نقولا ناصيف
يقرأ كل من الرئيسين أمين الجميل وميشال عون، وكذلك أركان قوى 14 آذار مسيحيين ومسلمين، نتائج الانتخاب الفرعي في المتن على طريقته. وفي حصيلة هذه القراءة يتبدى أنه لا خاسر الأحد الفائت، وأن طرفي النزاع رابحان. كذلك أفضت قراءة الانتخاب الفرعي إلى نتيجة سياسية وأخرى حسابية، منفصلة إحداهما عن الأخرى. وهي سابقة في مقاربة نتائج انتخابات نيابية عامة أو فرعية في لبنان، قبلاً وحاضراً. اذ لا تعدو القراءة السياسية إلا تبريراً للرقم واستثماراً لمعطياته.
واللافت أن جانباً من هذه القراءة يقصره فريق من طرفي التساجل، وهو قوى 14 آذار، على انتخابات المتن دون تعميمه على نتائج انتخابات 2005. ويعبّر ذلك أيضاً، بالنسبة إلى رابح يكبّر حجم انتصاره وخاسر يرفض التسليم بالخسارة، عن المأزق الذي تتخبّط فيه قوى 14 آذار والمعارضة على السواء، وأصبح كل منهما يريد من نتائج انتخابات فرعية انتصاراً سياسياً كبيراً لفريق بغية إظهار خسارة سياسية كبيرة ألحقت بالفريق الآخر.
وفي واقع الأمر، فإن بعض خلاصات الانتخاب الفرعي في المتن يشير إلى ملاحظات أبرزها:
1 ــــ في ظل قانون الانتخاب الحالي، فإن أياً من الأقضية المسيحية ليس في وسعه إنجاح المرشحين المسيحيين بأصوات ناخبيهم إلا في أربع دوائر، لا تزال مستقلة هي: المتن، كسروان، جبيل وزحلة، في حين أن الدوائر المسيحية الأخرى، بما فيها الدوائر ذات الغالبية المسيحية المرجحة أو ذات التأثير المسيحي المؤثر، كجزين وزغرتا وبعبدا والشوف والكورة وبشري والبترون، باتت جزءاً من محيط مختلط يضعف فاعلية خيارات الناخبين المسيحيين نظراً إلى ذوبان أصواتهم في المحيط السنّي أو الشيعي أو الدرزي. تالياً ما يصحّ عند البعض قوله إن مرشح عون فاز بأصوات ناخبين شيعة في المتن، يقتضي أن يستمد قياسه سلفاً من نتائج انتخابات 2005 التي أتاحت لنواب زغرتا وبشري والكورة والبترون أن يفوزوا بأصوات السنّة في دائرتي الشمال الأولى والثانية. كذلك الأمر بالنسبة إلى النواب المسيحيين في بعبدا وعاليه الذين فازوا بترجيح أصوات الناخبين الشيعة، وهي حال النواب المسيحيين الآخرين في الجنوب. ويشير ذلك إلى أن المرشحين المسيحيين، موارنة أو سواهم، أضحوا أسرى الدائرة الانتخابية والتغييرات الديموغرافية والتحالفات السياسية.
وكما أعطى ناخبون شيعة أصواتهم الأحد لمرشح عون، أعطى ناخبون سنّة ودروز أصواتهم للجميل.
2 ـــ لا تنفصل القراءة السياسية عن القراءة الحسابية للانتخاب الفرعي، كما عن أي عملية سياسية يدخل فيها رقم أو نصاب. وينطبق ذلك أيضاً على انتخابات رئاسة الجمهورية التي أضحى الرقم فيها ـــــ وهو النصاب ـــــ مقرّراً مصير الاستحقاق برمته. مغزى ذلك، في ضوء نتيجة الانتخاب الفرعي، أن نسبة 51 في المئة التي حازها مرشح عون للفوز بالمقعد الشاغر، تجعل الجميل بنسبة الـ49 في المئة التي حازها زعيماً كبيراً للمتن أيضاً، لا تفصل بين زعامته وزعامة عون إلا نقطتان حدّدتهما فئة من الناخبين رجّحت كفة أحدهما على الآخر. تالياً فإن سيطرة عون على المقاعد الثمانية في المتن، والمقاعد الثمانية في كسروان ـــ جبيل، تجعله زعيماً مسيحياً مقدار الزعامة التي يمثلها النائب وليد جنبلاط على الناخبين الدروز في الشوف وعاليه وبعبدا، والنائب سعد الحريري على الناخبين السنّة. هذا القياس هو ما يجسّده التصويت الأكثري لقانون الانتخاب إذ يعطي الحائز 51 في المئة من الأصوات كل المقاعد في مجلس النواب، ولا يحجب من جهة أخرى فاعلية النسبة الباقية التي هي 49 في المئة التي تمثل بدورها نجاحاً كاملاً ناقصاً نقطتين.
