طارق ترشيشي
ينتظر أن تشهد الساحة السياسية، من الآن وحتى الدخول في المهلة الدستورية لانتخابات رئاسة الجمهورية، سعياً من الموالاة والمعارضة لتوظيف نتائج الانتخابات الفرعية في دائرتي بيروت الثانية والمتن الشمالي في الاستحقاق الرئاسي، من دون انتظار موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من هذه نتائج انتخابات أُجريت بناء على مرسوم لم يحمل توقيع رئيس الجمهورية، وصادر عن حكومة يعتبرها فاقدة لشرعيتها الدستورية والميثاقية.
وفي انتظار ذلك، ستبقى نتائج الانتخابات موضوعة في ميزان الربح والخسارة، إلى أن تبرز معطيات سياسية جديدة تطغى عليها وتصرف الأنظار عنها، ولولا مبادرة فريق الموالاة إلى القوطبة على انتصار «التيار الوطني الحر» في المتن عبر محاولة إظهار حجم «التصويت الماروني» للرئيس أمين الجميل لكان توقّف الضجيج الذي أحدثته هذه الانتخابات في اليوم التالي لصدور النتائج، وعاد المتنافسون كل إلى قاعدته لتقييم التجربة ولاستخلاص العبر استعداداً للآتي من الاستحقاقات والمعارك السياسية الانتخابية.
وفي رأي أوساط معارضة أن الموالاة تلقّت صفعة كبيرة، في الانتخابات «مهما كابرت». واعتبرت أنه كان من المتوقع أن لا تعترف الموالاة بالهزيمة «لأن مَن لم يعترف بانتصار المقاومة في عدوان تموز من العام الماضي لن يعترف بخسارة مقعد نيابي». ويعتبر مصدر معارض أن الخاسر الأول في معركة انتخابات المتن الشمالي كانت البطريركية المارونية اذ أنها بفشلها في التوفيق بين الطرفين المتنافسين ومن ثم دعوتها الناخبين إلى ممارسة حقهم الديموقراطي التي انطوت على الانحياز المبطّن إلى الجميّل، إنما خسرت أولاً صفة «المرجعية القادرة» وخسرت ثانياً فرصة توحيد الصف المسيحي التي توافرت لها عندما طرحت مبادرتها قبيل الانتخابات.
إلى ذلك، فإن «قوى 14 آذار» تعرّضت، في رأي المصدر نفسه، لـ«خسارة استراتيجية» وهي خسارة الأرمن نتيجة ما أثير ضدهم من مواقف عنصرية.
وعلى رغم مبادرة سامي أمين الجميل، بعدما شعر الفريق الأكثري بتداعيات الكلام الانفعالي للرئيس الجميل، إلى إعلان موقف تراجعي عنه، الا أن ما انكسر كان قد انكسر، بدليل أن الوزير الأرمني «المستقبلي» جان أوغاسابيان بادر إلى الاعتراض على كلام الجميل. أما الجميل الأب فقد خسر كشخص لأنها المرة الوحيدة التي لم يستطع أن يرث فيها، وبالتالي أُقفلت أمامه طريق الوصول إلى بعبدا، وسيتم التعاطي معه في المستقبل على أساس عاطفي كـ«جبر للخاطر» وليس اعترافاً بقوته السياسية.
أما العماد عون، وخلافاً لمَن يفلسفون المعركة وعلى رغم كل الحشد من الكنيسة إلى الإقطاع السياسي والمال السياسي وقوى 14 آذار والسلطة القادرة على صنع ما تشاء في العملية الانتخابية وصولاً إلى التدخل الأميركي، فقد عاد وانتصر مرة جديدة، عندما تكمن من منع التزوير عبر الشارع بعدما دعا أنصاره إلى الاحتشاد في ساحة سرايا الجديدة.
وفي انتخابات بيروت، يقول المصدر المعارض، إن تيار «المستقبل» لم يستطع إجراء استفتاء على شعبيته، وإذا اعتبرها كذلك فمعنى ذلك أن شعبيته، بحسب الأرقام، لا تتعدى الـ15 في المئة.
على أن الانتخابات قد أسفرت عن رسالة مهمة من خلال الشيعة، فمع أن «حزب الله» وحركة «امل» تركا الخيار للناخبين ولم يمنعانهم من الانتخاب، واكتفيا بالإعلان عن عدم المشاركة لاعتبارهما الحكومة وكل ما يصدر عنها غير شرعي، لم يشارك من الناخبين الشيعة سوى ما نسبته 3 إلى 4 في المئة مما يعني أن الرأي العام الشيعي منسجم في المطلق مع القرار السياسي الشيعي على رغم كل محاولات الاختراق المموّلة التي لم تستطع أن تحدث ثقب إبرة في جدار هذا القرار.
وأما على الصعيد الخارجي، فيرى المصدر المعارض أن الخاسر الأول خارجياً هو الرئيس الأميركي جورج بوش الذي بات مضطراً أن يتابع انتخابات «مختار الضيعة» في لبنان ويجعله جزءاً من الأمن القومي الأميركي، حتى يحفظ الدور الأميركي في الشرق الأوسط، وعلى رغم ذلك لم يستطع ربح معركة «مختار المتن» وهذا ما سيعطي قوى الممانعة مزيداً من الجرأة على مقاومة المشروع الأميركي والأمل في الانتصار عليه في ظل المفاوضات الأميركية ـــــ الإيرانية في العراق.
ويخلص المصدر إلى القول مستغرباً تصريحات قادة 14 آذار، القائلة بأنهم ربحوا المعركة في السياسة وخسروا المقعد النيابي، الأمر الذي لا يمكن تفسيره في أي قاموس سياسي «إلاّ إذا كان انتصارهم النجاح في تخريب وحدة المسيحيين كما نجحوا في تخريب وحدة اللبنانيين، وهذا هو الانتصار الذي سيكافئهم عليه الخارج ويحاسبهم عليه الداخل».