أنطون الخوري حرب
في ظلّ استفحال السجال الرئاسي على خلفية أرقام الأصوات المارونية في انتخابات المتن، تلوح في الأفق بوادر طرح قديم ــ جديد لمنع حدوث فراغ رئاسي في ظل وجود حكومة لا يعترف بها نصف البلاد على الأقل. اذ عاد العاملون على خطّ تأليف حكومة إنتقالية، برئاسة قائد الجيش العماد ميشال سليمان.
وفي هذا الإطار، يؤكّد مصدر رفيع أن أجواء طرفي الإنقسام السياسي حيال هذا الطرح «باتت أكثر نضجاً»، ذلك أن أقطاب الفريق الحكومي «باتوا أكثر قبولاً بهذا الطرح، رغم مساجلاتهم للعماد ميشال عون في شأن التمثيل الماروني، بعد انتخابات المتن، بعدما أدركوا عدم قدرتهم على الغاء العماد ميشال عون»، كما أن المعارضة «باتت أكثر ميلاً للقبول بمعادلة إنتقالية تنقذ الوضع السياسي من المزيد من الإنهيارات».
وتلفت المصادر الى أن جهوداً دبلوماسية كبيرة بذلت من أجل الحصول على موافقة دولية وإقليمية على هذا الطرح، وهي «أثمرت موافقة أميركية وسورية» حتى الآن، مرفقة بشرط أميركي يشدّد على ضرورة «موافقة الحكومة الحالية على الصيغة الجديدة»، وبشرط سوري يشدّد على «موافقة المعارضة».
وإذا كانت المعارضة أوكلت البتّ بهذا الأمر للحليف المسيحي الأكبر فيها، العماد عون، فإن تيار «المستقبل» تمكّن، بحسب المصادر، من إقناع رئيس النائب وليد جنبلاط الذي أصبح موافقاً على طرح إسم العماد سليمان لرئاسة الحكومة الإنتقالية، بعدما كان يرفض سابقاً مجرد طرح الموضوع، وهو يترجم هذا الإيحاء من خلال مواقفه الأخيرة من الجيش بعد اندلاع أحداث مخيم نهر البارد. وإذ تؤكّد الأوساط الناشطة في تسويق الإقتراح أن البطريركية المارونية لا تُبدي موقفاً سياسياً من سليمان، فإنها تشير الى أن «الخط الأحمر لدى بكركي هو الوقوع في فراغ رئاسي»، ولذلك «تفضل هذا الخيار على خيارَي إناطة صلاحيات الرئاسة الأولى بحكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة أو تأليف حكومة ثانية موازية للأولى».
وتلفت الأوساط الى أن البطريرك نصر الله صفير يعطي الأولوية لمطلب التوافق على انتخابات رئاسية بنصاب دستوري تؤمّن إجراءه حكومة شرعية واحدة، بدل «انتخاب نيابي أكثري لرئيس فئوي تجريه حكومة فئوية».
وحتى هذه الساعة، لم يعرف بعد ما إذا كان العماد سليمان سيقبل بترؤّس حكومة من مدنيين يمثلون طرفي المعارضة والسلطة، أم أنه سيؤلّف حكومة من المجلس العسكري لقيادة الجيش الذي يمثل الطوائف الأساسية الستّ، كما حصل مع العماد عون عام 1988، لكن من المؤكّد، في حال نجح الاقتراح، أنه سيحتفظ برتبته العسكرية إضافة إلى رئاسة الحكومة وحقيبتي الداخلية
والدفاع.
أما عن برنامج عمل حكومة سليمان الإنتقالية، فتؤكد الأوساط المتابعة أنه يجب أن تكون لحكومة كهذه «رزمة متكاملة من الإجراءات، تبدأ بإقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية، تجري على أساسه إنتخابات مبكرة، يليها انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وتؤكد المصادر ذاتها أن البطريركية المارونية تجد بيان الثوابت المارونية صالحاً لسدّ أية ثغرات قد تكشفها الظروف اللاحقة في عمل الحكومة الإنتقالية التي يجب أن تحصل على دعم كل الفرقاء المسيحيين، وهي تأخذ في الإعتبار حذر الرئيس إميل لحود ورئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية من هذا الطرح.
وتختم الأوساط المتابعة بالإشارة الى أن طرح الحكومة الإنتقالية برئاسة سليمان يلقى اليوم صدى إيجابياً، حتى لدى سليمان نفسه الذي كان حتى اليوم يرفض مجرد النقاش في هذا الموضوع، واضعاً نصب عينيه كيفية تجنيب البلد الهزّات العنيفة التي تضربه منذ صدور القرار 1559، وهو الذي سيستقيل من منصبه في قيادة الجيش إذا أصبح في البلد حكومتان تتنازعان الشرعية والحكم. وإذا كان الإستحقاق الرئاسي المقبل يبدو مارونياً أكثر مما هو لبناني، فإن العماد عون يبقى الماروني الأقوى على طريق القصر الجمهوري. فهل ستكون حكومة سليمان نوعاً من التمهيد لخيار مسيحي ديموقراطي ودستوري يعيد عون إلى بعبدا، بعد استحالة هذا الأمر في ظل الإنقسام السياسي ــ الطائفي؟