لكن الوجه الآخر لما حدث في المتن، أن خسارة الجميّل مقعداً أدى إلى ترسيخ زعامته على نصف القضاء، وأوصدت الباب أمام البعض الذي اعتقد أن هزيمته ستفضي إلى سقوطه أو إقفال أبواب بيته السياسي، أو تدفع بحزب الكتائب إلى الانهيار. أو في أبسط الأحوال بات من السهل خلافة زعامة الرئيس السابق. ولعلّ الأرقام التمثيلية لنتائج الانتخاب الفرعي تعبّر عن توازن قوى جديد في المتن يسلّم به عون، وهو يفاخر بأنه نجح في انتزاع مقعدين مارونيين في بعبدا والمتن من قوى 14 آذار في سنتين وثلاثة أشهر من انتخابات 2005، وباتت كتلته النيابية وحلفاؤها من 23 نائباً:
ـــــــ تراجع التمثيل الماروني لعون من 55 في المئة في انتخابات 2005 إلى 43 في المئة الأحد، وتقدّم التمثيل الماروني للجميل من 45 في المئة في انتخابات 2005 (من خلال نجله الشهيد) إلى 57 في المئة الأحد.
ـــــــ تراجع التمثيل المسيحي لعون من 63 في المئة في انتخابات 2005 إلى 51 في المئة الأحد، وتقدّم التمثيل المسيحي للجميل من 35 في المئة في انتخابات 2005 (عبر نجله الشهيد) إلى 49 في المئة الأحد الماضي.
لكن الحقيقة الموازية لتقدّم الواقع التمثيلي للرئيس السابق أن المتن يشكّل تقريباً الحصن السياسي والانتخابي والشعبي التقليدي والتاريخي الأقوى وربما الوحيد. وليست هذه حال عون الذي يمسك بكل مقاعد كسروان ـــ جبيل أيضاً. وما يصحّ قوله كذلك، في نتيجة الانتخاب الفرعي، أن المتن لا يفسح لزعيم ماروني آخر سوى الرجلين. وهو ليس مسقط عون، ولا دائرة ترشّحه في انتخابات 2005.
بل قد تكون المفارقة المهمة، المنفصلة عن الانتخاب الفرعي، أن الجميّل نجح أكثر من أي وقت مضى في توحيد حزب الكتائب حوله وتبديد الخلافات وتحريك حضوره في الشارع وجعله مجدداً في صلب الخيارات السياسية للمتن، وإن لم يفز.
3 ـــــــ تمثّل ردود الفعل المتشعبة التي أعلنت غداة إعلان فوز مرشح عون مظهراً لما ستكونه مقاربة طرفي النزاع، قوى 14 آذار والمعارضة، الاستحقاق الرئاسي بمعزل عن الرئيس المقبل للجمهورية واحتمال التوافق عليه. وإذ بدا، في الانتخاب الفرعي، أن في وسع كل من الجميل أو عون حسم المواجهة الانتخابية لمصلحته بأصوات ناخبيه، فإن أياً من قوى 14 آذار والمعارضة لن يكون في مقدوره، منفرداً، الاستئثار بالاستحقاق وفرضه على الآخر، وخصوصاً أن الأمر أضحى مرتبطاً بنصاب الثلثين.
وفي أي حال لم يتوهم أي من الجميل وعون ان الانتخاب الفرعي طريقه إلى رئاسة الجمهورية, ولا المواجهة التي رافقت الانتخاب الفرعي والاصطفاف المسيحي، والماروني خصوصاً، حياله يجعل الاستحقاق الرئاسي أمراً مؤكداً.