strong> ثائر غندور
يقصد أحد الشبان صالون «الساحة» للحلاقة. يطلب حسين من زبونه أن يأتي في اليوم التالي لأنّه سيقفل الصالون قبل الوقت المعتاد، فهو سينهي تلحين نشيد أحد الأندية الرياضية.
يملك حسين ديب صالون حلاقة في بلدة معركة وهو طالب سنة خامسة تأليف موسيقي في الكونسرفتوار الوطني. البداية كانت في ليبيا «كان عمري اثني عشرة سنة حين لاحظ والدي هوسي بآلة الـ Keyboard». فقد كان محمد يدقّ بيديه على الطاولات والكراسي، ويخبره والده بأنّه كان يحرّك أصابعه ويعزف وهو نائم. لهذه الأسباب، طلب والده من إدارة المدرسة أن تُدرّس ابنه مادة الموسيقى، وهكذا كان. هو أمضى ست سنوات في دراسة العزف على آلة الـ Keyboard في مدرسته الليبية، إلى أن عاد إلى لبنان في سن الثامنة عشرة. لا يزال محمد يحتفظ بأول Keyboard صغير اشتراه له والده حين كان طفلاً.
وعند العودة إلى لبنان برز موقفان متناقضان من للعائلة الكبيرة: رفض مطلق من الخالة والأخوال لفكرة دراسة الموسيقى، «لكونها حرام وما بطّعمي خبز»، وتأييد من الأعمام للخيار. لم يرضخ للضغوط التي مورست عليه من منطلق أن الموسيقى محرّمة دينياً، بعد الدعم الذي تلقّاه من والده وإخوته، «لكنّ الدعم لم يعد موجوداً اليوم كما كان في السابق، فعندما أريد أن أعزف في المنزل يطلبون مني خفض صوت الموسيقى، وأحياناً يغلقون باب الغرفة بشكل مزعج. لكن والد حسين ما زال حتى الآن يدفع ابنه لعزف موسيقى الدبكة ليدبك. أنا أتفهمهم لكنني أريد أن أتمرّن». أما الأصدقاء فيمثلون دفعاً معنوياً كبيراً له، «فهم يمضون سهرات طويلة في الاستماع إلى عزفي».
بدأ الدراسة في المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار)، وهو أنهى السنة الرابعة في التأليف الموسيقي. تسأله إذا كان سيتسجّل في السنة الدراسية المقبلة؟ يجيب: «إذا توافر المال». فهو يعاني من ضائقة مالية بسبب انشغاله عن عمله في صالون الحلاقة أحياناً لمصلحة الموسيقى.
يعمل حسين طوال النهار في صالون الحلاقة، وهو مصدر دخله الوحيد. «فالموسيقى غير مقدّرة في هذا البلد»، يقول بحرقة. هو يطمح للتأليف الموسيقي. يريد أن يتمرّن، أن يمارس مهنته، لكن هذا الأمر غير متوافر في قريته الجنوبية. «أحياناً، أدرّب كورالات بعض الثانويات الرسمية والخاصة، ولحّنت أناشيد لبعض المدارس». وقد فاز كورال إحدى الثانويات بالجائزة الأولى على الصعيد الوطني في مسابقة طلابية. أما المقابل المادي، فهو لا يُذكر. أحياناً، يدفع له البعض بدل تنقلاته، رغم أنه يمضي أياماً في تدريب الطلاب، على حساب عمله في صالون الحلاقة.
لكن حسين، الشاب اليساري، الذي يعتقد أن هناك تغييرات ضرورية يجب أن تحصل في مجتمعه يصرّ على إكمال تدريب الطلاب، وإن كان البدل المالي غير لائق. يرى حسين أنّ تدريس مادة الموسيقى لطلاب المدارس مدخل لتغيير هذه النظرة إليها ولإحداث التغييرات في المجتمع، وعلى هذا الأساس يحاول أن يدرّس مادة الموسيقى باستمرار في إحدى المدارس. استطاع أخيراً إقناع لجنة الأهل في إحدى الثانويات الرسمية بتمويل تدريس مادة الموسيقى، لكن المدير رفض الأمر بحجة أن «هذه المادة غير مهمّة».
ارتبط حسين منذ أشهر بحبيبته. هي جارته. يحبّها حسين كثيراً، لكنهما لن يتزوجا قريباً. فهو لم ينتهِ من تشييد منزله. تقدّر خطيبته هوسه بالموسيقى «فهي لم تعارض فكرة أن أشتري Keyboard بألفي دولار وأنا لم «أضرب ضربة» في المنزل منذ أشهر».
يحاول المجتمع أن يحدّ طموحه بشكل يومي، «كل تفاصيل المحيط محبطة». لكنه مصرّ على البقاء في جنوبه، وعلى صنع التغيير هناك.