب، دعا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى عقد قمة عربية طارئة، وطالب بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين ولبنان. وقال صالح: «لو فعّلنا اتفاقية الدفاع العربي المشترك ودور الجامعة العربية، لما غامرت إسرائيل في تحدّي هذه القرارات وتحدّي أيضاً الدول العربية التي لها علاقات معها».
    في المقابل، كان انفعال الرئيس المصري حسني مبارك واضحاً وهو يقول للصحافيين بعد نحو أسبوعين على بدء الحرب في معرض ردّه على سؤال عن إمكان تطبيق هذه المعاهدة على خلفية العدوان الإسرائيلي: «اللي بيقولوا اتفاقية الدفاع العربية المشتركة يروحوا يقروا الاتفاقية... لو قرو الاتفاقية هيلاقو إن فيه حاجة اسمها مشاورات ومداولات ولازم وزراء الخارجية يجتمعوا... الاتفاقية دي مش لعبة!».
    كلام الرئيس مبارك عن المعاهدة التي يرجع تاريخها إلى 56 سنة ماضية، بدا متصادماً ومتناقضاً مع تنفيذه سابقاً لبنود المعاهدة عندما تعرّضت الكويت لغزو من جيش الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1991.
    يومها قال مبارك: «وعلى رغم أن لدي معاهدة مصدّقاً عليها من البرلمان وهي اتفاقية الدفاع العربي المشترك، إلا أنني حرصت قبل إرسال قوات أن أرسل لإخطار البرلمان أنني طبقاً لكذا وكذا، عليّ التزام بإرسال قوات للمساعدة في تحرير الكويت كدولة عربية، فوافق البرلمان».
    في الحالة الكويتية، نُفّذت المعاهدة وشاركت قوات مصرية في إخراج القوات العراقية من الكويت، بل دفعت مصر ثمناً باهظاً استراتيجياً وبشرياً بسبب هذه المشاركة. لكن في الحالة اللبنانية، فإنّ الموقف مختلف والحسابات تبدو معقدة أمام
    الرئيس.
    وقّع معاهدة الدفاع العربي المشترك في مدينة الإسكندرية بتاريخ 17 حزيران 1950 رئيس الوزراء المصري السابق مصطفى النحاس باشا ووزير الخارجية الراحل الدكتور محمد صلاح الدين بك مع ممثّلي ست دول عربية أخرى (اليمن والسعودية والعراق وسوريا والعراق والأردن). وتنص المادة الثالثة من هذه المعاهدة على أن تتشاور الدول المتعاقدة في ما بينها، بناء على طلب إحداها كلّما هدّدت سلامة أراضي أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفي حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي يقتضيها
    الموقف.
    وهكذا فالنص واضح ولا لبس فيه، وهو يدعو إلى أن تبادر الدول المتعاقدة فوراً إلى توحيد خططها في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي يقتضيها الموقف.
    وتقول المادة الرابعة من المعاهدة عينها إنه «رغبة في تنفيذ الالتزامات السالفة الذكر على أكمل وجه، تتعاون الدول المتعاقدة في ما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها، وتشترك، بحسب مواردها وحاجاتها، في تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية لمقاومة أي اعتداء مسلح».
    لم يترك البعض المناسبة تمر من دون تسجيل موقف، مثلما فعل رئيس «حزب مصر العربي الاشتراكي» وحيد فخري الأقصري الذي رفضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية دعواه المقامة ضد الحكام العرب لإلزامهم بتطبيق معاهدة الدفاع العربي المشترك.
    وكان الأقصري قد تقدم بالدعوى لكشف ما وصفه بتخاذل الحكام العرب في التعامل مع قضايا الأمة المصيرية، وفي تطبيق معاهدة الدفاع العربي المشترك لمساندة لبنان وفلسطين وتنفيذ كل المعاهدات والمواثيق والقرارات الصادرة عنهم منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 حتى الآن. واتهم الحكام العرب بالتقاعس عن تقديم المساعدة للشعبين المحاصرين ووقوفهم مكتوفي الأيدي إزاء تعرّضهما للعدوان مخالفين بذلك نصوصاً ومواثيق دولية سبق أن وقّعوا عليها.
    واستند الأقصري في دعواه إلى ميثاق الجامعة العربية ومواثيق إقليمية أبرمها الحكام العرب تنص على التضامن والوحدة العربية، وما ينص عليه القانون الدولي من «وجوب الالتزام بالمعاهدات والمواثيق والمعاهدات العربية التي أصبحت قوانين وطنية يتحتم العمل بها داخل البلاد العربية».
    وكان عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري النائب علي أحمد لبن قد تقدم بسؤالٍ عاجلٍ إلى الدكتور أحمد نظيف رئيس الحكومة ورئيس المجلس الأعلى للشباب، بخصوص ما نُشِرَ من مغالطات منسوبة إلى رئيس المجلس الأعلى للشباب الدكتور صفي الدين خربوش، في صحيفة محلية بعنوان «خربوش لا يوجد ما يلزم مصر بالدفاع عن دول عربية عسكريّاً»،
    وأشار لبن إلى المغالطات المنسوبة إلى خربوش، ومنها أن دور الجيش المصري مقتصر على الدفاع عن الأمن القومي المصري ومواجهة التهديد الداخلي والخارجي.
    وأكد لبن أن اتفاقية الدفاع العربي المشترك قد استخدمت لمعاونة الأميركيين في ردِّ اعتداء صدام حسين على الكويت، لذلك من حق اللبنانيين والفلسطينيين بقطاع غزة والضفة الغربية وغيرها بأن يستخدموا هذه الاتفاقية في طرد الصهاينة من أراضيهم.
    وقال لبن إن المسؤول المصري نسي أنّ هناك أراضي مصريةً لم تتحرّر بعد من الصهاينة مثل أم الرشراش وغيرها، وأنه لا بد من تفعيل المعاهدة من أجل التحرير، مؤكداً أن خربوش نسي أيضاً أن المقاومة الشعبية المصرية كان لها دورٌ مهمٌّ في حرب فلسطين عام 1948، وفي تحرير القنال من المحتل عام 1951، وأنه قد آن الأوان اليوم لهذه المقاومة الباسلة أن تؤدِّيَ دورها في استرداد أرضنا السليبة في أم الرشراش وقطاع غزة وغيرهما، ما يخفف العبءَ عن المقاومتَيْن اللبنانية والفلسطينية.

    الجزء الأول | الجزء الثاني